.
انتهجت مصر خلال العقد الماضي سياسة خارجية، استطاعت من خلالها تحقيق تعاون اقتصادي فاعل ومثمر، وقائم على تنويع الفرص والتوازن، وتحقيق مصلحة الدولة في المقام الأول وتحقيق مصلحة المنطقة ككل، ومصالح الأطراف المتشاركة، عبر تنوع العلاقات مع القوى الكبرى والواعدة، والتي تمثل دولة الصين أبرز تلك القوى الاقتصادية، التي اتخذت مسارًا تصاعديًا في عالم الاقتصاد جعلها في مقدمة صفوف دول آسيوية كبرى ودول عالمية.
وفي ظل التوجه العالمي نحو عالم متعدد الأقطاب وإنشاء تحالفات جديدة وأقطاب متفاوتة الفرص على المستوى السياسي والاقتصادي، فإن الصين تأتي كأبرز الأطراف في هذا السياق، وقد تطورت العلاقات بين الصين والدول العربية، بما أدى إلى نمو حجم التبادل التجاري، وحرصت مصر حرصًا كبيرًا على تعزيز أطر التعاون مع الصين استنادًا إلى جميع المعطيات التي يتمتع بها النمر الآسيوي الصاعد بقوة، وتأثيره المباشر من بوابة الاقتصاد على المناحي السياسية وقضايا المنطقة والعالم، ومن هنا أسهمت العلاقات المصرية - الصينية خلال هذه الشراكات الإستراتيجية في تعزيز أسباب التنمية والازدهار، حيث شاركت الصين في مشروعات اقتصادية كبرى عديدة بمصر، وفي مختلف المجالات كالإنشاءات والنقل والبنية التحتية وحي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية، والقطار الكهربائي بالعاشر من رمضان، والسكك الحديدية، وبناء السفن، وعلوم الفضاء، وإطلاق القمر الصناعي المصري مصر سات-2، فضلا عن التعاون في خطة التطوير المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وتعزيز التعاون في مجال الابتكار التكنولوجي وتكنولوجيا الاتصالات، وعدد من مجالات التعاون الأخرى.
وتأتي الصين على رأس الدول التي تحرص مصر على التعاون معها في مجالات اقتصادية متنوعة، وعلى مدى العقد الماضى تم ترفيع العلاقات المصرية - الصينية إلى شراكة إستراتيجية، أسهمت في تعزيز التنمية والازدهار في البلدين، وشاركت الصين في العديد من المشروعات الاقتصادية الكبرى في مصر لاسيما في مجالات البنية التحتية والنقل والسكك الحديدية وبناء السفن والإنشاءات والاستثمارات وعلوم الفضاء، وفى بناء حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتدشين القطار الكهربائي بالعاشر من رمضان، والاستثمارات الصينية بالمنطقة الصناعية تيدا المصرية - الصينية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإطلاق القمر الصناعي المصري مصر سات-2، فضلاً عن تعزيز التعاون في مبادرة الحزام والطريق، والتي شهدت جانبًا مهمًا من المباحثات بين الرئيس السيسي و"شي جينبينج"، رئيس الصين بالعاصمة الصينية بكين، في الزيارة الحافلة للرئيس التي شارك خلالها في جلسة منتدى التعاون العربي الصيني، والمتزامنة مع الذكرى العاشرة لترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، والتقى خلالها مع رؤساء مجالس بعض الشركات الصينية، وشدد على اهتمام مصر بتعزيز مستوى التنسيق والتعاون معها والاستفادة من الخبرات والإمكانات التي تمتلكها، والترحيب برغبة تلك الشركات في توسيع نطاق مشروعاتها في مصر، خاصة المشروعات المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، والحرص على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتدريب وتشغيل العمالة المحلية وتوفير فرص عمل جديدة في السوق المصرية.
وكذا لقاؤه برئيس الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية "سيسك" واستعراض التطور الذي شهده قطاع البنية التحتية في مصر، الأمر الذي وفر فرصًا كبيرة للمستثمرين الأجانب لضخ المزيد من الاستثمارات، والحرص على على استفادة الشركات الصينية من هذا التطور، بما يعود بالفائدة على البلدين ويعزز رصيد العلاقات الثنائية بينهما.
ولأن الشأن الاقتصادي لا تستقيم مساراته المنتجة دون تحقيق أسباب الأمن والاستقرار في العالم ومنطقة الشرق التي تعاني الآن من الشوكة الأمريكية الأوروبية في صورة الكيان المحتل، والمنتهك لكل قوانين الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، في حربه غير الشريفة خلال ثمانية أشهر متواصلة على الأبرياء العزل في غزة وقد أتى على البشر والحجر والأخضر واليابس، فقد كان لافتًا واستمرارًا للجهود المصرية البارزة في هذا الشأن المهم، أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة خلال زيارة الرئيس للصين وفي كلمته الملهمة بافتتاح أعمال المنتدى العربي الصيني، والتي دعا فيها جميع أطراف المجتمع الدولي الفاعلة لتضطلع بمسئولياتها الأخلاقية والقانونية لوقف الحرب الغاشمة من قبل الاحتلال المتغطرس، والسعي الجاد دون إبطاء لإنفاذ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بشكل فوري ومستدام، والتصدي لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين من أراضـيهم، ويؤكد الحقيقة الواضحة لأي قوى فاعلة أو غيرها، بألا سبيل للوصول إلى السلام والاستقرار الإقليمي، إلا من خلال المعالجة الشاملة لجذور القضية الفلسطينية، التي استدعى المقام الإشادة بموقف الصين الداعم لهذه القضية المحورية، وسعيها لوقف إطلاق النار الشامل في قطاع غزة، وقد دعت من قبل لأن يكثف مجلس الأمن الدولي وساطته الدبلوماسية ويعيد إطلاق حل الدولتين.