صيد الكلمات وعلامات النضوج

9-6-2024 | 12:52

لا تجعل كلمات البعض تأخذك من نفسك، تنفذ إليك في رحلة دغدغة المشاعر المتكررة والمعتادة، رحلة لا تخاطب فيها إلا عاطفتك لتحكم قبضتها عليك، ثم تلقي بك في عمق ظلام ذاتك، جراح القلوب لا تشفى بسرعة ولا تطيب بسهولة فاحذرها؛ حديث الكذب الذي يجري على ألسنة هؤلاء كسيل الماء سيسكن بك ليهدم أركانك؛ عاطفتك ملك أياديهم لأن قلبك هو من يحرك ومن يقود، ما أوسع بحار الكلمات، وما أمهر صياديها المحترفين! 

لقد عشت سنين بقلب طفل يسهل خداعه، فأنت لم تدرس بعد كل طرق الخداع ولم تحترف تلوين الأماني بالأوهام كما يفعلون، أراك قد اكتفيت بما مر بك وأغلقت بابك مبتعدًا عن الهوى ومتبعيه، تتجنب الاقتراب من الضلال وتؤثر الوحدة بعد أن أدركت أنك تقيم في عالم تملؤه الفتن، وأن زمانك القديم قد تبدل ولم يعد هو نفس الزمن.

كنت في الماضي تخوض تجاربك بقلب جسور، تتوقع الخير من أغلب المحيطين والعابرين، لكنك تبدو الآن مختلفًا فالتغيير أحد سنن الله في كونه. 

أراك سئمت خوض المعارك، وتساءلت بينك وبين نفسك: لأجل من سأخوض؟ تعلمت أن قمم السلام هي الملجأ الآمن والوحيد، اعتزلت بالأعلى تلك الوجوه وودعت عن طيب خاطر عالمهم البغيض، وبالرغم من كل عذابات نفسك إلا أنك مازلت تصر على منح الجميع خلاصة تجاربك السابقة، بعد أن سكنت بك معالم النضوج. 

دنيانا تشكلنا وتسعى لصبغتنا بما هو متوافر في أرجائها وما هو معروض، فلنحذر الفتن والتكالب على كل جديد شائع ومرفوض، ليس كل ما يلمع ذهبًا؛ فكم من معادن طليت بمائه وبقيت من الداخل قليلة القيمة على الرغم من أنها كانت تبهر الأعين وتأخذها من بعيد، دروس الحياة تتكرر وهمس الأنين بداخلك يتراكم ويزيد، الأمل كله معقود على التقرب من الله والاحتماء به -سبحانه- وبركنه الشديد. 

الغواية تعربد ثم تهدأ لكي تمهد الطريق لاستقبال العديد ممن اعتادوا السير وسط الجموع، بلا هدف وبلا تفكير، السفور يمنح دنيانا شكلًا لافتًا وتبرجها الزائد يزعج لطفاء القلوب، يثير حنق كل من كان له روح نقية وعقل رشيد، النضج منحة ربانية والتمحيص قبل الاختيار من علامات صلاح القلوب، فلا خير في كل من سعى جاهدًا ليبعدنا عن صراط الله المستقيم. 

العودة إلى الله سبيلنا واغتنام نفحات الأيام المباركات واجب محتم علينا، الفرصة ما زالت بين أيدينا تتجدد مع مطلع كل فجر جديد، الاستسلام للرائج لا يعني جودته، والرضا بمخالطة من أرادوا الدنيا وزخرفها فقط اختيار غير موفق بالتأكيد، فاللهم احفظ قلوبنا البريئة من تجار الهوى العابثين. 

لا تخش من الدنيا إلا خالقها، لا تلق بالسمع لكل معتد تجرأ على إثارة الجدل في أحكام العقيدة مشككًا في ثوابت الدين، فهو سيظل ينخر في عظام مجتمعه دون أوبة أو رجوع، يدعو للضلالة وهو يعلم أن منبع تجارته وأصولها يستند إلى الباطل المبين. 

الدنيا ما زالت بخير لمن أراد الالتزام، من رضي بحظه منها، وسعى للآخرة سعيها، من قنع بأن الحياة الدنيا ما هي إلا استراحة قصيرة قبل موعد الرحيل.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: