يخطئ من يظن أن الولايات المتحدة حين تقرر تعليق شحنة قنابل شديدة الانفجار إلى إسرائيل بزعم أنها تشكل خطرًا كبيرًا على المدنيين فإنها باتت تتعاطف مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة منذ نحو 8 أشهر بمباركة الولايات المتحدة وبأسلحتها الفتاكة الأخرى.
ويتمادى في سوء تقديره من يعتقد أن هناك خلافات مفصلية بين أمريكا وإسرائيل فالحقيقة الواضحة الساطعة أن أمريكا وإسرائيل وجهان لآلة القتل والإبادة، وشركاء في كل ما يحدث على الأرض في غزة، ومنذ السابع من أكتوبر تحركت آلة الحرب الأمريكية بكامل عتادها وبكل قوتها دعما لإسرائيل، وفي سابقة لم تحدث في أي دولة رأينا وزير الدفاع الأمريكي يشارك في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، ويتابع بنفسه خطط العمليات العسكرية منذ اليوم الأول للحرب وحتى اليوم.
إذن هى شراكة شيطانية من أجل إبادة شعب أعزل وتصفية القضية الفلسطينية، وهذه الشراكة تسعى إلى إطالة حرب الإبادة حتى يتم الإجهاز على كل الشعب، عبر عمليات عسكرية مدمرة في مناطق شمال ووسط وجنوب غزة تستحيل بعدها الحياة، ولا أدل على ذلك أن قوات الاحتلال بدأت تعيد ضرب وتدمير مناطق كانت قد انسحبت منها؛ مثل جباليا وغيرها في مناطق شمال ووسط القطاع.
ولعل ما يشير إلى ذلك ما تتداوله وسائل إعلام دولية وإسرائيلية من أن قوات الاحتلال لديها خطة عمل تمتد لأكثر من عام في غزة، والدليل الآخر أيضًا هو تهرب الحكومة الإسرائيلية من التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى، ووقف لإطلاق النار من خلال مفاوضات ماراثونية قادتها مصر بحكمة واقتدار، وبدلًا من أن تنخرط في اتفاق يوقف نزيف الدم، قامت بالتوجه إلى رفح، رغم تحذيرات مصر ودول العالم من التداعيات الإنسانية الكارثية جراء أية عملية عسكرية في رفح التي تؤوي أكثر من مليون ونصف نازح.
وفي مشهد يدعو للسخرية والاشمئزاز تخرج إدارة بايدن لتقول إنها لا توافق على حرب واسعة في رفح؛ مما يعني أنها توافق على حرب متدرجة يتم فيها الموت والتدمير البطيء، وأنها قررت تعليق شحنة قنابل زنة 2000 كيلو نظرًا لشدة قوتها التفجيرية، بينما لا تمانع في القتل والتدمير بقنابل أقل في الوزن، ولا تعارض في القتل بالمدفعية والطائرات المسيرة، والصواريخ الذكية.. وغيرها من عتاد وأسلحة محرمة دوليًا تستخدمها إسرائيل على مرأى ومسمع العالم وتمتلئ بها المخازن وهي أيضًا من الصديق الأمريكي.
في تقديري أن قرار أمريكا بتعليق هذا النوع من القنابل، كان بهدف تهدئة الشارع الأمريكي الذي بدا أن نسبة فيه تستشعر أن الحرب على غزة ونتائجها المدمرة تسيء إلى صورة أمريكا؛ خصوصًا أن بايدن على أعتاب انتخابات رئاسية يسعى إلى كسب أصوات العرب والمسلمين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وربما يتراجع عن هذا القرار تحت أي حجة واهية؛ مثل وجود ضمانات من إسرائيل لاستخدام هذه القنابل بما لا يتعارض مع القانون الدولي؛ خصوصًا أن خصومه من الحزب الجمهوري، وكذا عدد من أعضاء حزبه هاجموا القرار، وطالبوا بايدن بالتراجع عنه؛ بل إن السيناتور جراهام ذهب أبعد من مجرد قنابل شديدة الانفجار، وأعاد تذكير بايدن بأن الولايات المتحدة استخدمت القنبلة الذرية في الحرب العالمية ضد المدنيين؛ مما يعني أنه لا مانع أن إسرائيل تقتل -بل تبيد- الشعب الفلسطيني كما فعلت الولايات المتحدة.
المؤكد أن المشهد مخيف، والموقف مرعب؛ في ظل وجود حكومة إسرائيلية لا تؤمن إلا بالقتل والتدمير والإبادة، وتحركها نوازع دينية متطرفة وتدعمها، بل وتشاركها الولايات المتحدة التي ترى في هذا الكيان المحتل وسيلة لتحقيق مصالحها ولو على حساب إبادة شعب.
أمام هذا المخطط الشيطاني الذي باتت ملامحه واضحة فإن تحرك عربي – إسلامي غير تقليدي وحاسم بات ضرورة واجبة اليوم قبل الغد للضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لوقف هذه الحرب التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء التي كان آخرها -قبل أيام- إغلاق إسرائيل كل المعابر لمنع دخول المساعدات في تحرك ستكون تداعياته أكثر فتكًا من قنابل أمريكا.
وهو المشهد الأخير قبل الموت الكامل للشعب الفلسطيني في غزة والقضية أيضًا.