لا يمكن أن ننكر فضل الطفرة التكنولوجية الحديثة بكافة أدواتها وأساليبها المبتكرة والمتطورة في جعل العالم كله يعلم ما يحدث في أي رقعة من بقاع الأرض؛ فجمعت بين شعوب الأرض، وجعلت العالم -عن حق- أشبه بالقرية الصغيرة المتطورة، فمعظم الأفراد مع اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية والاجتماعية وتنوع أجناسهم وأعمارهم يحملون الهواتف الذكية، والتي بنقرة بسيطة منها -عبر محركات البحث- يستطيعون معرفة ما يجري من مشارق الأرض إلى مغاربها.
ولكن السؤال المدهش والمحير كيف يوظف الناس هذه التكنولوجيا الحديثة؟ هل لخدمة أوطانهم والعمل على الارتقاء بمستوى معيشتهم، أم للهو والعبث وتشويه الرموز المختلفة في المجتمع؛ ليصبح مجتمعًا أجوف خاليًا من الكوادر مجرد من النماذج؟
نحن على مشارف العطلة الصيفية، ومعظم الشباب والأطفال يسعون للاستمتاع والتسلية والترفيه بعد فترة العام الدراسي المنصرف، ولكن ما هو المحتوى الذي يجب على شبابنا الاطلاع عليه ونشره للاستفادة منه، ونقل الخبرات البراقة لغيرهم لكي يتعلموا ويستفيدوا؟ وكيف يمكن للآباء متابعة الأبناء لتوجيههم بالجوانب الإيجابية للمنصات الإلكترونية والمواقع المختلفة؟ وما يحذر استخدامه أو تداوله حرصًا على الصالح العام؟
يأتي هنا الدور الكبير على الأسرة في توعية الأجيال الجديدة بقيمة وأهمية التواصل وحب المعرفة، وكيفية الحصول على المعلومات وتمريرها بناء على أسس صحيحة وقواعد منضبطة، كما يجب وضع معايير وأسس بناء لتحفيز الأطفال والنشء على حب المعرفة، وآلية التواصل مع الآخر بصورة سهلة وبسيطة لتشجيعهم لا لتنفيرهم من استخدام شبكات التواصل.
ومن هذا المنطلق أجد أن فتح باب الحوار مع الأبناء أمر في غاية الأهمية؛ من أجل المصارحة، ومعرفة ما يدور في أذهانهم من أفكار ورؤى، والعمل على أخذ الإيجابي منها ولفظ السلبي، بصورة خالية من العنف أو العقاب أو الترهيب.
كذلك على المدرسة دور كبير في تعليم مواد تتعلق بكيفية التعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، وطرق استخدام المنصات المختلفة بصورة بناءة ومثمرة، وليست بطريقة النبذ والتخويف.
كما أن للأندية الرياضية والاجتماعية ودور العبادة ومراكز الشباب وغيرها دورًا كبيرًا وفعالًا؛ لتكوين وتشكيل عقلية الطفل، وجعله شخصًا إيجابيًا وفعالًا يبحث دائمًا عن العلم والمعرفة في الكتب وعبر شبكات المعلومات؛ لأخذ ما ينفعه وما يتناسب مع طبيعة مجتمعه بعاداته وتقاليده، ويلفظ كل ما هو خارج عن العرف أو بعيد عن ثقافتنا العربية وطبيعة مجتمعاتنا الشرقية المحافظة.
يعد تعلم البحث والمعرفة أمرًا مهمًا عبر شبكة المعلومات (الإنترنت) لعديد من الأسباب أهمها التواصل ومعرفة الآراء، وتستخدم أيضًا لإيجاد فرص عمل، وللتسويق، وللبحث عن المكاسب المالية والتجارية ولأغراض علمية وثقافية كبيرة.
ومن النواحي الإيجابية أيضًا للتكنولوجيا الجديدة المشاركة في فعاليات ومنتديات كبيرة قد يتعذر حضورها فعليًا إلغاء أسعار السفر والإقامة وباقي النواحي اللوجستية الأخرى، وعلى الرغم من جميع ما سبق لجوانب الاستفادة والمكاسب المادية والمعنوية، فإن للتكنولوجيا الحديثة أيضًا أضرارًا بالغة وشديدة الخطورة، أهمها تصدير أفكار وأيديولوجيات لا تتناسب مع ثقافة وفكر المجتمع، استقطاب الشباب كأداة للقيام بأعمال سيئة، تداول ونشر أخبار كاذبة لتضليل الرأي العام بمعلومات مغلوطة؛ بهدف الفوضى والبلبلة وإحداث حالة من الارتباك داخل المجتمع.
ونحن على بداية فصل الصيف، أتمنى أن يقوم الآباء بالقدر الكافي من الاحتواء والقدرة على فتح باب الحوار المثمر والممتع مع أبنائهم؛ لتشجيعهم على ممارسة الرياضة والقراءة وغرس روح الثقافة والعلم والمعرفة والتمتع بكافة أنواع الفنون من موسيقى ومسرح ومعارض تشكيلية.. الخ، مع التنبيه على أبنائهم بخطورة الاستخدام السيء لأدوات العصر الحديث، وتداعيات ذلك عليهم وعلى مجتمعاتهم، حتى نقدر على خلق جيل جديد قادر على الابتكار والإبداع والتميز.