لا أعتقد أن هناك حدثًا خلال السنوات الماضية من عُمر كرة القدم المصرية أهم وأكبر من قرار عودة الجماهير للمدرجات بسعتها الكاملة.. قرار سيغيّر من شكل الحياة فى ملاعب كرة القدم المصرية.. قرار سيؤثر بتبعاته على أداء المنظومة بالكامل من لاعبين ومدربين وإداريين ومسئولين.. وسيعود بالنفع على الرياضة المصرية كصناعة فى وقت أصبحت الرياضة فى العالم أحد أهم مصادر الدخل للدول والحكومات.
خمس سنوات بُذلت فيها جهود ومساعٍ من أجل الوصول إلى هذا القرار.. بداية من عملية تنظيم دخول الجماهير تحت إشراف شركة "تذكرتى".. التى استحدثت نظامًا جديدًا للدخول من خلال البطاقات التعريفية لكل مشجع.. وهو نظام معروف عالميًا ويتم العمل به فى جميع الدوريات الخمسة الكبرى عن طريق الحجز الإليكترونى.. وهذا النظام كانت له العديد من الإيجابيات سواء عبر الحجز من خلال الموقع الإليكترونى.. والذى وفّر على المشجع الوقوف فى طوابير بالساعات أمام منافذ البيع أو بالقضاء على السوق السوداء والأبواب الخلفية لتجارة التذاكر.. والأهم أن كل مشجع وهو فى طريقه للاستاد بات يعرف مكانه داخل الملعب منذ اللحظة الأولى لإتمام الحجز بتحديد رقم المقعد داخل كل ملعب تقام عليه المباراة.
هذا النظام وفّر الحماية لكل أفراد المنظومة داخل الملعب.. الذى أصبح تحت إشراف من شركات أمن متخصصة تعرف دورها وتسعى إلى أن يكون الملعب مكانًا آمنًا لكل مشجع بعيدًا عن الدخلاء.. الذين حاولوا خلال نفس الفترة إفساد النظام الجديد وإفشال التجربة التى ظهر نجاحها من مباراة لأخرى سواء إفريقية أو محلية.. حتى وصلنا إلى القرار الذى أعاد لملاعب مصر رونقها وبريقها بآهات الجماهير وتشجيعهم للمنتخب وللفرق فى المسابقات المحلية والدولية.
قرار عودة الجماهير للمدرجات ألقى بالكرة فى ملعب اتحاد الكرة ولجنة الأندية التى بات عليها دور تنظيمى أكبر وفرض ضرورة إعداد لائحة لضبط السلوك الجماهيرى وإعلان الضوابط والعقوبات.. التى يجب أن تتم بمنتهى الشفافية والحياد بين جماهير الأندية بعيدًا عن أى انتماءات أو معايير خاصة لمسئولى الاتحاد..
وقبل هذا كله هناك دور آخر لا يقل أهمية عن إصدار الضوابط والمعايير.. وهو خاص بالتوعية التى يجب أن تكون من أبرز اهتمامات اللجنة والاتحاد لبث ثقافة الروح الرياضية والقضاء على التعصب فى المدرجات.. وهذه التوعية يجب أن تتم من خلال مختلف وسائل الإعلام المقروء والمرئى والمسموع من خلال رسائل توجه لنشر تلك الثقافة بين جمهور الأندية والشباب.. الذى ظهر خلال الفترة الماضية بشكل إيجابى ومتحضّر داخل المدرجات.. وكان هو الحافز والدافع الأساسى لظهور القرار والحرص على عودة الجماهير للمدرجات بكامل السعة هذا الموسم وعدم تأجيله لبداية الموسم الجديد.
على الرغم من الأهمية التى يمثلها وجود الجماهير فى المدرجات للاعبين والمدربين والأجهزة الفنية من دعم معنوى ونفسى لأى فريق خلال المباريات باعتبارهم اللاعب رقم واحد والصُّناع الأساسيين للرياضة ولكرة القدم بصفة خاصة.. هذا الجمهور له من الأهمية جانب آخر للأندية خاص بالتسويق من خلال بيع التذاكر التى تُعد أحد موارد الأندية التى تأثرت بغياب الجمهور فى مصر خلال السنوات الماضية.. وانعكس الأمر بالسلب على ميزانيات الأندية وأثّر كثيرًا على مداخيل كرة القدم كصناعة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود الجماهير فى الملاعب.. مثلما يحدث فى أوروبا وأنديتها التى تسعى إلى بناء الملاعب وزيادة السعة لاستقبال أكبر كم من الجماهير فى المدرجات.. وهو نفس الأمر الذى يهم مسئولى الفيفا ويتابعونه باهتمام، خاصة عند اختيار الدول لاستضافة البطولات والنهائيات..
وظهر هذا واضحًا فى ملف كأس العالم 2030 بين المغرب وإسبانيا.. خاصة فى أمر المنافسة بينهما على استضافة مباراة الافتتاح والمباراة النهائية.. لذلك سعت المغرب إلى بناء ملعب جديد تزيد سعته الجماهيرية على المائة ألف مشجع بزيادة تتفوق بها على ملعب كامب نو بمدينة برشلونة المرشح لاستضافة مباريات المونديال.
ما يحدث من تطوير لبناء الملاعب فى العالم لاستقبال أكبر عدد من الجماهير تحرص عليه مصر منذ سنوات ببناء ملاعب واستادات تعظّم من مكانتها ووجودها على الأجندة الدولية للبطولات.. وشعرنا جميعًا بالفخر لاستضافة ملعب العاصمة الجديدة لمباريات البطولة الودية الدولية.. وكيف كان الأمر محل إبهار للاعبى منتخب كرواتيا ونيوزيلندا وصحافتهم التى أشادت بالبنية التحتية المصرية وجمهور الكرة المصرى الذى ملأ أركان الاستاد.. نفس الجمهور سيبهر العالم فى الحدث التاريخى الذى تنتظره مصر باستضافة اثنين من النهائيات على ملعب استاد القاهرة بعد أيام؛ سواء نهائي الكونفيدرالية بين الزمالك ونهضة بركان المغربى أو فى نهائي دوري الأبطال الإفريقي بين الأهلي والترجي التونسي.