Close ad
5-6-2024 | 11:22
الأهرام العربي نقلاً عن

لنتخيل أن هناك مرآة مقعرة، معلقة على حائط عريض، ينظر من خلالها “الغرب الأطلسي”.

ولنتخيل أن تلك المرآة تقوم بتجميع “التاريخ الأوروبي” منذ ستة قرون إلى الآن، بدلا من وظيفتها الأصلية القائمة على تجميع الضوء القادم من المجرات، والنجوم البعيدة جدًا، ترى ما الذي سوف يراه “هذا الغرب”؟

لنتخيل أن عام 1415، ظهر كشعاع بعيد معتم، تبدأ فيه البرتغال بتكوين إمبراطورية استعمارية شاسعة، تزحف إلى أراضي الشعوب القريبة والبعيدة، تتخذ من عصر الاكتشافات طريقًا إلى التوسع، ونهب الثروات، والعبث بمقدرات الشعوب، تتلوها إسبانيا بإمبراطورية أكثر اتساعًا، تكتشف الأمريكتين، تصل إلى الهند، وشرق آسيا، تحيط بإفريقيا، تقوم بتحزيم الكرة الأرضية من خلال فرض نمط ثقافي وديني واحد، ثم ترثها بريطانيا العظمى، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وإيطاليا، وألمانيا، وأخيرًا ترثهم “أمريكا” جميعًا، والأخيرة لا تريد العودة من التاريخ، كما حدث لأسلافها الإمبرياليين الذين يعيشون الآن على المجد الزائل.

ستة قرون والبشر يعانون “متلازمة الغرب الأطلسي”، تتخللها استراحات قليلة، من الاستقلال الشكلي، وحرية تقرير المصير، والسماح بتكوين دول وشعوب، تتمتع بعضوية “الأمم المتحدة”، تتمسح بالقانون الدولي، المحاكم الدولية، كالعدل والجنائية، ومع هذا لا يبدو أن هناك ضوءًا في آخر النفق الغربي!

فى تلك المرآة المقعرة سوف يقرأ “هذا الغرب” أنه كان ولا يزال مولعًا بالقتل، واختراع آلة الموت الجماعي، وأنه أباد شعوبًا كاملة، بمحمولاتها الثقافية والحضارية والعقائدية، وأنه اخترع الفاشية والنازية، وجلب الأمراض والأوبئة إلى شعوب لا حصر لها، شاء حظها العاثر أن تعايش جيل القرون الستة. 

فى زاوية من المرآة المقعرة، ستبدو محطات دموية صغيرة، تتمثل فى “المسألة اليهودية”، وكيف تم اقتطاعها من السياق الأوروبي، واستزراعها فى قلب الإقليم العربي، وتعظيمها كخميرة تتسرب بين خلايا شعوب الإقليم بالكامل إلى حين العودة المجهزة.

وفى زاوية أخرى سيتجلى الاحتكار الكامل للمعرفة، والحداثة، والاختراعات، والعلم، وأسلحة الإبادة الجماعية، وتجريم أي شعب يفكر في امتلاكها دفاعًا عن نفسه، بملاحقة مفكريه وعلمائه، إلا إذا ارتبطوا به قلبًا وقالبًا، أو عملوا فى مخازنه الإستراتيجية، ولدينا منهم الكثير!

فى قلب المرآة سوف يقرأ الغرب فصلًا بلا نهاية منظورة، فصلًا يتكون من تدمير حضارات، ومحو شعوب، وعبث بالعقول والقلوب، وسوف يقرأ أن كل شعوب الأرض غير الغربية تتلو صلوات من الغضب، انتظارًا للحظة تختفي فيها شمس هذا الجحيم، شمس القرون الستة، وتتوقف هذه المتلازمة عن الانتشار، ولسان حال الشعوب يقول: كفى تنميطًا وتحديثًا على طريقة «الغرب» سئمنا من الولع بالقتل والتدمير.

يبدو التجلي الأعظم لهذا الولع في غزة، فالمسألة اليهودية تؤدي دورها المستلهم من العصر الأوروبي ذي القرون الستة بإتقان، وصانعوها لم يتخيلوها بهذا الرعب المميت، فانفجروا مظاهرات وغضبًا في الشوارع والجامعات.

في المرآة المقعرة أيضًا ستبدو المشاهد النهائية ليست في صالح “المتلازمة الغربية”، فقد كفت عن الابتداع، وكفت عن إنتاج المبدعين، ووقعت فى حفرة من التكرار، وإعادة إنتاج التجارب الفاشلة، ولم تتعلم الدروس من الهزائم، وتعيش ذروة الانهزام، ولم يتبق لها إلا خيال المبشرين بجنتهم الضائعة، ولدينا بعضهم!

ما الحل إذن مع استفحال هذه “المتلازمة”؟

يكمن الحل في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، يصبح فيه “هذا الغرب” جزءًا لا كلا، وتبنى فيه منظمات دولية جديدة، تناسب كل شعوب الأرض، بقوانين دولية جديدة، بتوزيع عادل لكل الأمم والشعوب، تنتهي معه فلسفة الولع بالقتل والتدمير، ونزعة التفوق العرقي والديني.

وما نراه من انفجار هذه “المتلازمة” في فلسطين وأوكرانيا، وبعض البؤر الساخنة هنا أو هناك، إنما يؤكد أنها تجلس وحيدة في الظلام.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة