ارتبطت مصر بزراعة الزيتون منذ أقدم العصور بما تحظى به مصر من مساحات صحراوية شاسعة. الا أن ثقافة المواطن المصرى فى التعامل مع زيت الزيتون أخرت كثيرا التقدم فى زيت الزيتون، إذ كان أغلب المصريين يفضلون زيتون المائدة على الزيت لكن فى الآونة الاخيرة وقد ادرك الغالبية من أبناء مصر الاهمية الطبية والصحية للزيت لاسيما مع انتشار السوشيال ميديا والتى سهلت وسائل البحث والمعرفة بالإضافة إلى اختيار المصدرين الاجانب لزيت الزيتون المصرى لتصديره مادة خاما حتى الى الدول التى كانت مصنفة فى الترتيب العالمى الاول لزيت الزيتون الامر الذى قلب موازين الفكر فى مصر ودفع المزارعين إلى التحول نحو زراعة الشجرة المباركة فى مساحات غير محصورة ليتحول الزيتون فى مصر الى ثروة قومية ضمن ثروات مصر المتعددة والتى تجلب العملة الأجنبية.
موضوعات مقترحة
«الأهرام التعاوني والزراعى" تفتح ملف زراعة الزيتون فى مصر ومستقبله.
يقول الدكتور محمد عبد التواب، أحد المستثمرين فى مجال الزيتون، إن الثقافة المصرية تغيرت كثيرا بخصوص زيت الزيتون فلم يكن هناك إقبال من الناس على استخدام زيت الزيتون ولم تكن المساحات كبيرة فى المزارع لكن هناك تغيير كبير قد تم بالفعل فاصبح المواطن مقبلا على استخدام زيت الزيتون لما له من فوائد صحية وغذائية وجاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى بزراعة 100 مليون شجرة زيتون مؤثرة فى تغيير مسار خريطة الزيتون فى مصر وقد تم البدء فى تنفيذ المبادرة باستصلاح مساحات كبيرة من الصحارى المصرية وخاصة عقب مهرجان الزيتون العالمى الذى عقد بالعريش فى اثناء احتفالات مصر بانتصارات اكتوبر وتم توزيع 10 آلاف شجرة زيتون على الاهالى بالعريش وقد تم زراعة حوالى 60 مليون شجرة منذ عام 2017 تحت إشراف مجلس الزيتون المصري.
ويضيف العميد دكتور محمد عبد التواب، قائلا: ليس لدينا أزمة فى زيت الزيتون كما كان شائعا من قبل أننا نستورد الزيت من الخارج بل الخارج هو من يستورد الزيت من مصر لكنه يحصل عليه كزيت خام، كما يحدث فى اسبانيا، ويقوم بخلطه لتجويد زيته وبعدها يقوم بتعبئته فى عبوات ويكتب عليه صنع فى اسبانيا ثم يصدره الى بعض الدول ومنها مصر.. اعتقادا مغلوطا من المستهلك إنه يميز المنتج المستورد من اسبانيا علما بان المصرى هو الافضل. ولعل زراعة الزيتون فى مصر تبشر بمستقبل واعد وتعد مصدرا هاما من مصادر الدخل القومي.
تجارة الزيتون
ويضيف محمد ابو يوسف، تاجر ومنتج زيتون، قائلا: مصر متميزة فى زراعة الزيتون والمساحات فى تزايد مستمر وسبب ارتفاع اسعار زيت الزيتون إن الزراعة فى مصر اصبحت مكلفة، وقد تأثرت كثيرا بكافة المتغيرات الاقتصادية وخاصة ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج وبالتالى فإن المزارع لا بد ان يحقق عائدا يساوى تكلفة زراعته.
ويضيف بالقول: نتمنى أن تدعم الدولة المزارعين خاصة للزراعات التى يتم تصدير ثمارها للخارج بما يحقق طفرة من العملة الصعبة.
إخفاق إسبانيا
ويضيف المهندس محمود عبد العليم البراهمة، مستثمر فى زراعة الزيتون، قائلا: الزيتون ثروة قومية لا يستهان بها وقد زادت المساحات المنزرعة بالزيتون فى السنوات الاخيرة لعدة اسباب من بينها تأثر اسبانيا مناخيا منذ عام 2021 حيث لم ينم شجر الزيتون بها وقد كان حجم إنتاجها السنوى نحو 50 مليون لتر زيت زيتون لكن اصبح هذا الرقم فى حالة هبوط إلى الثلث وبالتالى كانت إسبانيا فى هذه الاحوال تضطر الى الاستيراد من بعض دول البحر الابيض المتوسط مثل المغرب وتونس والجزائر وسوريا وتركيا وليبيا ومصر، لكن ليبيا لم تهتم بالزيتون فكثفت إسبانيا استيرادها من مصر، وذلك من خلال شركات سورية تعمل فى مصر، وقد صدرت مصر العام الماضى نحو 2 مليون لتر زيت زيتون والعام الحالى صدرت مصر 3.5 مليون لتر وكان سعر الزيت فى ابريل الماضى 5.5 الف يورو وشهر 9 العام الماضى كان السعر 8 آلاف و400 يورو للطن والاسبوع الماضى تراجع السعر نسبيا ليصبح 7 آلاف و100 يورو.
ويضيف المتحدث أن زراعة الزيتون فى مصر تبشر بمستقبل واعد، فمنذ عام 2022 تم زراعة نحو 10 ملايين شتلة زيتون فى المنيا واسبوط والواحات والإسماعيلية وسيناء ومرسى مطروح لان شجرة الزيتون من الاشجار المباركة التى يتم زراعتها فى الصحراء وتتحمل الملوحة والتغيرات المناخية والعوامل الجوية ولعل الاراضى الصحراوية أرخص كثيرا من الأراضى السمراء وهو ما دفع الكثير من المزارعين الى بيع أراضيهم القديمة وشراء مئات الافدنة فى الصحراء لزراعتها زيتونا بالإضافة إلى إن تكلفة الزراعة حوالى 20 الف جنيه فى السنة لكن سعر طن الزيت بلغ نحو 45 الف جنيه حتى لو ان الفدان حقق إنتاجية طنا واحدا يكون بذلك قد زاد عن التكلفة ما يفوق الضعف.
ومن جانبه يشير الدكتور شعبان سالم، أستاذ الاقتصاد الزراعي، إلى أن الزيتون يحتاج إلى تكامل يضم رجال اقتصاد ومعهد بحوث البساتين ومعهد تكنولوجيا التغذية بالإضافة إلى الإنتاج الحيوانى لوضع دراية متكاملة واستراتيجية للنهوض بزراعة الزيتون لتعظيم الفائدة من هذه الثروة باعتباره من المحاصيل الهامة التى تدفع عجلة الاقتصاد إلى الامام لاسيما وان تفعيل صناعة زيت الزيتون يحقق نهضة كبرى فى قطاع التصنيع الغذائى لاسيما وان زيت الزيتون يدخل فى صناعات هامة مثل صناعة مستحضرات التجميل وغيرها من المستحضرات الطبية.
البداية من العريش
وحول أهمية الزيتون كانت محافظة شمال سيناء وهى احدى اهم مواقع زراعة الزيتون فى مصر قد شهدت فعاليات مؤتمر الزيتون فى اكتوبر من العام الماضى وعلى هامش احتفالات مصر بمرور 50 عاما على انتصارات اكتوبر.
وجاءت مبادرة توزيع 101 مليون شجرة زيتون على اهالى سيناء فى محاولة لإحياء زراعة الزيتون فى سيناء بعد ان تاثرت تاثيرا شديدا خلال السنوات العشر الاخيرة التى كافحت القوات المسلحة فيها فلول الإرهاب وهو ما أكده المهندس عاطف مطر وكيل وزارة الزراعة السابق بمحافظة شمال سيناء والمشرف العام على تنظيم المهرجان .. مضيفا: نظرا لكون الزراعة تمثل مصدرا هاما من مصادر الدخل عند المواطنين بمحافظة شمال سيناء وقد تأثرت كثيرا بالاحداث التى مرت بها المحافظة خلال السنوات العشرة الاخيرة جراء الأعمال الإرهابية التى شهدتها المحافظة فقد قمنا بإطلاق مبادرة أطلقنا عليها مبادرة الـ 101 مليون شجرة زيتون تخليدا لاسم الكتيبة 101 التى أبلت بلاء حسنا فى مقاومة الإرهاب الغاشم.
ونحن بالفعل نقوم بتوزيع الأشجار على المزارعين كل حسب مساحته ووفقا لحيازته بالمجانى وقد أطلقنا المؤتمر الاول للزيتون من يوم الاول من اكتوبر وحتى اليوم الخامس بمشاركة الدكتور عادل عبد العظيم وكيل مركز البحوث الزراعية ممثلا عن وزير الزراعة وتضمن المؤتمر ندوات من كلية العلوم الزراعية جامعة العريش ومديرية الزراعة بشمال سيناء ومركز البحوث الزراعية متمثلا فى معهد بحوث البساتين ومعهد تكنولوجيا الاغذية وقد شارك فى المؤتمر عدد من رجال الأعمال والشركات الوطنية ومجلس القبائل والعائلات المصرية كل ذلك برعاية وزارة الزراعة.
وعلى جانب آخر طالب حمادة مسرب مزارع بالواحات البحرية الحكومة باستثمار ارض الواحات التى تتميز بزراعة المحاصيل الصحراوية مثل النخيل والزيتون حيث يجب ان تقوم الحكومة بسرعة تقنين وضع اليد وتشجيع المزارعين على زراعة انواع الزيتون وخاصة التى يستخرج منها الزيت مع ضرورة إنشاء مصانع متطورة لعصر الزيتون ومصانع للتعبئة من اجل تشجيع المصدرين على فتح اسواق جديدة فى الخارج، فقد اثبتت الايام ان زيت الزيتون المصرى من افضل الزيوت فى العالم وعليه اقبال شديد حتى فى البلاد المعروفة بإنتاج زيت الزيتون مثل اسبانيا.. كل هذا يشجع الحكومة على ضرورة تعظيم الفائدة من زراعة الزيتون والتوسع فيها فهى اغلى من سعر البترول ولو انه تم استثمار تلك المساحات الصحراوية الشاسعة لاستفدنا بشكل كبير منها كونها تصدر للخارج.
تدوير مخلفات الزيتون
من جانبه يقول الدكتور عبد العزيز الطويل، وكيل معهد بحوث البساتين السابق والاستاذ المتفرغ بقسم الزيتون والفاكهة الاستوائية، إن شجرة الزيتون مباركة ويكفى أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها حيث قال "والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين"
ثم نجد أن كل جزء فى الشجرة مبارك طيب فيه شفاء.. الزيت فيه شفاء للجلد وتساقط الشعر والقوباء والحروق والجروح وفيه شفاء للجهاز الهضمى مثل الكبد والقرحة وضغط الدم وغيرها. وكذلك الأوراق تصنع منها لبخات لعلاج بعض الحالات، وخلاصتها تحتوى على مضادات الأكسدة، ونجد أن أغصانها وجذوعها تستخدم فى فصل الشتاء كوقود.
وأثبتت ابحاثنا بالمعهد أن مخلفات عصر ثمار الزيتون تقلل من استخدام الأسمدة الكيميائية بنسبة 50 % سواء باستخدام التفلة وهى تتكون من بقايا عملية طحن الثمار لاستخلاص الزيت ومن خشب ولب الحبوب المكسور وقليل من الزيت المتبقى من العصر وايضا الماء الخضرى الناتج من العصر يستخدم فى التسميد وفى تقليل ماء الرى بنسبة 25 %. كذلك وجد أن التفلة الناتجة من العصر تستخدم كعلف للحيوانات خصوصا الإبل والابقار بعزل اللب عن الخشب وتجميعها وكبسها لتكون علف حيوان ذا جودة.
تطوير المعاصر
فيما يرى هشام عمار مستثمر زراعى ان الدولة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى بدأت تعود إلى مجدها الزراعى الاول عندما كانت ذات حضارة زراعية وسلة غذاء العالم فاصبحنا نرى اهتماما غير مسبوق بعالم الزراعة وفى كل خطابات الرئيس نراه يوجه بتوسيع الرقعة الزراعية ومنها الزيتون باعتباره من المحاصيل ذات العائد الكبير خاصة مع فتح أسواق تصديرية جديدة لكن كانت المشكلة هى المعاصر فلم يكن هناك اهتمام من الدولة او حتى المستثمرين بتطوير صناعة عصر الزيتون رغم اهميتها الكبرى.
وإذا أردنا ان نعظم من قيمة الإنتاج فلا بد من وجود معاصر حديثة ومتطورة تليق بقيمة وحجم الإنتاج من الزيتون خاصة وان الاتجاه العام قد تحول الى زراعة اصناف زيت الزيتون كما يتم الآن بالعريش وبعض المناطق مثل محافظة مطروح بعد ان ارتفعت قيمته فى الاسواق العالمية واصبح الطلب الدولى كثيرا على المنتج المصرى.
وقد كانت هناك مبادرة رئاسية بزراعة اشجار الزيتون ونحن نتمنى إن تشمل المبادرة تطوير مصانع عصر الزيتون لاستكمال مسيرة النجاح.
فوائد صحية لزيت الزيتون
ويضيف الدكتور فوزى لاشين، أستاذ الكيمياء الحيوية المتفرغ بهيئة الدواء المصرية، إن زيت الزيتون يمثل ثروة قومية لا تقل شأنا عن إيرادات قناة السويس فبينما يصل سعر برميل البترول 100 دولار يصل سعر برميل الزيتون الى 1000 دولار وهو ما يفرض علينا الاهتمام بزراعة زيتون الزيت وعدم التركيز على زيتون المائدة خاصة وان بعض المزارعين يستخدصون الزيت من زيتون التخليل وبالتالى فإن نسبة الزيت فيها تتراوح ما بين 7 الى 11 % فقط وهو ما يعطى جودة.
وقد أثبتت الابحاث التى قمت بها إن زيت الزيتون يعمل على إعادة الدهون فى الكبد ويحافظ عليها من السرطان بسبب حامض الـ DHA الذى يتم تخليقه من مركب الاوليك اسيد فى الكبد وهذا مثبت علميا.
من هذا المنطلق أتمنى ان تضع القيادة السياسية الزيتون موضع الاهتمام وان تكون هناك منظومة متكاملة لهذا المورد من الدخل بحيث يتكامل المهندس المتخصص فى الزراعة مع الباحث الكيميائى المتخصص فى زيت الزيتون من اجل تحقيق اعلى فائدة.