«يجب تدمير قرطاج»!

29-5-2024 | 12:21
الأهرام العربي نقلاً عن

يكشف مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرج القناع، يحتفل بعيد ميلاده الأربعين مرتديا قميصًا أسود، يحمل عبارة «يجب تدمير قرطاج»، وهى عبارة منسوبة للقائد السياسى الرومانى ماركوس كاتو، كان يختتم بها خطاباته النارية أمام مجلس الشيوخ الرومانى، داعيًا إلى تدمير حضارة قرطاج لتحيا روما!

مارك يطل علينا بالوجه الحقيقي، يطل علينا من نافذة تعود إلى أكثر من ألفى عام، تحديدا من عام 149 ق. م، حينما اندفعت روما بجيش جرار لتدمير أرقى حضارة عالمية فى النظام الدولى القديم، حضارة قرطاج التى كانت تمتد من طرابلس وتونس والجزائر والمغرب إلى جنوب إسبانيا، وجعلت من غرب المتوسط منارة ثقافية لا تضاهيها أى من الحضارات الحديثة، ومحطة تجارية واقتصادية عالمية تتفوق على العولمة الحديثة، فقد ربطت آسيا بأوروبا برباط حضارى متين، قبل أن يغزوها أمراء الحرب الرومان، وينفردوا بحكم العالم القديم.

روما هى روح وعقل التفكير الأمريكي، ومؤسس فيسبوك، ابن لهذه الثقافة القائمة على السلام الروماني،  سلام القوة والغزو والتدمير لأى جماعة بشرية منافسة،  هل هذا يجعلنا ننظر بإمعان لما تفعله أمريكا فى عالم اليوم من سلام أمريكى  يقوم على التدمير والغزو والسيطرة، وتحويل البشر إلى أرقام معلبة فى مزرعة السيد الرومانى الجديد؟

كثيرا ما كان مفكرو أمريكا الإستراتيجيون  يستعيدون روما القديمة فى كتاباتهم، ويجعلونها مثالا يجب أن تحتذيه أمريكا، على أن تبتعد عن أخطائها التى أدت إلى انهيارها، كما فعل المفكر الأمريكى بول كيندى الذى كرس كتابا كاملا بعنوان ”صعود وانهيار الإمبراطوريات” محذرا ساسة البيت الأبيض من مصير روما، وكذلك فعل بريجينسكى وهنرى كيسنجر ونيكسون عندما استدعوا مواقف روما، واتخذوا منها طريقا فى عالم اليوم.

مارك، تعلم من عبارة كاتو الروماني، وآمن بها، وجعلها عنوانا لأفكاره فى معاركه الداخلية مع المنصات الاجتماعية الأخرى، وفى هذه المرة يستدعيها كنداء أخير يحمى به روما الجديدة، فى ظل محاكمات جنائية دولية تجلب أفراد عشيرته إلى الحساب.

رسالة مارك ليست بريئة، أو عابرة، أو أنها أعجبته من أيام شبابه المبكر فى الجامعة، إنما هى فكرة أصيلة، يطلقها فى زمان معين، ومكان يتشبه بروما القديمة، وكأنه يقول دمروا قرطاج الحالية.

مارك، أو كاتو الجديد، يهتف بتدمير ما تبقى من قرطاج، وإذا عرفنا أن قرطاج القديمة  أقامها الفينيقيون والكنعانيون القدامى، فإننا ندرك مغزى الرسالة، فأحفاد هؤلاء القدامى يواجهون إبادة جماعية، وتطهيرًا عرقيًا،

وكأن مارك يخشى من صعود الأحفاد مرة أخرى بعد الصمود الأسطورى فى معركة غير متكافئة، بين جيش معولم بالسلاح وبين جيش صغير يقاتل بالأجساد العارية، يتسبب فى انهيار “سلام روما الجديدة”.

استدعاء مارك لمقولة كاتو تعنى أن الانشغال بنا يصل إلى حد الأعماق، وأنه لا توجد أمم أخرى يخشى منها، وما الصراع مع روسيا أو الصين سوى غطاء للحقيقة السافرة، حقيقة «يجب تدمير قرطاج» التى هى السلف الصالح  لشعوبنا التى لا تزال حية نابضة، رغم حملات الغزو منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

غزاة الشمال لن يمروا هذه المرة يا مارك، وسوف تحاكمون بعضكم بعضًا فى نهاية المطاف، واجتناب مصير روما سيكون من المستحيل، فأنتم تسيرون فى نفس الدرب الذى سارت فيه روما، وشاهدت مصيرها المحتوم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: