مرثيات أضاءت الظلام

22-5-2024 | 16:11

كلما حضرت صلاة جنازة، أشعر بزلزلة تهز فرائصي، فكيف بحال أحبابنا في غزة، إنه لألم يفجع القلوب، وقد يصيبها بالتوقف، فلله درك الصابرين، إنها لعشرات الجثامين ترصدها عيونهم كل يوم وليلة، حتى يواريها التراب، وعشرات أخرى على قارعة الطريق تنتظر من يسترها.

وكلمة مجزرة كانت في السنوات الفائتة تصم الآذان عندما ينطق بها المذياع، والآن صارت الآذان كالمخدرة الغائبة عن الوعي، بعدما تزايد سقوط أعداد الضحايا من جميع الأعمار حول هؤلاء المرابطين، ويصل أحيانًا في اليوم الواحد عددها إلى 24 مجزرة.

واللامعقول أن يعلن قادة أمريكا انحيازهم للقاتل، ولما التعجب ومغتصبو أراضي الولايات المتحدة أسسوا إمبراطوريتهم الحديثة على جثث شعبها الأصلي من الهنود الحمر.

وكانت تشتعل الرأس شيبًا أثناء رؤية جماعة من البشر تهاجمهم المجاعة، وتفتقر حياتهم إلى جميع سبل العيش، ويسري الجفاف في أراضيهم وأوديتهم، وتتحول الأجساد إلى هياكل عظمية تزحف الدماء فيما تبقى من عروقها، كأنها تحيا في عالم الفناء، وما يدعو للأسى أن مصادر الحياة من مياه وثمار يمتلكها أصحاب الأرض الجوعى.

وكان الرعب يملأ الصدور، ونحن نراقب ملامح الصقر في انتظار سقوط الضحية، وهي عبارة عن هيكل عظمي لطفل صومالي يوشك الموت أن يحصد روحه، واليوم تتجه عيون العالم إلى رجال ونساء وأطفال ينهش الجوع والعطش لحومهم، ويعجز أطباؤهم عن أمدادهم بالبدائل من المحاليل، بعد أن بات بعض مستشفيات القطاع كوم تراب، والبقية الباقية خرجت عن الخدمة.

وكانت العقول يعتريها الذهول، وهي تتابع الأب يٌشيع جنازة فلذة كبده، وقد يذهب رشد الإنسان حين يطالع صورة لأب واقفًا أمام ثلاثة جثامين من أبنائه ملتحفين أكفانهم، أنه لبلاء عظيم، لكنه أب اصطفاه الله، وأنزل على قلبه السكينة، وجعل عيناه ترى نورًا لا يراه غيره، وما شأن تلك الخنساء، تزغرد ودموعها تجري على خديها وقت سماعها نبأ استشهاد أبنائها، والأم في أي بلد من بلاد العالم يخيم عليها الحزن، ولا يفارقها طيلة حياتها إذا فقدت ابنًا لها.

ومن أجل ذلك تحولت غزة إلى أيقونة يحكي عنها الداني والبعيد، وكذلك أضاءت مرثيات غزة ظلام الغرب بل ظلام العالم، الذي أغشى القلوب والعيون، وكان سببًا لإصرار سيدة مسنة تبلغ من العمر 82 عامًا على الاشتراك في سباق صعود جبل "مونت فينتو" من أشهر جبال فرنسا، ويعتبر أعلى جبل في البلاد، ويطلقون عليه لقب "وحش برفانس"، وهدف السباق جمع التبرعات.

واستقلت العجوز "آن جونز" دراجتها الهوائية، وتمكنت من جمع 13 ألف جنيه إسترليني، وهبتهم لشعب غزة، أليس هذا من تجليات أنوار غزة على أفئدة حجبوا عنها نور الحقيقة لعقود طويلة، وكم من قلوب أبصرت بنور غزة، وأعاد إليها رشدها، برغم أنها تتبوأ أرفع المناصب.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: