الضحايا يسقطون فى متوالية هندسية فى الأراضى المحتلة وحولها، وإسرائيل لا تدخر جهدا، لكى تجعل الحياة فى الشرق الأوسط مستحيلة، وليس فى غزة وحدها التى أصبحت ثقيلة على الضمير الإنسانى، ومن يعش فى عالمنا الراهن، يشعر بوخز الضمير.
كل يوم يسقط مائة شخص بمعدل متزايد، فى غزة وخان يونس ورفح ومحافظات القطاع كله، فقد وصل رقم القتلى إلى ما يقرب من أربعين ألفاً ومائة ألف مصاب، الضحايا والمرضى والجرحى، وآلاف الآخرين غير معروف مصيرهم، وتهدمت المدينة بالكامل، وأهلها يتسولون الطعام ويعيشون فى مجاعة، ونتنياهو ويمينه المتطرف لم يشبعوا من القتل، ولم يرض غرور سموتيرتش وبن غفير وغيرهما، والغرب والأمريكان ما زالا ينافقان إسرائيل، بل يرفضان قرارا من المحكمة الجنائية يطالب بمحاكمة نتنياهو، ووزير دفاعه جالانت، ولأول مرة فى تاريخ المحكمة تتجرأ على إسرائيل، يصل كل يوم مبعوث أمريكى على أعلى مستوى، يسمع للإسرائيليين ويعود إلى بلاده منافقا عاجزا عن البوح والقول بما سمعه هناك، إنه ضعيف غير قادر على التأثير أو الرد عليهم.
أمريكا على صفيح انتخابات ساخنة، أقل شىء يقال عنها إنها تعبر عن عجز فاضح لهذا المجتمع السياسى الأمريكى، لكنه عاجز عن إفراز قادة لمستقبل بلادهم وأمريكا، بل إن الانتخابات تشير إلى أن أمريكا نفسها على المحك، وتتعرض لمرحلة ضعف مخيفة أمام العالم، لم تشهدها من قبل.
بلينكين وسوليفان وبيرنيز، زاروا الشرق الأوسط، وقابلوا الإسرائيليين والعرب، وعادوا بخفي حنين، والوضع فى غزة كما هو ينفجر بل تمادت إسرائيل فى عدوانها على الفلسطينيين، فى إبادة جماعية مجرمة وغير إنسانية، وأسقطت من حساباتها كل شىء.
هذه صورة فلسطين كما فعلها نتنياهو ويمينه المجرم، هؤلاء لا يمكن اعتبارهم آدميين، فقد تجردوا من كل القيم الإنسانية، وفتحوا أبواب الجحيم فى كل الشرق الأوسط، وها هو سباق يجرى فى واشنطن بين بايدن الضعيف، وترامب، الرئيس السابق الذى يحاكم بتهم عديدة، لكن إسرائيل تراهن عليه أن يعود إلى الحكم، لكى يقمع الشرق الأوسط كله، ويحاكم العرب والفلسطينيين على ما حدث فى 7 أكتوبر 2023، وينسى جرائم إسرائيل من 48 و67 وأكتوبر 2023 حتى الآن، الأمريكيون يراهنون ويتخيلون أن العرب هم من يعودون دائما إلى مائدة التفاوض، ويواصلون الثقة فى إسرائيل وعودة العلاقات مقابل السلام.
الحقائق الغائبة عن العقل المجرم فى إسرائيل وفى أمريكا
حرب غزة فتحت أبواب الجحيم فى الشرق الأوسط من جديد، والأخبار القادمة كذلك من طهران تشير إلى متغيرات جسيمة تحدث هناك، بعد تحطم طائرة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان، الأول لم يكن رئيسا فقط، بل مرشحاً قوياً، ليكون المرشد القادم، ذى العمر الستينى، أى سيكون مرشدا لسنوات طويلة فى الجمهورية الإسلامية، والثانى لم يكن وزيرا للخارجية فقط، بل كبير الدبلوماسيين، ما نعرفه أن كل الأوراق الإقليمية أصبحت فى حالة من إعادة خلط الأوراق، وكلها مرشحة لمزيد من الحروب والمشاكل، وأن القوى الإقليمية والعالمية ستمر بحالة من انعدام الوزن، وسيعيش الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة أسوأ أيام العدوان والاحتلال البغيض، وأن المنطقة ستمر بانتخابات قاسية واختيارات لحالات الحرب والسلام، لم تتعرض لها منذ أكثر من 50 عاما.
ومازالت إسرائيل وأمريكا مختطفتين، الأولى باليمين المتطرف ونتنياهو، الذى يراهن على الدولة باستمرار سلطته، والثانية فى أسوأ انتخابات تمر بأمريكا، والاختيار ينحدر من الضعيف إلى السيئ أو الأسوأ، من كل شىء يدعونا إلى أن نطالب الدول العربية باستمرار اجتماعاتها على مستويات القمة لمراقبة الأحداث المقبلة، التى تحمل فى طياتها مخاوف كثيرة على شعوب الشرق الأوسط، والانزلاق للحروب لا يعرف أحد كيف تنتهى وماذا ستكون عواقبها على دول الشرق الأوسط، بل وعلى العالم، الذى يمر بمرحلة عدم وجود تيارات فاعلة على لجم هذا الانهيار المخيف عالميا وإقليميا.