عندما أدى سعادة الرئيس اليمين الدستورية أمام مجلس النواب في شهر أبريل الماضي ووضح في خطاب توليه خطة العمل القادمة، وما الذي ينبغي على الدولة أن تقوم به في كافة المجالات؛ سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو في مجال التعليم، وكيفية تطوير وتنمية كل مفاصل الدولة المؤسسية؛ من أجل وضع دولتنا في مكانتها التي تستحقها وتحقيق رفاهية المواطن الذي صبر كثيرًا وآن الأوان أن يستريح، وأن نتخلص من عبارة "محدودي الدخل"، ونتحول بها إلى عبارة أخرى طالما حلمت بها الطبقة الكادحة، ألا وهي عبارة "ميسوري الدخل"، يستطيع أن يحيا "حياة كريمة" ومسكن محترم، مأكل طيب، ملبس أنيق، عمل يتواءم مع مؤهله الذي حصل عليه، نوادٍ، منتزهات، حدائق، حفلات ورحلات ترفيهية، كل هذه المتطلبات المادية التي ستنعكس إيجابًا على نفسية المواطن، وتكون حافزًا له على الإبداع والابتكار والعطاء، وهذه ليست رومانسيات حالمة أو يوتوبيات كيوتوبيا توماس مور، ولا هي مدينة فاضلة كحلم الفارابي ولا جمهورية أفلاطون، ولا قصور كسرى وقيصر الروم، وإنما معادلة من الممكن أن تتحقق وتفك رموزها بالعمل الجاد.
وهذا ما يطمح إليه فخامة الرئيس، إقامة جمهورية جديدة لا محل فيها لمتكاسل أو متخاذل أو لا مبالٍ، جمهورية يسودها الحب، الخير، الجمال، العدالة رأس الفضائل، جمهورية تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، وحرية التعبير عن الرأي دونما إفراط أو تفريط، بمعنى عبر عن رأيك من خلال فكرٍ راقٍ مهذبٍ دونما تجريح لأحد.
تلك هي الدعوة التي أطلقها الرئيس، نحو تنمية مستدامة لا مجال فيها للترقيع وإنما إحلال وتجديد.
ومن هنا ضرورة ملحة لإكمال البناء، تحقيق خارطة الطريق، ولقد صادقني حدسي على الرغم من اختلاف الكثيرين معي، فكنت أظن أن فخامة الرئيس سيكلف الدكتور مدبولي بتشكيل الوزارة الجديدة، ورغم اختلاف البعض معي وقولهم إن الرئيس سيكلف آخر لتشكيل الحكومة المصرية الجديدة، إلا إنني راهنت على حدسي العقلي والقلبي، أما حدسي القلبي فهو نور يقذفه الله في القلب فيرى من خلاله المرء ما لا يراه الآخرون، لا اطلاع على الغيب حاشاي أن أقول ذلك، فلست منجمًا ولا عرافًا، وإنمًا نور يتفضل به الجواد الكريم على من يجود عليه به، ويا حبذا إذا توافق القلب مع العقل، فالعقل إذا ما طلبنا منه تحليل الموقف برمته تحليلًا عقليًا، لماذا الدكتور مدبولي أليس هناك آخر يحل محله، يرد العقل، وليكن عقلي الشخصي، في منتهى البساطة والوضوح، الذي يبدأ البناء عليه أن يتمه، ورب سائل يسأل أليس هناك بناءون جدد، نعم هناك بنائون مهرة، لكن أهل الدار أعلم بمن فيه.
ولدينا مشروعات عملاقة أوشكت على الانتهاء في كافة المجالات، خصوصًا تركيز فخامة الرئيس في المرحلة المقبلة على المشروعات الزراعية واستصلاح الأراضي والمشروعات الصناعية والتصنيع المحلي، حتى المحطة النووية "محطة الضبعة" التى أصبح العمل على الانتهاء منها على قدم وساق، كل هذه المشروعات تحمل مسئولياتها هذا الرجل الذي تحمل ما لا تتحمله الجبال، وصبر على الخوض فيه تارة بالتشكيك وتارة بالنقض الهدام الجارح، لكنه صبر صبرًا جميلًا وسار كتفًا بكتف مع فخامة الرئيس مع جنوده لا يدخرون جهدًا، مواصلين الليل بالنهار؛ لتحقيق الأمن والأمان للشعب، وتحقيق الأمن القومي، وحماية حدودنا من تربص المتربصين.
يا سادة القضية ليست كسرة خبز، أو شربة ماء، القضية قضية أمن واستقرار، من بات آمنًا في سربه معافًا في بدنه فكأنما حيزت له الدنيا.
القضية بناء وطن، ومن هذا المنطلق كلفه فخامة الرئيس بتشكيل حكومة جديدة، ليتها تستطيع أن تكمل مسيرة الرجال، وتسد الثغرات والخلل الذي خلفته الحكومات السابقة، فليس ثم معصوم، وليس ثم عصا سحرية، فمن اجتهد وأخلص النية وأصاب، نرفع له القبعة، ومن أخطأ فقد اجتهد قدر استطاعته، لكنه لم يوفق، ووجب أن نقدم له الشكر، ونطلب منه أن يتخلى عن مكانه لقائد آخر يقود دفة وزارته؛ من أجل تحقيق أهداف الدولة، وعليه نطالب الدكتور مدبولي بما يلي:
أولا: تحري الدقة والأمانة والموضوعية فى اختيار الوزراء بعيدًا عن شخصنة المواضيع، من ترونه كفؤًا حقًا فيتولى المنصب الذي سيقسم عليه قسمًا دستوريًا أمام فخامة الرئيس وقبل فخامة الرئيس فالله خير الشاهدين، فالمناصب الآن ليست تشريفًا ألبتة، بل هي تكليف، وعين الله عليه تراه، معه، شاهدة عليه، ثم عين الرئيس عن طريق أجهزته الرقابية والسيادية.
ثانيًا: اختيار الشباب الواعد أصحاب الرؤى المستقبلية الذين يحملون فكرًا إصلاحيًا بغيتهم الإصلاح الحقيقي، منهجهم إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، مددهم أعينونا بقوة حتى ننهض ببلدنا ووطننا الحبيب.
وعلى هؤلاء إذا ما وقع عليهم الاختيار فعليهم المواءمة والموافقة بين خبرة الكبار وحماسة الشباب، فحماسة الشباب لا تكفي وحدها، وإنما تحتاج إلى تهذيب وترويض من أصحاب وذوي الخبرات من الكبار.
ثالثًا: احترام التخصصات عند الاختيار، فلا يجوز بحال من الأحوال أن نختار وزيرًا مثلا للأوقاف، وهو ليس من علماء الدين وعلماء الفقه، أو نختار وزيرًا للتموين ليس ممن أسسوا هذه الوزارة، أو بمعنى أدق "واخدها فحت وردم"، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم الإلزامي أو التعليم العالي، فلابد أن يكون أستاذًا في مجال تخصصه على دراية بالعمليات التعليمية ومؤسسات التعليم، قس على ذلك في كل الوزارات؛ سواء الثقافة أو الزراعة أو التجارة أو الخارجية.. وغيرها، مع التركيز على الوزارات الخدمية التي تتعامل مباشرة مع المواطن.
رابعًا: المتابعة الجيدة لكل هذه الوزارات، فمن أحسن فهذا واجبه تجاه وطنه بل ونرفع له القبعة ونكرمه، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يقف الوزير أمام نواب الشعب وقتما يقدم له استجواب، لا يجوز أن يقف "ضارب لخمة"، وكأن على رأسه الطير.
أو يقف أمام الرئيس لا يستطيع أن يجيب عن أسئلته.
أما من يخطئ، فلا تهاون معه، لا أقول يتقدم باستقالته، وإنما يقال فليست لدينا رفاهية التدليل الآن، نحن في لحظة فارقة من بناء أمتنا المصرية، وإنما يقال على الفور ويستبدل بغيره، عضو فعال قلبه على بلده يمتلك من الخبرات ما يؤهله للقيادة.
خامسًا: تنمية روح الدافعية والحماسية وروح التنافسية بين الوزارات، بمعنى مشاركة كافة الوزارات فى الاحتفال بما أنجزته وزارة ما، الجميع يحضر هذا المنجز، حتى يحدث لديهم الحماس، ويسعى جاهدًا إلى أن يشار إليه بالبنان.
وفق الله الجميع لخدمة هذا الوطن الغالي الذي يستحق منا الكثير والكثير من الجهد والتضحيات من أجل غدٍ أفضل، من أجل جمهورية جديدة، من أجل مواطن يعامل على أنه مواطن من الدرجة الأولى من أجل تنمية مستدامة.
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان