Close ad

الخير القادم من الجنوب

26-5-2024 | 15:21

جدار ضخم وحائط هائل حال دون استكمال مشروع من أكبر مشروعات مصر الزراعية.. فمتى وكيف حدث هذا؟!

إنه مشروع توشكى الذي أعاد الرئيس السيسي إحياءه، وكانت أعمال التوسع قد توقفت به بعد أن فوجئ المهندسون بحائط صخري ضخم يمتد إلى 9 كم وبعمق 20 مترًا تحت الأرض، حائط يحول دون عبور المياه لنصف مليون فدان، وهو ما أوقف التوسعات ما بين عامي 2015 و2020، ثم استطاع الفنيون بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة من تفتيت الحائط الضخم بنحو 8000 طن مفرقعات لتتم إعادة الحياة لمشروع توشكى الخير من بين مشروعات زراعية كبرى أخرى في ربوع مصر الخضراء.. فما قصة توشكى الجديدة؟ وإلامَ وصل العمل بها؟
 
توشكى القديمة
 تم وضع حجر الأساس لمشروع توشكى الزراعي في 9 يناير 1997 لاستصلاح واستزراع 540 ألف فدان، وذلك في إطار خطة الدولة لتوسيع رقعة المساحة المعمورة من 5% إلى 25% من مساحة مصر وخلق مجتمعات عمرانية جديدة وتخفيف الضغط على الوادي والدلتا، وتم تحديد عام 2017 كموعد للانتهاء من المشروع.

تكون مشروع توشكى من محطة لرفع المياه وهي الأضخم في العالم عن طريق 24 طلمبة من بحيرة ناصر إلى الأراضي الزراعية من منسوب 147 إلى 200 متر فوق سطح البحر، من خلال قناة الشيخ زايد الرئيسية، التي تفرع منها أربعة أفرع بإجمالي أطوال حوالي 200 كم قنوات مبطنة من الأجناب ومن القاع لمنع فقدان المياه، ثم تم عمل سحارة من أربعة أنفاق مربعة بطول 800 مترًا أسفل مفيض توشكى.

استهدف المشروع زراعة 120 ألف فدان (فرع 1)، 120 (فرع (2)، 100 (فرع 3)، 200 (فرع 4) بإجمالي 440 ألف فدان، ثم ارتفعت إلى 100 ألف فدان أخرى في مشروع المليون ونصف المليون فدان، بالإضافة إلى 30 ألف فدان أخرى على مياه جوفية من خلال حفر 52 بئرًا تم حفرها سنة 2003، و50 ألف فدان أخرى عام 2015، غير أن العمل توقف لعدة أسباب فنية؛ منها وجود الحائط الصخري سالف الذكر.

ثم جاء العام 2020 ليعاد العمل بالمشروع العملاق بأهداف طموحة جديدة بتكلفة بلغت نحو ستة ونصف مليار جنيه، وهو يعد أحد أهم المشروعات الزراعية لتوفير ملايين المنتجات الزراعية المختلفة للدولة، وتسعى أهداف التنمية الزراعية في توشكى إلى إضافة رقعة زراعية جديدة لمصر تساهم في زيادة الصادرات الزراعية، بجانب إقامة مجتمعات زراعية وصناعية متكاملة تقوم على استغلال المواد الزراعية الأولية ثم تمتد لتشمل الصناعات القائمة على الخامات المحلية والتعدين وإنتاج الطاقة وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة لتقليل الكثافة السكانية في الوادي والدلتا.
 
توشكى الجديدة
المشروع في ثوبه الجديد يستهدف استصلاح واستزراع حوالي 600 ألف فدان حول منخفضات توشكى. وبالفعل زادت الزراعة في منطقة توشكى في عام 2021 إلى أكثر من 100 ألف فدان، بعد أن كانت 50 ألف فدان عام 2020، وتمت وزيادة المناطق الزراعية المستقبلية بمقدار 231 ألف فدان ليصل الإجمالي المستهدف إلى 721 ألف فدان.

هذا ولم يقف مشروع توشكى الخير عند الاستصلاح الزراعي فقط، بل تضمن مشروعات مختلفة تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة؛ فقد تم إنشاء شبكة طرق قومية حديثة لتحقيق نقلة نوعية ومد جسور التنمية إلى قلب الصعيد لتعزيز الاستفادة من الثروات بإجمالي أطوال 6600 كيلومتر، وتكلفة مالية تجاوزت الـ 220 مليار جنيه؛ منها 50 مليار جنيه لتنفيذ 22 محورًا أعلى النيل لربط القطاع الغربي بالشرقي لنهر النيل، وتحقيق التنمية المتكاملة.

كل هذا تم في صمت وهدوء بحيث لم نشعر بكل هذه المنجزات، لاسيما ونحن هنا في العاصمة لا نعلم بكل ما يتم في الأطراف والأرجاء البعيدة عنا. ثم إن هناك عددًا آخر من الصناعات التكميلية التحويلية المعتمدة على نجاح المشروع الزراعي ومنتجاته وخدماته؛ إذ يقوم جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بدعم خطط التنمية الشاملة المستدامة للدولة وبالتعاون مع الأجهزة المعنية ومراكز البحوث العلمية المتخصصة، ويشارك الجهاز في تنفيذ العديد من مشروعات الإنتاج الزراعي والإنتاج الحيواني ومنتجات الألبان ومشروعات الإنتاج الداجني والمزارع السمكية والعديد من المشروعات الغذائية والصناعات الثقيلة والمشروعات التعدينية المختلفة إضافة إلى العديد من أنشطة الخدمات المتخصصة، كما يتضمن المشروع إنشاء عدة مصانع لتعبئة وتغليف الحاصلات الزراعية.
 
جزء من كل
مشروع توشكى بشقيه القديم والجديد ليس إلا جزء بسيط من مشروعات زراعية كبرى تتم في عدة مناطق، فمن قبله كان مشروع شرق العوينات لزراعة أكثر من 200 ألف فدان، وقريبًا ترعة السلام بعد افتتاح محطة بحر البقر لزراعة نحو 500 ألف فدان مزروع منها 50 ألف فدان فقط من مستهدف بلغ 420 ألف فدان.

ويقوم المشروع باستغلال مياه الصرف الزراعي التي تمت معالجتها وفقًا للمعايير العالمية في محطة بحر البقر بعدما كانت غير مستغلة، من أجل القيام بري الأراضي الزراعية، كما يشمل المخطط العام للمرحلة الأولى للمشروع 12 منطقة زراعية، بمساحة تصل إلى 325.000 فدان، ووصلت المساحة الإجمالية القائمة بأجهزة الري المحوري إلى 100.000 فدان، وإجمالي عدد أجهزة الري المحوري بالمشروع وصلت إلى 1103 أجهزة، هذا فضلا عن مشاركة عدد من الشركات الوطنية في هذا المشروع.
 
تساوي وزنها ذهبًا
 ترجع الأهمية الاقتصادية لمنطقة توشكى لعدد من الأسباب.. فالمشروع يوفر خُمس حجم الصادرات السلعية، ويعمل به ما يوازي ربع القوى العاملة في مصر، ويسهم بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي!

هذا وتتميز منطقة توشكى بمناخ دافئ وجاف؛ مما يساعد على سرعة نضج عدد كبير من السلع الزراعية المهمة في أوقات مبكرة عن مثيلاتها في الدول المجاورة التي تصب لصالح تعزيز صادرات مصر، وتحقيق الأمن الغذائي بها، منها على سبيل المثال: الفواكه والخضراوات، خاصة تلك المحاصيل التصديرية للأسواق الأوروبية؛ مثل العنب والكنتالوب والفاصوليا الخضراء، كذلك زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل الغذائية المهمة مثل: الذرة – الشعير – القمح، كما يتم الزراعة على مياه الآبار الجوفية المنتشرة على جانبي ترعة الشيخ زايد: الكركديه – الفول السوداني- القمح – الموالح، كذلك يزرع به أكثر من مليون نخلة من أجود أنواع النخيل وتطمح الدولة في زيادة أشجار النخيل بالمشروع إلى نحو 2.5 مليون نخلة، هذا بالإضافة إلى زراعة المحاصيل التي تصلح كعلف للحيوان؛ مما يؤدي إلى توافر اللحوم الحمراء والألبان وتصنيع منتجاتها.

الأرقام والمشاهد تؤكد أن هذا المشروع العملاق، الذي أعاد إحياءه الرئيس عبدالفتاح السيسي، يعد أحد أهم المشروعات القومية التي يشهدها البلد، بالنظر إلى حجم العوائد الاقتصادية المنتظرة منه، بالإضافة لما حققه فعليًا من عائدات، سواء فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي للمصريين، وزيادة الصادرات، وسط طفرة زراعية هائلة يشهدها جنوب مصر.

إنه خير عميم سيأتي اليوم وغدًا من توشكى الخير، مشروعنا الأخضر المزدهر في الجنوب.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
فلسطين: تاريخ من الألم والصمود

يعيش الفلسطينيون منذ عقود تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يواجهون يوميًا انتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية الأساسية. هذه المعاناة ليست وليدة اليوم، بل

الخدعة الأمريكية الكبرى!

أمريكا دولة لم يبزغ نجمها إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهي لم تقم إلا على سلاسل من الحروب: حرب شعواء على الهنود الحمر، أبادوا فيها عشرات الملايين

جوهر مصر (1-2)

الشعب المصري يشبه اللافا والحمم البركانية التي صهرها الزمن وتعاقبت عليها المحن، فصار كالأحجار الكريمة الصلبة الجميلة في جوهرها مهما تراكمت على سطحها أتربة ليست من معدنه الأصيل..

الأكثر قراءة