18-5-2024 | 14:03

حدث الزلزال واستمرت توابعه نحو ثمانية أشهر حتى اليوم..

زلزال أكبر من أن يحتمله ذلك الجدار الواهي الذي بناه كيان مغتصب لأرضٍ عزيزة طالما علمنا التاريخ أنها تلفظ الظالمين..

النتائج على الأرض تقول إن الزلزال مستمر. وأن آخر ضحاياه غدًا أو بعد غد هو بنيامين نتنياهو وحكومته العجوز، وفي أعقابهم سوف يتوالى سقوط جدار الثمانية عقود.

وتتوالى الأحداث
موقعة السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاها من قرار الهجوم الغاشم على غزة المتبوع بغارات بربرية بطائرات إف 16 والقنابل الخارقة للحصون ضد مدنيين عزل، ذلك الهجوم الهمجي الذي أسقط حتى الآن نحو أربعين ألف قتيل أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ. كل هذا لم يكن كافيًا لتحقيق انتصار لجيش هش سرعان ما هُزم شر هزيمة عندما خاض القتال وجهًا لوجه! 

كانت الخطة أن تتغلغل القوات البرية المدججة بالدبابات والمصفحات والأسلحة الثقيلة المدعومة بطائرات التجسس والمروحيات والغطاء الجوي، والمعززة بتكنولوجيا متقدمة قوامها روبوتات مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار تتسلل إلى الأنفاق ليتبعها الجنود الصهاينة. والهدف في النهاية هو فصل غزة وتقسيمها إلى قطاعات؛ ليسهل بعد ذلك تصفية كتائب المقاومة بعد تفكيكها وتفتيت وحدتها. ثم يتم بسط السيطرة على غزة بالكامل إداريًا وعسكريًا.

لكن الذي حدث أن كل تلك الخطط تحولت إلى لعنات على المعتدين وأسلحة موجهة ضدهم!! فما كاد الجيش الإسرائيلي يتحرك بريًا حتى وجد نفسه محاطًا بالجحيم من كل ناحية. وتساقط جنوده تباعًا، وتحولت آلياتهم إلى خردة وانهارت ألوية الجيش الإسرائيلي في شمال ووسط غزة، لتتحول مناطق بعينها فيما حول مدينة غزة إلى أساطير قتالية سطرت أروع الملاحم، وسرعان ما انسحبت القوات، وتم إعلان هدنة قصيرة تمت خلالها عملية تبادل أسرى محدودة. 

وكان المتوقع بعد انقضاء شهر رمضان أن تحدث هدنة ثانية طويلة لتدور المفاوضات وتهدأ وتيرة الحرب، لكن نتنياهو كان له رأي آخر..

إنقاذًا لنفسه ولحكومته من محاكمات متوقعة، أصر نتنياهو على اتخاذ قرار الفرار للأمام والاتجاه نحو رفح، باعتبارها آخر محطات القتال، والتي تمثل من وجهة نظره طريقه إلى النصر المؤزر. 

وما كاد يخطو نحو رفح ويقلب طاولة المفاوضات حتى وجد الجيش نفسه في قلب الأتون الملتهب من جديد؛ لتطير الجثث وتنفجر الدبابات وتنهزم القوات المتوغلة في رفح بالجنوب وجباليا بالشمال ومحور نتساريم في الوسط. وإذا بالملاحم الأسطورية تتكرر، وإذا بالمقاومة الفلسطينية تخرج من تحت الأرض خروج البعث لتذيق عدوها الغشوم ألوان الألم. 
 
من النكبة إلى الطوفان
حلم العودة حلم مستمر في فلسطين المحتلة.. والغريب أنه أصبح اليوم حلم للمستوطنين اليهود في العودة إلى غلاف غزة! ثمة ما دفعهم للتوجه في مسيرة أسموها مسيرة العودة في ذكرى ما يسمونه هم استقلالًا ونسميه نحن احتلالًا أو نكبة. 

والأغرب أن مسيرتهم تلك توقفت في منتصفها، وانطرح السائرون أرضًا فور سماعهم صفارات الإنذار التي دوت مع تساقط صواريخ المقاومة على الرؤوس المنكسة.

تحولت ذكرى 15 مايو، ذكرى النكبة الفلسطينية، إلى نكبة للإسرائيليين وانتصار للمقاومة؛ لدرجة أن قادة إسرائيليين خرجوا علينا في إعلامهم ينددون بفكرة الاحتفال في ظل تساقط الجنود سقوط الذباب، فأي استقلال هذا الذي يحتفلون به، ونصف المستوطنين فارون هاربون، ونصف الجيش الإسرائيلي ما بين قتيل ومصاب ومكلوم؟!

الآن يذوقون من نفس الكأس التي أذاقوها لأهل فلسطين عام 1948، عندما شردوا ثلاثة أرباع مليون فلسطيني، وهدموا أكثر من خمسمائة قرية ودمروا المدن وحولوها إلى مستوطنات، وتم طرد معظم القبائل البدوية التي طالما عاشت في صحراء النقب في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية، وتم تبديل أسماء المدن والقرى لأسماء عبرية، ظانين أنهم بهذا قد استبدلوا شعبًا بشعب، وأنهم تخلصوا للأبد من الهوية الفلسطينية العربية. ثم إذا بهم اليوم يكتشفون أنهم واهمون، وأن فلسطين لا تموت، وأن الفلسطينيين هم العائدون حقًا، وأن مصير إسرائيل إلى زوال. 
 
حرب النقاط العمياء
إسرائيل تخسر باستمرار، والسبب أنها تحارب حرب الأقمار الصناعية والتكنولوجيا والكاميرات والروبوتات. وليس لديها من الشجاعة ما يكفي لتحارب حرب الرجال.. 

أما رجال المقاومة فهم يحاربون في الخفاء وبين الأنقاض وتحت الأرض. لهذا يفاجأ الجيش الإسرائيلي كل ساعة بمفاجآت لم تكن في الحسبان؛ تارة بألغام مزروعة تحت الدبابات، وتارة بقنابل تُلقي من المسافة صفر أو بقذائف الياسين أو الهاون، وكل هذا يحدث بشكل مباغت وكأنهم يقاتلون أشباحًا تظهر وتختفي كما يحلو لها. إنها حرب الكمائن والأنفاق وأطلال المنازل حيث تتعطل الرؤية وتعجز الأقمار الصناعية ويتم اصطياد طائرات الدرون وروبوتات التجسس اصطياد الحشرات والعصافير! 

حتى الحرب الإعلامية تخسرها إسرائيل. لأن كل إمكانياتهم الإعلامية المادية بكل ما فيها من استوديوهات متطورة وشبكات إعلامية واسعة النطاق ومراسلين بالآلاف ومعلومات تتدفق وصور مفبركة يتم بثها باستمرار لغسل الأدمغة، كلها إمكانيات غافلة عن النقاط العمياء التي لا تراها الأقمار الصناعية، ولا ترصدها الكاميرات، ولا تحس بها أجهزة الاستشعار عن بعد.

تلك البقعة الخفية هي الضمير الإنساني العالمي الذي لا يعترف به الغرب المادي ولا تفهمه الصهيونية العالمية. ولهذا فهم يفسرون مظاهرات الطلاب في جامعات أمريكا والعالم على أنها أجندات خارجية، ويفهمون المناداة بوقف العدوان الإسرائيلي على أنه معاداة للسامية. بينما كل ما يحدث من مظاهرات حول العالم ليست إلا مشاعر إنسانية نابعة من ضمير حي يراد له الموت والانطفاء!

ولهذا فوجئ العالم بما يحدث هذه الأيام ضد الساكتين عن الحق عندما انطلقت دعوة عالمية لمقاطعة المشاهير ونجوم المجتمع وانتشرت الدعوة انتشار النار في الهشيم، وبات خوف المشاهير من "البلوك" كخوفهم من كورونا. وسارع كثير منهم باسترضاء الجمهور ولو بكلمة أو جملة من باب ذر الرماد في العيون.
 
لعبة الدومينو القادمة
ما يبدو في الأفق أن إسرائيل اختارت حربًا طويلة الأمد، تريدها أن تكون بمثابة حرب استنزاف لقدرات المقاومة. لكن مرور الأيام يثبت أن حسابات إسرائيل خاسرة.. لأن الواضح أن المقاومة قد أعدت العدة لمثل هذه الحرب الطويلة، وأنها صامدة صمود الجبال. بينما قوة الجيش الإسرائيلي هي التي تُستنزف بشكل سريع وحاد. 

ثم إن إطالة أمد الحرب يخدم المشروع الإيراني خدمة عظيمة. وسوف يصحو العالم قريبًا على حقيقة انضمام إيران للنادي النووي. ما يعني أن معادلات القوة في المنطقة ستختلف، وأن أحجار الدومينو يتم إعادة رصها على رقعة الأحداث المستقبلية. ولهذا لا يمكن التنبؤ بهذه الأحداث لأن قواعد اللعبة نفسها قد اختلفت، وأن الذين اعتادوا الفوز بكل الألعاب سوف يذوقون مرارة الخسران مرارًا لأن اللعبة بات فيها لاعبون جدد أقوياء ومراوغون!

أحجار الدومينو التي تم رصها من قبل اعتمدت كلها على فكرة التطبيع كفكرة مركزية. فماذا لو أن تلك الفكرة انهدمت وتبددت؟ وماذا لو سقطت لتسقط خلفها كل الأحجار المعتمدة عليها؟ ألن يتم خلق واقع جديد يغير من توازنات القوى في المنطقة؟  

إننا في انتظار أحداث عظيمة سوف تأتي تباعًا لا في منطقة الشرق الأوسط وحدها، بل حول العالم. هناك قمة روسية - صينية عقدت، وانتخابات أمريكية سوف تقام فوق صفيح ساخن ملتهب، وحرب روسية أوكرانية في طورها الأعنف. كل هذا ينذر بأن العالم يتهيأ لمنعطف تاريخي قد يغير وجه الدنيا. منعطف قد يهدد أمريكا وإسرائيل كلتيهما.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة