بدعوى مقاومة الإرهاب، سعت الولايات المتحدة لفرض المزيد من هيمنتها على كوكب الأرض، عبر تعزيز تواجدها العسكري بإنشاء قواعد عسكرية جديدة، ليصل عددها إلى 800 قاعدة برية وجوية وبحرية، تنتشر على أرض 150 دولة.
حدث هذا النمو في إقامة القواعد، على مدى العقود الثلاثة الماضية، واليوم، وبدعوى توصيل المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، دشنت واشنطن بؤرة جديدة للهيمنة واستغلال الموارد والثروات بشرق المتوسط، لكي تقيم القاعدة رقم 8001 عند ساحل غزة، تحت ستار إقامة جسر ومعبر بحري لتوصيل المساعدات للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
وإذا كانت عبارة "مكافحة الإرهاب" عنوانًا خفيًا للوصول إلى المزيد من ثروات العالم عبر القواعد الحربية، فإن هذا الإرهاب هو في حقيقته منتج أمريكي بامتياز، من خلال إثارة بؤر الفتنة والصراع في العالم ودوله؛ لفرض المزيد من السيطرة، ومن هذا المنطلق فإن توصيل المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة ليس مبررًا، لأن حدوث الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وإن كانت بتنفيذ صهيوني، هي في البداية والنهاية أمريكية المصدر والنتائج، ويعزز هذا الاستنتاج أن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين لديه 6 معابر ومنافذ مع قطاع غزة، تستطيع الولايات المتحدة، من خلال إحداها أو أكثر، توصيل المساعدات والإغاثة إلى غزة، بدلا من البدء في عمليات إنشاء رصيف وممر بحري، وجسر عائم وسفن في عرض البحر تنقل البضائع والمؤن بواسطة أوناش، إلى سفن صغيرة، تنقلها بدورها إلى رصيف على البر، لكي تصل إلى النازحين والهاربين، الذين تستهدفهم الطائرات الأمريكية، فهم في النهاية ضحايا الطائرات الأمريكية، ولاجئون للسفن الأمريكية أيضًا..
لسنا في حاجة إلى المزيد من المعلومات والدلائل لكي نتيقن أن هذا الجسر "القاعدة البحرية" تحمل العديد من المخاطر والكوارث ليست على فلسطين فقط، بل على شرقي المتوسط.
أولا، سيعمل هذا الجسر على تهجير الآلاف من الفلسطينيين الذين أنهكتهم الغارات والإبادة الجماعية وحرب الجوع، لكي يسهل الرحيل عن غزة، وكل فلسطين، ومن الطبيعي أن تستعد الولايات المتحدة مع حلفائها، لتسهيل إجراءات الهجرة لهؤلاء إلى مدن أمريكية وأخرى في أوروبا ودول العالم، وهم مواطنون فلسطينيون بسطاء بؤساء، لامفر لهم من الموت والجوع والإبادة، سوى اللجوء إلى أي مكان، وبذلك يتحقق للكيان والولايات المتحدة إفراغ الوطن الفلسطيني من شعبه، لكي يصبح وطنًا بلا شعب، وأرضًا بلا مقاومة.
ولكن، هل تتمكن الولايات المتحدة من فرض خططها في هذا الواقع الجديد، الذي يضيف إلى قوة المقاومة الفلسطينية، ويزيد من حجم الخسائر الصهيونية، والذي تبدل وتغير من السابع من أكتوبر 2023، ليشهد الرأي العام العالمي حراكًا وتحولًا مشهودًا وغير مسبوق، بل بلغ حجم التحولات إلى تزايد عدد اليهود الرافضين للصهيونية، كما تبدلت فيها المعادلات القتالية والتي نشاهد خلاله مقاتلًا بلا حذاء يهزم أعداءه في جيش فائق التجهيز والسلاح والعتاد، ويقهره في العديد من الجولات الحربية، كما ينقل لنا وللعالم الإعلام الحديث، والذي هو الأساس في إحداث تلك التحولات.
لقد أزال "طوفان الأقصى"، الهوان الذي صاحب الفلسطينيين على مدى أكثر من 7 عقود، فهو يصدر النكبة ويحولها من الجانب الفلسطيني إلى الطرف الصهيوني، بعد أن أصبحت فلسطين، لدى الغالبية، هي المعيار الأخلاقي للإنسانية، فليس طلاب جامعات العالم، هم فقط، من يتضامنون مع الفلسطينيين لاستعادة أرضهم، فقد رأينا حركة "طلاب يهود ضد الصهيونية"، حتى طلاب الصم والبكم بجامعة جالوديت الأمريكية يتضامنون مع فلسطين، حتى السويسريون المحايدون فقد ساند الطلاب هناك زملائهم في الجامعات الأمريكية والأوروبية، وبات علم فلسطين أيقونة شباب الكثير من دول العالم.
ولم يتوقف الأمر على الحركات المدنية والطلابية، بل الدول ومواقفها الرسمية تحولت، فقد أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق دولة فلسطين في عضوية كاملة، مع توصية مجلس الأمن بإعادة النظر في هذه المسألة إيجابيًا، وأعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن إسبانيا وإيرلندا إلى جانب دول أوروبية أخرى تخطط للاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية في 21 مايو الحالي، استعدادًا لتصويت الأمم المتحدة المنتظر، والذي قد يشهد قبول فلسطين كعضو كامل في المنظمة.
وبالرغم من ذلك، فمازال بعض ممن هم من المثقفين في العالم العربي، يقفون على الحياد ويعتبرون أن ما يحدث في غزة هو بين طرفين متكافئين، وأن أصل العنف بدأ فقط في 7 أكتوبر الماضي على يد المقاومة الفلسطينية، وليس منذ أكثر من 70 عامًا، بيد الصهيونية التي صنعت "النكبة" بتهجير 950 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية، يوم الخامس عشر 1948، وهي ذكرى النكبة للشعب الفلسطيني.
والحقيقة التي يدركها الجميع، أن المقاومة الفلسطينية موجودة في كل مكان من البحر إلى النهر، وبعيدة كل البعد عن الهزيمة، باعتبارها حركة تحرر وطني، فهل يستوعب الأمريكيون، أن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة، هو بمثابة مستنقع جديد لآلة الحرب الأمريكية.
[email protected]