أين التعاونيات المصرية؟ وكيف تستعيد دورها؟ ولماذا لا تنشط وسط غلاء الأسعار؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت الشغل الشاغل الذى يدور فى ذهنى بينما أرتب لحوار شامل مع الخبير والقطب التعاونى الدكتور مدحت أيوب، مدير عام الاتحاد العام للتعاونيات المصرية.
موضوعات مقترحة
ولأنه أحد أهم المسئولين عن هذا القطاع الحيوى الكبير، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار الذى يعانى منه العالم والدولة المصرية، فقد كان لزاما أن نحصل منه على إجابات مقنعة لحل بعض الأزمات والسيطرة على الأسواق عبر التعاونيات الاستهلاكية والإنتاجية.. التفاصيل فى السطور التالية..
ـ أين الحركة التعاونية المصرية من ارتفاع الأسعار؟
أحد الأسباب الرئيسية التى عطلت دور التعاونيات فى تخفيض الأسعار هو ضعف التكامل بين التعاونيات وبعضها، فمثلا سلعة مثل الأرز نجد أن المنتج هو صاحب حيازة عضو فى جمعية تعاونية زراعية، فأين دور الجمعية التعاونية الزراعية فى تسويق المحصول لعضو الجمعية؟
ثانيا الجمعية التعاونية الاستهلاكية هى مشتر رئيسى لسلعة الأرز، لماذا لم يحدث تكامل بين التعاون الاستهلاكى والزراعى بحيث يذهب الإنتاج الزراعى إلى التعاونيات الاستهلاكية بدون وسطاء؟ ولنبحث عن المستفيد الحقيقى من ضعف التكامل بين التعاونيات سنجد أنه التاجر وليس المستهلك أو المنتج فلو كان هناك هذا التكامل لم تكن ستحدث أزمة فى أى سلعة.
ـ هل هذا يعنى أن التعاونيات لا تقوم بدورها بشكل كامل؟
هذا يعنى أنه لا يوجد تكامل بين التعاونيات، ونرجع إلى ما قاله محمد رشاد- رحمه الله- رئيس مجلس ادارة دار التعاون سابقا ورئيس تحرير «الأهرام التعاونى» اننا نعمل بمنطق الجزر المنعزلة.. كل قطاع يعمل وحده.. هذا بالنسبة للتكامل الأفقى المفروض ان يتم بين التعاونيات وبعضها. وهناك تكامل رأسى، فمن المفروض أن الجمعيات الاستهلاكية عندهم جمعية عامة للسلع الاستهلاكية يقومون بالشراء الجماعى للجمعيات الاستهلاكية وبالتالى استطيع الحصول على الامتيازات للكميات الكببيرة سواء خصومات أو فترات سماح للسداد وغيره مما يساعد الجمعيات وهو ما يكون لصالح المستهلك، حيث ان الجمعيات لا تهدف للربح.
ـ التعاون لا يقتصر على التعاونيات الزراعية والاستهلاكية.. ما القطاعات الأخرى التي تستطيع المشاركة؟
مثلا فى مجال الأسماك، هناك تعاونيات الثروة المائية تنتج أكثر من 80 % من الإنتاج السمكى فى مصر، لو كان جزء من الانتاج يذهب للجمعيات الاستهلاكية بدلا من أن يأخذ التاجر كل الانتاج كان سيتم البيع للمستهلك بفارق سعر جيد يجبر التاجر على ألا يغالى فى الأسعار أو يتحكم فيها كما هو حادث الآن، ولذلك أعتقد ان أحد أسباب ارتفاع الأسعار هو غياب التكامل بين التعاونيات سواء تكامل رأسى أو أفقى.
ـ كيف يمكن حل هذه المشكلة؟
مطلوب نماذج أعمال فى الحركة التعاونية تجمع بين الأنشطة التعاونية وبعضها فتحل الجمعية محل التاجر فى تسويق المحاصيل والمنتجات. إذا استطعنا الوصول إلى هذه النقطة من التكامل بين التعاونيات المنتجة والتعاونيات التى تقوم بالتوزيع سوف تنخفض الأسعار بشكل كبير صحيح وملحوظ.. وهناك عامل فى ارتفاع الاسعار وهو ارتفاع التكلفة ولكن هناك عامل آخر ألا وهو الحلقات الوسيطة والتى تساهم بشكل كبير فى ارتفاع الأسعار، ومن هنا فإن التوصل إلى اتفاق مناسب للتعاون بين التعاونيات سيسهم بشكل كبير جدا فى انخفاض الأسعار والسيطرة على الأسواق.
ـ أين حق الفلاح من الأسعار المتزايدة للمحاصيل الزراعية التى تباع فى الاسواق؟
الدراسات أثبتت أن الفلاح لا يحصل على أكثر من 35 % من سعر المحصول الذى يباع فى السوق، وجزء آخر يعد فاقد فى الحصاد أو جمع المحصول ولذلك لابد من تصحيح هذه المعادلة لأن المستفيد الوحيد من هذا الوضع هو التاجر والمتضرر هو الفلاح والمستهلك، ولذلك لا بد من تفعيل التكامل بين التعاونيات الزراعية والمنتجة وبين التعاونيات الاستهلاكية والوصول إلى توافق والية للتعاون فيما بينهم وهو دور أساسى للتعاونيات لا بد أن تؤديه.
ـ برأيك، هل للحكومة دور بالنسبة للتكامل بين التعاونيات؟
لا بد للحكومة من أن تدفع فى هذا التكامل لأنه احيانا اذا كان الامر متروكا للاختيار لا يتم، ولكن إذا الحكومة دفعت فى هذا الاتجاه فسوف يتم وذلك من خلال الوزارات المشرفة على القطاعات التعاونية مثل وزارتى التموين والزراعة.. صحيح أن الحكومة دورها الإشراف على التعاونيات ولكننا فى ظروف استثنائية فيمكنها رعاية هذا الامر، والدفع باتجاه هذا التكامل، خاصة أن الجميع سيستفيد ودورها الرئيسى هو التنسيق بين القطاعات التعاونية للوصول إلى آلية للتعاون بين التعاونيات.
ـ ما القرارات التى تعتقد أن لها الأولوية لاتخاذها من جانب الحكومة للسيطرة على الأسعار؟
لا بد ان تتدخل الحكومة كمشتر للإنتاج المحلى من السلع الاستراتيجية، وتقوم بطرحها فى المنافذ التى تتبعها بالأسعار التى تحددها، ففى دول الاتحاد الاوروبى تتدخل الحكومات عند نزول الأسعار عن حد معين لا يجعل المنتج يكسب، فتشترى السلع من المنتج وتبيعها مرة أخرى سواء خارجيا أو داخليا للحفاظ على المنتج ليستمر فى الإنتاج.. وهنا ليست المشكلة مشكلة منتج ولكن مستهلك يعانى من ارتفاع الأسعار وخاصة فى ظل غياب التكامل التعاونى، لذلك عليها التدخل بشكل مباشر بالشراء من المنتج خاصة أن كثيرا منها يغطى الاستهلاك المحلى مثل الأرز والسكر، وهو ما يتيح للحكومة التدخل وتنظيم توزيع هذه السلع بحيث يحدث توازن فى السعر وتوفير للسلعة.
ـ هناك مطالب للحكومة بالخروج من الشأن الاقتصادى وأنت تطالب الحكومة بالتدخل.. كيف ترى هذه الإشكالية؟
فى الظروف الاستثنائية لا يجب أن ناخذ بالنصائح النظرية.. نعم اقتصاد السوق يطالب الحكومة بأن تنسحب من النظام الاقتصادى، ولكننا فى ظرف استثنائى.. الحكومة تتدخل مباشرة، فالحكومات الأمريكية والغربية تدخلت فى الأزمة المالية 2008 ومطلوب من الحكومة المصرية التدخل الآن، فالظروف الاستئنائية تقتضى قرارات استئنائية بغض النظر عن النظريات، خاصة أن حكومة أطلقت العديد من المبادرات التى لم تجد صدى فى الواقع أو لدى القطاع الخاص.
ـ كيف ترى قضية إعادة هيكلة التعاونيات؟
إعادة هيكلة التعاونيات مقصود به تفعيل دور الهياكل الموجودة حاليا فى كثير من الموجود فى هياكل التعاونيات الان ليس له دور مثلا الاتحاد التعاونى الزراعى وبعده جمعيات عامة وجمعيات مركزية وجمعيات مشتركة واخيرا جمعيات قاعدية فالعلاقة بين القمة والقاعدة بعيدة لا أستطيع أن أرسم سياسة وأنفذها. لا بد من تبسيط الهيكل بحيث يمكن لمؤسسات التنمية التى تخطط تنفيذ خطتها مع الجمعيات، فإعادة الهيكلة هى تبسيط الهيكل بحيث يمكن المنظمات المخططة بوضع السياسات أن تنفذ سياساتها غن طريق الجمعيات القاعدية.
ولا بد أن تقوم التعاونيات بوضع نموذج أعمال جديد يربط التعاونيات ببعضها خاصة الاستهلاكية والزراعية والثروة المائية.
ـ فى الوقت الذى تتحدث عن نموذج اعمال فإن قانون التعاون الموحد لم يلاق صدى عند بعض الاتحادات؟
هناك بعض الاتحادات تخوفت ان يقوم القانون الموحد بالغاء خصوصية الاتحادات ولكن قانون التعاون يتضمن فصلاً لكل اتحاد للحفاظ على هويته وخصوصيته داخل القانون وهذا يساعد فى فكرة التكامل بين التعاونيات فعندما كانت هناك جهة ادارية واحدة كان هناك تعاون بينهم حتى السبعينيات منذ اول قانون ظهر فى 1922 وحتى القانون 317 لسنة 1956 كان قانون واحد وجهة ادارية واحدة مختصة بالحركة التعاونية كلها تستطيع التنسيق فيما بينهم فالمقصود يالقانون الواحد ان تكون هناك مظلة واحدة للتعاونيات مع الحفاظ على خصوصية كل اتحاد بما يتيح التكامل والتعاون بين التعاونيات والذى نطالب به ونأمل فى تحقيقه.
ـ هل هناك فرصة لصدور قانون التعاون الموحد قريبا؟
هذا الموضوع هو احد مخرجات الحوار الوطنى ولذلك اعتقد ان الحكومة ستعمل عليه وهناك مشروع تقدمنا به او تحيى فكرة القانون 317 لسنة 1956 كان قانون واحد وجه ادارية واحدة هى وزارة الشئون الاجتماعية وفى كل الدول العربية وزارة الشئون الاجتماعية هى الجهة المشرفة على التعاونيات.
ـ ما دور الاتحاد العام فى إحداث التكامل بين التعاونيات ؟
الاتحاد العام يحاول التقريب بين التعاونيات والتنسيق فيما بينهم لاحداث التوافق والتكامل ولكن جهود الاتحاد العام للتعاونيات غير ملزمة للاتحادات التعاونية المركزية فهم اصحاب القرارات النهائية ولكن هى جهود مقدرة من الاطراف وهذه هى الرسالة المنوط به القيام بها ففى نظامه وقانونه الاساسى دوره هو التنسيق لتحقيق التكلمل بين التعاونيات
ـ تواجه التعاونيات مشاكل كثيرة خاصة التهميش من جانب الحكومة كيف ترى ذلك؟
فى كثير من الاحيان الحكومة لا ترى سوى القطاع الخاص والعام ويغيب عنها فى الحلول القطاع التعاونى مع انه يعتمد عليه فى كل دول العالم وفى مصر كان حتى وقت ليس ببعيد الحكومة تعتمد علية ولذلك لابد ان تضع الحكومة فى خطتها تفعيل دور التعاونيات وهذا سيساعد الحكومة كثيرا خاصة فى مجال ضبط الاسواق والحد من ارتفاع الاسعار.
ـ ما المشاكل التى تواجه التعاونيات؟
اهم مشكلة هى ضعف الرؤية عند كثير من القيادات خاصة القيادات الوسيطة فالتعاونيات لديها ادوات كثيرة للعمل بها ولكن للاسف فمثلا القطاع الحرفى فى التعاونيات الانتاجية ضعيف جدا على الرغم من انه الاكثر استيعابا لفرص العمل الاكثر تشغيلا للفئات التى تحتاج لتحسين وضعها الاقتصادى والاجتماعى وسوف يؤدى إلى إدماج القطاع غير الرسمى فى القطاع الرسمى ولكن هو لم يحاول ان ينهض بهذا القطاع ايضا فى القطاع الاسكانى عدم تفعيل حصول الجمعيات على اراض للبناء باسعار مخفضة وفقا للقانون لم يتم الضغط بصورة كافية للتفعيل خاصة ان هذا هو دور التعاون الاسكانى توفير مساكن للشباب وهو ما أثر على اداء التعاونيات
ـ هناك دول كثيرة قام اقتصادها على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لماذا لم تتجه مصر هذا الاتجاه؟
طبعا هناك العديد من الدول التى قام اقتصادها على الصناعات الصغيرة والمتوسطة فهو الاساس لاى اقتصاد ناشئ ثم تتحول إلى الصناعات المغذية للصناعات الكبيرة وللاسف نحن ركزنا لفترة طويلة على إقراض الفرد للقيام بمشروع صناعى وكان الصندوق الاجتماعى يرقض تمويل الجمعيات هنا يجب ان تكون الجمعيات التعاونية حاضرة فى اجندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لانها تمثل العناقيد الصناعية والتى تربط الصناعات بعضها البعض فمثلا صناعة الاحذية هناك عدد من الصناعات التى تقوم على تصنيع هذا المنتج للوصول إلى الشكل النهائى وهذا يسمى عنقود صناعى وبالمثل فى العديد من الصناعات لذلك لابد من دعم الجمعيات التعاونية وانشاء مناطق صناعية للصناعات العنقودية حتى نصل إلى الرقم الذى قال عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى 100 مليار صادرات فالمنافسة فى الصناعات الكبيرة صعبة علينا لكن نسنطيع المنافسة والتفوق فى الصناعات الصغيرة والمغذية ولابد ان تساعد الدولة هذه الصناعات من خلال تسويق منتجاتها من خلال المعارض الخارجية.
ـ هل تعتقد أنه من الممكن الوصول إلى الاسواق الخارجية بالمنتجات المصرية؟
بالتاكيد خاصة ان لدينا صناعات عديدة متميزة مثل الاثاث والملابس الجاهزة والمفروشات والصناعات التى يقبل عليها السياح وغيرها فلا بد ان تدعم الدولة هذه الصناعات وتعمل على تسويق منتجاتها من خلال المعارض الخارجية والداخلية للوصول إلى المستهلك فى اى مكان بحيث يكون هناك طلب على المنتج المصرى ويزيد حجم الصادرات وبالتالى الواردات من العملة الصعبة.