خلال جولته أمس بعددٍ من المشروعات الصناعية والتكنولوجية بمحافظة بني سويف، قال رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي إن "شغل الحكومة الشاغل اليوم هو كيف ينمو قطاع الصناعة بطريقة مطردة خلال الفترة المقبلة، وكيف تحدث طفرات هائلة في هذا القطاع، من أجل تغطية السوق المحلية، وزيادة قيمة صادراتنا".
وهنا يجب التوقف عند حديث السيد رئيس الوزراء، وهو حقيقة كلام مهم يعكس إرادة صادقة لدى الحكومة في دفع عجلة الصناعة؛ باعتبارها قاطرة التنمية والتقدم في أي مجتمع يتوق للتخلص من الاعتماد على الآخرين في تلبية احتياجاته من غذاء ودواء وكساء.
في خطة 2030 التي وضعتها مصر هاديًا لها نحو المستقبل، جاءت الصناعة في صدارة 4 قطاعات ارتأت الدولة أن يتم التركيز عليها خلال 10 سنوات، واعتبر الخبراء هذه القطاعات الأربعة أنها أهم محاور ومرتكزات التقدم الذي ينقل الدولة إلى النهضة المرجوة، لكن ورغم وجود هذه الرؤية المتقدمة، إلا أن الاهتمام بقطاع الصناعة لم يكن بالقدر الذي يواكب طموحات رؤية 2030 ربما نتيجة ما واجه مصر من تحديات اقتصادية فرضتها عوامل خارجية؛ مثل وباء كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية، وكذا أزمة التضخم العالمي، إلا أن الدولة، وعلى رأسها القيادة السياسية، قررت التحرك بقوة في هذا القطاع المهم، وكذا قطاع الزراعة، وهما من القطاعات الرئيسية الأربعة في خطة 2030، بالإضافة إلى السياحة وتكنولوجيا المعلومات.
تحقيق معدل نمو مطرد للصناعة، كما قال السيد رئيس الوزراء، لا شك أنه هدف مهم فهو لا يتجاوز 9% حاليًا، وبالتالي فإن زيادة هذا المعدل يحتاج إلى خطة تحرك شاملة تنقل المجتمع كله إلى التصنيع.
وفي تجارب عالمية ناجحة كثيرة كانت الصناعات الصغيرة هي الجسر الذي قاد تلك الدول إلى التقدم وتحقيق نهضة صناعية عززت اقتصاديات هذه الدول. وقد أتيحت لي - قبل سنوات - فرصة الاطلاع على التجربة الكندية في الصناعة، والتي نجحت، عبر قطاع المشروعات الصغيرة، أن تكون إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم، ولعل السر الأبرز في هذه التجربة أن الدولة أوجدت القواعد المؤسسية لانطلاق هذه التجربة، ووضعت مرتكزات استدامتها إذ قدمت حلولًا للتمويل؛ عبر إنشاء أكبر مصرف لتمويل المشروعات الصغيرة، وللتسويق عبر تأسيس شركة كبرى لتصدير منتجات هذه المشروعات، ثم وفرت خدمات التأسيس وتقديم دراسات الجدوى، عبر مركز خدمات متخصص، ومن خلال هذه الثلاثية المؤسسية استطاعت أن تخلق قطاعًا صناعيًا وتصديريًا ضخمًا يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية البشرية، ويحقق الهدف العام للدولة في أن تتحول إلى دولة صناعية كبرى.
إن بناء اقتصاد صناعي قوي لا بد أن يعتمد على الصناعات الصغيرة، وأن دور الدولة في هذا البناء لا بد أن يكون داعمًا بقوة؛ عبر توفير المناخ الجاذب للاستثمار الصناعي، وأحسب أن الدولة قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال؛ من خلال حزمة من التشريعات التي تشجع هذا النوع من الاستثمار، لكن تبقى قضية اهتمام الدولة بقطاع المشروعات الصغيرة في حاجة إلى مراجعة، فقد أثبتت الدراسات أن هذا القطاع هو الأكثر نموًا، وهو الأكثر فعالية لحل مشكلة البطالة.
ومن هذا المنطلق لا بد للدولة من تحرك فاعل وعاجل يفتح المجال أمام نمو أسرع في هذا القطاع الحيوي، فلا زالت قضايا التمويل وتكلفة الإقراض، وكذا التسويق وفتح الأسواق بالخارج بعض المعضلات التي تعرقل انطلاقة صناعية مصرية في قطاع الصناعات الصغيرة، رغم أن مصر بها مقومات نادرة لقيام صناعات صغيرة قوية تدعم الاقتصاد القومي، وتضع مصر على خريطة التصدير؛ ففي كل محافظة موارد طبيعية وبشرية تؤهلها لأن تكون منطقة صناعية متخصصة للصناعات الصغيرة لو تم استغلالها وتوفير المناخ المناسب لازدهارها ونموها.
مصر لديها مقومات استثنائية لأن تصبح مركزًا إقليمًا للكثير من الصناعات المهمة؛ نظرًا لموقعها الجغرافي الفريد، وما أصبحت تمتلكه من شبكة طرق وموانئ تؤهلها لأن تكون مركزًا دوليًا للتجارة والتصدير، وقد كشفت جولة رئيس الوزراء، أمس بعدد من المصانع، كيف نجحت بعض هذه المصانع في مضاعفة إنتاجها وصادراتها، بعد أن توافر لها المناخ المناسب للنمو.
..مصر تتقدم بالصناعة