أزمة ارتفاع أسعار اللحوم فى مصر لا زالت تطل برأسها على السوق، رغم كل المبادرات المهمة التى تبنتها الدولة الآونة الأخيرة لمواجهة الأزمة، وتوفير اللحوم ومشتقاتها بأسعار مناسبة للجمهور، ورغم حجم الثروة الحيوانية الهائل فى مصر، يظل استمرار موجة الغلاء مع اقتراب موسم عيد الأضحى بمثابة عبء على المواطن فى توفير المنتج يتطلب على الحكومة فى مصر ضرورة إيجاد بدائل وحلول علمية لتحسين السلالات المصرية، والتوسع فى برامج التلقيح الصناعي، لزيادة إنتاجية اللحوم، ونشر الأفكار العلمية على صغار المربين فى القرى المصرية.
موضوعات مقترحة
ولا أحد ينكر، أن مصر بلد حاضنة لفرص التوسع فى قطاع الثروة الحيوانية.. فالمساحات الخضراء الممتدة على شريط الوادى والدلتا والمناطق الجديدة كفيلة أن تمنح المربين والمستثمرين فى هذا القطاع حجما لا حصر له من الفرص.. ولعل قوة الفرص الاستثمارية خاصة فى القطاع الزراعى كانت وراء دعم المنظمات والمؤسسات الأهلية الدولية لهذه الأنشطة فى مصر.. والبدء فى تحقيق الشراكات والتعاون المختلف مع الحكومة المصرية، لتوفير التمويلات اللازمة فى تحقيق التنمية.. كان أهمهما الاتفاق الذى وقعته الحكومة المصرية مع الصندوق الدولى للتنمية الزراعية "إيفاد" فى سنة 2015، لتمويل مشروع جديد بعنوان "الاستثمارات الزراعية المستدامة SAIL"، وذلك بهدف دعم مشروعات تنمية الثروة الحيوانية والتنمية الريفية، ومساندة صغار المربين فى زيادة الأمن الغذائى فى بلادهم.
ولقد كانت الفرصة فى مصر قوية لتنفيذ أهدف المشروع، ودعم دوره فى استغلال الطاقة المهولة لأعداد المربين الكبير فى مصر، إضافة إلى حجم الثروة الحيوانية الضخم، ومن هنا جاء على رأس أهداف مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة الممول من "إيفاد"، أن يكون له دور حيوي للمساهمة فى الحد من الفقر، وزيادة الأمن الغذائى فى القرى الأكثر فقرًا، إضافة إلى رفع المستوى المعيشى لصغار المربين، وتمكينهم من القدرة على تحقيق أعلى عائد من أنشطة الثروة الحيوانية، والأهم تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للفئات المستهدفة بمناطق عمل المشروع.
أهداف مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة كما أكد الدكتور هانى درويش المدير التنفيذى للمشروع، يتضمن عددا من المناطق والقرى فى مصر منذ توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وقد تم العمل بالفعل بها، منها منطقة وادى الصعايدة ووادى النقرة محافظة أسوان، منطقة غرب الفشن بمحافظة بنى سويف، ومنطقة غرب سمالوط بمحافظة المنيا، ومنطقة مطوبس محافظة كفر الشيخ، حيث حدد المشروع الفئات المستهدفة وجاءت كالتالي، يستهدف حوالى 40 ألف أسرة ريفية بإجمالى 280 ألف مواطن فى الأراضى الجديدة، ويساهم فى توفير الدعم للمناطق المجاورة فى صورة خدمات اقتصادية واجتماعية وأنشطة اقتصادية تهدف فى النهاية لتحقيق التنمية المنشودة.
وأضاف الدكتور درويش، أن المشروع يمتلك محطتين رئيسيتين للإنتاج الحيواني، الأولى فى منطقة "غرب المنيا" وتحتوى على رؤوس الجاموس الإيطالى بطاقة 1400 رأس، وفى مزرعة "الإسراء والمعراج" فى وادى النطرون غرب محافظة البحيرة تم توفير أفضل السلالات المحسنة لرؤوس الأبقار منها «الهولشتاين» و«السمنتال» و«البراون»، إضافة إلى الجاموس الإيطالى المحسّن، حيث تصل طاقة هذه المحطة إلى ما يقرب من 700 رأس، إضافة إلى وجود 4 مراكز للتلقيح الصناعى لإنتاج أفضل السلالات والنهوض بالثروة الحيوانية، إذ يستهدف المشروع خلال الفترة المقبلة تعميم مراكز التلقيح الصناعى فى القرى المصرية، ويبحث حاليًا آلية إشراك القطاع الخاص فى المنظومة، لدعم القطاع وتقليل فاتورة استيراد السلالات المحسنة من الخارج فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة التى ساهمت فى زيادة تكلفة الاستيراد.
وأوضح الدكتور درويش، أن خلال الفترة الأخيرة تبنت إدارة مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة فكرة تعميم "الملقّح الصناعي" فى القرى المصرية، حيث يخضع للتدريب داخل المراكز التابعة للمشروع، ويتم تأهيله للتعامل مع مزارع الثروة الحيوانية، حيث يتواجد خلال هذه الفترة فى أكثر من 45 قرية على مستوى الجمهورية خاصة فى المناطق الجديدة، وقد لاقت الفكرة استحسانًا كبيرًا بين المربين، وحققت طفرة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، كما تبنى المركز برنامج تدريبى على الناحية الأخرى لتوعية كبار المربين على طرق التعامل مع برامج التلقيح الصناعى وتأهيلهم على نشر الفكرة فى قراهم، وتحقيق أكبر استفادة من المشروع، مضيفًا أن التلقيح الصناعى مشروع استثمارى حقق عوائد كبيرة للعاملين فى هذا النشاط داخل القرى المصرية.
وأشار إلى أن مشروعات الاستثمارات الزراعية المستدامة يمتد نشاطه لعدد من المشروعات الأخرى بالقرى المستهدفة فى مجموعة من المحاور، المحور الأول مكون تنمية المجتمع وسبل المعيشية للفئات المستهدفة بمناطق المشروع، حيث يضم 3 مكونات فرعية إنشاء ودعم الجمعيات تنمية المجتمع توفير البنية التحتية الاجتماعية كالمدارس والعيادات الصحية ومراكز الشباب وتوصيل المرافق، وتوفير أنظمة إدارة المخلفات الصلبة ومشروعات الحلول البديلة للطاقة، إضافة إلى التدريب المهنى لتنمية المشروعات، المحور الثانى مكون التنوع والتنمية الزراعى حيث يستهدف هذا المحور دعم التعاونيات الزراعية وروابط مستخدمى المياه والجمعيات التسويقيى البنية التحتية للمياه والطاقة الخدمات الإرشادية للإنتاج النباتى والحيوانى، المحور الثالث خدمات التمويل الريفى عن طريق دعم الفئات المستهدفة بقروض ميسرة.
«الأهرام التعاونى والزراعى» زارت مركز التلقيح الصناعى فى منطقة العامرية بمحافظة الإسكندرية. حيث التقت بالمهندس سامح سليمان مدير المركز، وأكد أن المركز خضع خلال آخر عامين إلى عملية تطوير وقد تمت الاستعانة بأحدث الأجهزة والمعدات العالمية التى تم استيرادها من ألمانيا.. حيث يتكون المركز من 2 معمل وبوكسات طلائق بطاقة تستوعب متوسط من 40 طلوقة لـ55 طلوقة نستهدف خلال الفترة المقبلة الوصول بها لـ70 طلوقة، إضافة إلى تطوير تانكات النيتروجين السائل، حيث تم شراؤها بالتنسيق مع وزارة الزراعة وهيئة الطب البيطرى من الهيئة العربية للتصنيع، مشيرًا أن المركز يضم ما يقرب من 50 طلوقة و16 تنشئة طلوقة، إضافة إلى 100 رأس تسمين، بإجمالى 166 رأس، من أفضل السلالات المحسنة. وأوضح الدكتور سامح سليمان، أن مركز التلقيح الصناعى يهدف إلى تدريب الملقحّين الصناعيين المنتشرين بالقرى، إضافة إلى دوره فى رفع الكفاءة الإنتاجية والتناسلية لقطعان الماشية، وذلك من خلال التحسين الوراثي، ونشر الصفات الوراثية للطلائق المعروفة والمختبرة على نطاق واسع الأمر الذى يؤدى إلى تكوين سلالات وأنواع ممتازة من الحيوانات، وذلك بمضاعفة إنتاج الألبان وزيادة معدلات معدل النمو اليومى لعجول التسمين الناتجة، موضحًا أن المركز بدأ نشاطه فى سنة 1978 بهدف خدمة المنتفعين والخريجين الحائزين على الأراضى الجديدة، وكان يستهدف إنتاج السائل المنوى وتجميده وتوزيعه لتحقيق التحسين ثم انتقلت تبعيته لمشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة سنة 2015 لخدمة القرى المستهدفة.
"تنظيم الدورات التدريبية للخريجين والمنتفعين بهدف نشر الوعى الخاص بأهمية التلقيح الصناعي، وتحسين التراكيب الوراثية للسلالات المحلية من الأبقار والجاموس، وتحسين المستويات الإنتاجية للألبان واللحوم للسلالات المحلية والعمل على تحسين المستويات المعيشية والغذائية والبيئية للمزارعين.. كل هذه النقاط هى من أهم أهداف مركز التلقيح الصناعي".. استكمل الدكتور سليمان كلامه حيث أكد أن برنامج النشاط التدريبى للملقحين الصناعيين منذ بداية المشروع، وتم الانتهاء من تدريب أكثر من 35 ملقح صناعى حتى الآن فى منطقة النوبارية، وفى منطقة المشروع الجديد فى كفر الشيخ ما يقرب من 30 ملقحاً، حيث تصل الحالات شهريًا التى يغطيها الملقّح متوسط 180 رأساً. المهندس سامح سليمان، أشار أيضًا إلى حزمة من التحديات التى تواجه المشروع.. حيث قال إن ارتفاع أسعار الأعلاف وتكاليف التغذية ساهم فى زيادة حجم الإنفاق على المشروع، وأصبحت الموارد لا تغطى التكاليف رغم حجم الإنتاج الكبير من السائل المنوى الذى يتم بيعه للمربين، إذ يتراوح سعر الجرعة نحو 40 جنيهاً للواحدة، ويصل حجم إنتاج المركز سنويًا يقرب من 200 ألف جرعة سنويًا يتم بيع ما يقرب من 95 % منها بالكامل، حيث يستهدف المركز فى 2024 الوصول بحجم إنتاج الجرعات لنحو 300 ألف جرعة فى السنة، مضيفًا أن مراكز التلقيح الصناعى المعتمدة فى مصر، هى مركز سخا فى كفر الشيخ، مركز العامرية فى الإسكندرية، مركز العباسية فى القاهرة، ومركز التلقيح الصناعى فى محافظة بنى سويف، وهى مراكز موزعة تحت إشراف وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية وهيئة الخدمات البيطرية التابعة للوزارة. وخلال جولة داخل مركز التلقيح الصناعى بالعامرية.. كشف المهندس سامح سليمان مدير المركز أن المركز يضم سلالات من الأبقار والجاموس عالية الإدرار والإنتاج، كما يوفر المركز أسعار لحوم الأضاحى بأسعار 150 جنيهًا للكيلو من لحوم الجاموس "قايم"، و170 جنيهًا لكيلو الأبقار، كما يتوفر سلالات "الهولشتين" أكثر السلالات الهولندية انتشارًا على مستوى العالم وأعلى السلالات لإنتاج الألبان، وهى سلالة تتميز بسهولة الولادة.. ويصل حجم الإناث منها لـ350 كيلو عند النضوج الجنسي، أما سلالة "البرون سويسس" السويسرية من السلالات ثنائية الغرض الرائدة فى إنتاج الألبان واللحم، يأتى بعدها سلالة "السمنتال" وهى فرنسية النشأة وثنائية الغرض "لحوم وألبان" وهى من أكبر السلالات حجمًا، وترتفع بها نسبة الدهون وزيادة نسب الخصوبة، أما سلالة "مونمبليارد" فهى أيضًا فرنسية النشأة، وتتميز بصفات وراثية جيدة وإنتاجية عالية من اللحوم ويعود أصلها إلى السلالة السويسرية، وقد تم مؤخرًا تطويرها فى شرق فرنسا.
«الأهرام التعاونى والزراعي» زارت محطة الإنتاج الحيوانى بقرية "الإسراء والمعراج" التابعة لمركز وادى النطرون جنوب غرب محافظة البحيرة.. واحدة من أهم المزارع المستهدفة من مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة الممول من إيفاد.. حيث التقينا المهندس وليد شريف مدير محطة "الإسراء والمعراج" للإنتاج الحيوانى وتجميع الألبان التابعة لمشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة، حيث قال أن المحطة تضع على مساحة 7.5 فدان بقرية الإسراء والمعراج التابعة لمركز وادى النطرون غرب محافظة البحيرة، وهى مزرعة نموذجية تحتوى على 3 مظلات رئيسية كل مظلة تضم ما يقرب من 100 رأس، كما تحتوى على 4 عنابر رئيسية طاقة العنبر الواحد تصل لحوالى 150 رأسا، إضافة إلى مخزن للعلف بطاقة 100 طن، و3 مخازن لإنتاج السيلاج بطاقة 5 آلاف طن فى السنة، و2 محلب آلى مجهز بأحدث الأجهزة المتطورة فى التعقيم والتعبئة وتجهيز الألبان.
"يوجد متابعة مستمرة من هيئة الطب البيطرى للحالة الصحية لرؤوس الماشية بمعدل مرتين كل أسبوع وذلك لتنفيذ برامج التحصين ضد الأمراض التى تصيب الماشية".. استكمل المدير التنفيذى لمحطة "الإسراء والمعراج" كلامه حيث قال، إن هناك ما يقرب من 300 حالة جديدة لرؤوس الماشية فى السنة، كما تضم المحطة وحدة تحكم بالكامل مسئولة عن تسجيل بيانات الحلب والتلقيح بموجب رقم قومى لكل رأس، كما تضم المحطة وحدة لتصنيع مشتقات الألبان والجبن، حيث أن مواد المحطة نجحت خلال الفترة الأخيرة من تغطية كافة المصروفات المطلوبة فى فترة زمنية قصيرة، مشيرًا إلى أن مزرعة "الإسراء والمعراج" نموذج مشّرف لمشروعات الاستثمارات الزراعية المستدامة SAIL نستهدف تعميمها فى عدد من المناطق، كما أنه المزرعة الأولى من نوعها فى مصر من حيث المتابعة والإشراف البيطرى الكامل وطرق التغذية العلمية السليمة، والأهم إدراجها تحت إشراف الهيئة القومية لسلامة الغذاء، وذلك لضمان جودة منتجاتها، وتسويقها عبر المنافذ المعتمدة أو بيعها لشركات القطاع الخاص العاملة فى هذا المجال.
"إنشاء محطة الإسراء والمعراج للإنتاج الحيوانى وتصنيع الألبان كان قائما على التوسع فى برامج التدريب ونشر هذا الفكر على مستوى القرى والمناطق المحرومة فى مصر، وهو فلسفة تبناها مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة منذ دخوله إلى مصر.. ومن هنا فقد نجحت المحطة فى تدريب وتأهيل العديد من المربين والملقحين الصناعيين فى عدد من القرى.. وقد رصدنا ذلك خلال الزيارة عندما التقينا بالحاج "على ماهر" أحد المربين بمحافظة بنى سويف والمستهدفين ضمن برامج التدريب داخل المحطة.. حيث قال : "اختارنى القائمون على المحطة لأكون ممثل المزرعة فى بنى سويف فى اختيار صغار المربين بقرى المحافظة المستهدفين من عمليات التدريب على برامج التغذية السليمة، وطرق التلقيح، حيث تتحمل إدارة المشروع الإنفاق على برامج التدريب والإقامة، وتقدمها لصغار المربين المستهدفين من التدريب بشكل مجاني.
"الفكرة لاقت استحسان كبير، وهناك إقبال معقول على فرص التدريب فى المحطة وتطور ملموس فى منظومة التربية داخل القرى المستهدفة".. استكمل "نصر خليل" أحد مزارعى مركز وادى النطرون بالبحيرة كلامه، حيث أوضح أن توفير لقاحات السلالات المحسنة كانت حلمًا صعب المنال على المربين فى مصر، وبعد دخول مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة حدثت انفراجه ملموسة فى قطاع الثروة الحيوانية، وذلك بسبب نجاح التجارب العالمية التى تجريها تلك المزارع والمحطات البحثية، إضافة إلى قوة فعاليتها وتوفيرها بشكل مجانى للمربين، وهو ما يؤكد حرص الدولة المصرية على دعم المربين والنهوض بقطاع الثروة الحيوانية فى مصر.
وأضاف المهندس هانى السيد أحد المدربين بالمحطة أن برامج التدريب التى توفرها محطة "الإسراء والمعراج" للإنتاج الحيوانى وتصنيع الألبان، وقد لاحظت خلال الفترة الأخيرة زيادة فى أوزان الماشية وكميات الألبان، وهذا بالطبع يعود إلى برامج التغذية العلمية السليمة التى توفرها المحطة، بل والأهم من ذلك تكاليفها المنخفضة مقارنة ببرامج التغذية التقليدية الخاطئة التى كان يطبقها المربى من قبل".. مشيرًا أن الالتزام بسياسات المزارع والمحطات البحثية يحقق عائد كبير على المربى، ويساعده فى مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف، والأهم يساهم فى زيادة وزن الحيوان، ويعطيه القدرة على إدرار كميات كبيرة من الألبان يومياً، وهذا يحقق النهوض المستهدف بقطاع الثروة الحيوانية فى مصر.