عدم السماح بانتصار روسيا في أوكرانيا و"اشتعال" الشرق الأوسط

11-6-2024 | 17:25

لم يعد أمرًا غريبًا ولا مبهمًا الارتباط ما بين الحرب على غزة، والحرب الروسية-الأوكرانية. 

وخطر اشتعال الشرق الأوسط بسبب مواجهة أمريكا وأوروبا مع روسيا والصين.

واقع الحال أننا نشهد لعبة أمم معقدة، ترتبط فيها كل خطوة من أحد الأطراف بخطوة الطرف المقابل له في اللعبة، وعملية "النقلة" و"النقلة المضادة" مثل لعبة الشطرنج الصامتة بشكل مخيف؛ نظرًا لأن اللاعبين يتحركون ببطء، ولا يبدون أي رغبة في التوقف انتظارًا لنهاية المباراة.

والمحزن هنا أننا أمام مفرمة لحم مروعة، لا يرغب الطرف الغربي بالتوقف، ولا يهمه عدد الضحايا، وتراوده شهوة الانتقام، وتحركه مصالحه الضيقة في الهيمنة على العالم، وتشجعه حقيقة أن الفلسطينيين والأوكرانيين هم من يدفعون الثمن، وأن أوروبا عاجزة وتشارك صاغرة في تمويل ودعم واشنطن في "حروبها التي لا نهاية لها".

..وربما يبدو غريبًا استمرار أوكرانيا في حرب ما كان لها أن تقع، إلا أنها مستمرة رغم أنها تخسر حياة خيرة شبابها ومزيدًا من الأرض واستقلالها، والأخطر تقامر بوجودها كدولة، لصالح العم سام.

وتبدو الدولة العميقة في واشنطن مستريحة فهي لا ترغب سوى في إنهاك روسيا والصين وأوروبا وبقية الحلفاء في آسيا وأماكن أخرى لتستمر"قوة عظمى وحيدة" بتمويل الآخرين سواء بأموالهم أو أرواحهم.

.. وبينما تخسر أوكرانيا، لا يتوقف زيلينسكي الدمية، ويزداد جنون نتنياهو كلما غاص أكثر في مستنقع غزة، وفي الحالتين يبدو زيلينسكي ونتنياهو "رهينة" خطوة بايدن المحكومة بحسابات الدولة الأمريكية العميقة، وحساباته الانتخابية.

.. وأحسب أن المؤشرات كلها تؤكد أن حرب أوكرانيا سوف تستمر، ولن يسمح لها بأن تتوقف أبدًا، ويعمل الغرب على زيادة درجة التصعيد، ولن يسمح لبوتين بإعلان أي انتصار ولو جزئي. 

ومن هنا جاء قرار السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة حلف شمال الأطلسي ضد أهداف في عمق أراضي روسيا، ورفعت القيود المفروضة على تزويد كييف بأسلحة متقدمة أبرزها طائرات أف16، وصواريخ بعيدة المدى، مع تلويح  الرئيس الفرنسي ماكرون بأرسال خبراء غربيين لتدريب قوات زيلينسكي داخل أوكرانيا.

ويتفق معظم الخبراء العسكريين على أن روسيا لن تترك هذه التهديدات دون رد. وكشف العقيد في القوات الخاصة الروسية، أناتولي ماتفيتشوك عن مفاجأة خطيرة عن كيفية رد موسكو بقوله "بالطبع، لا يمكننا، الآن، ببساطة توجيه مدافعنا وصواريخنا والبدء في إطلاق النار على أهداف عسكرية، على سبيل المثال، في أراضي بولندا أو رومانيا أو ألمانيا. ولكن يمكننا في الواقع تنفيذ إجراءات بالوكالة"، وهنا تتفجر المفاجأة.

وبوضوح يقول العقيد أناتولي "لدينا كثير من الحلفاء حول العالم يكرهون الولايات المتحدة والغرب، ويشنون هجمات عليهما، بالدرجة الأولى، في العراق وسوريا، حيث توجد قواعد ومرافق عسكرية أمريكية، ويمكننا تزويد الحوثيين، على سبيل المثال، بأنظمة صواريخ ساحلية مثل "بال" أو "باستيون"، يمكنها ضرب السفن التابعة للبحرية البريطانية والأمريكية وغيرها من القوات البحرية التابعة لحلف شمال الأطلسي.

... وأحسب أن هذه تمثل نقلة جديدة في الصراع ما بين روسيا والغرب، ففي البداية استعان كلا الطرفين بمقاتلين أجانب، وبعدها زاد الغرب من مساعدات الأسلحة ونوعيتها، وحجم التدريب والمعلومات الاستخبارية، والآن أسلحة متقدمة وتحريض غربي على ضرب العمق الروسي.

.. هل باتت المواجهة تنزلق باتجاه حرب مدمرة، وباتت كل الأهداف والوسائل مشروعة، يبدو الأمر كذلك، وبالرغم من وجود مفاوضات غير معلنة على مستوى القنوات الدبلوماسية العسكرية، وتحذير موسكو المتواصل للولايات المتحدة وبريطانيا من أنها سوف تدمر طائرات الاستطلاع إذا لم تتوقف  الطلعات الجوية التي تقوم بها قرب حدودها، ورغم كل ذلك الحرب مستمرة وسط استعراضات غير جادة للحديث عن السلام الذي يبدو بعيدًا الآن.

...ويبقى أن الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى يلعبون لعبة أمم معقدة، فمن ناحية واشنطن فهي لن تسمح الآن بهزيمة مذلة، وأوروبا تتخوف من قدوم ترامب، ونفض يده وتركها تواجه مخلفات المواجهة مع موسكو، والغوص في مستنقع أوكرانيا أو جر أذيال الخيبة، وعدم تحقيق نتائج تبرر مليارات الدولارات التي أنفقت، وتبرز عجزها المخزي بدون واشنطن، أما الصين فهي تشعر بالراحة لغرق واشنطن وبروكسل في هذه الحرب التي لا نهاية قريبة لها.

وفي الجانب الآخر لا تملك روسيا رفاهية قبول سلام الغرب، وإعادة كل شيء لأوكرانيا، فهذا انتحار سياسي لبوتين، ولم يترك الغرب خيارًا له سوى الاندفاع إلى الأمام، وكلما اقترب من انتصار صعد الغرب لمواجهة خطوة مما يدفعه للتصعيد خطوة. والآن الخطوة الأخطر توسيع واشتعال "الحرب بالوكالة"، من أوكرانيا الى سوريا والعراق واليمن، وبالنتيجة حرب غزة ولبنان، وجر إيران للحرب.

وهنا الخيار سيكون إما تهدئة غزة وإطلاق وعود بمسار سياسي للقضية الفلسطينية، ومحاولة استعادة إيران وإدماجها في المنطقة عبر مصالحات وتفاهمات لاجتذابها بعيدًا عن موسكو وبكين. أو المقابل اشتعال الشرق الأوسط في لعبة "عض أصابع" انتظارًا للإعلان عن وقف هذه الجولة والانتقال إلى المسرح الآسيوي لبدء "حرب تايوان". كل السيناريوهات مفتوحة، وسوف تظهر بوضوح بعد الانتخابات الأمريكية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة