دوما ما نسمع هذه العبارة، وكثيرًا ما نسمع شبابنا يرددها فى المدارس، فى الجامعات، على قوارع الطرقات، فى وسائل المواصلات، حتى فى النوادي الاجتماعية والحفلات، عبارة تحمل ما تحمله من مضامين متفاوتة بين أجيال وأجيال، أجيال أدركت ووعت مفهوم الحرية الحقيقي، وأيقنت تمام اليقين وعن اقتناع أن الحرية التي كفلتها لنا الشرائع بل وعضدتها وأيدتها هي الحرية المسئولة، فالحرية تعني المسئولية، فإذا أردت أن تتحقق وتحيا بالحرية فلابد أن تكون مسئولا عن هذه الحرية، فإذا أردت أن تعتنق دينًا معينًا فأنت حر، لكن شريطة أن تتحمل تبعات هذه الحرية من مسئوليات ستقع على عاتقك جراء ممارسة هذه الحرية، ورب سائل يسألني لماذا بدأت بالدين، أرد قائلا، لتلك الثورات المحمومة المسعورة التي يشنها أنصار الحريات على الدين، من سب وقذف وافتراءات وشبهات حول هذا الدين وتدنيس وحرق للكتب المقدسة، والدافع لذلك حقد دفين، والآلة الفتاكة والذراع الطولى للنيل من هذا الدين تسليط أنصار الحرية المزعومة الممقوتة، رافعين شعار الحرية رافعين لافتات مكتوب عليها العبارة المشئومة التي أفسدت علينا معتقداتنا وخربت عقول شبابنا ومُحيت خلالها شخصياتنا وذواتنا، وحدث تدن قيمي وانهيار حضاري وثقافي وفوضى إجتماعية عارمة، من الممكن أن نطلق عليها إن جاز التعبير - مرحلة العبث - فأصبحنا لا نستطيع التفرقة بين الذكر والأنثى، الفتى والفتاة، فالبنات تشبهن فى ملبسهن بالأولاد، والرجال تشبهوا بالسيدات، وإذا ما سألنا كل هذا لماذا؟! تجد الجواب حاضرًا: "الحرية يا سادة"، أي حرية تبيح الشذوذ، أي حرية تبيح اللواط والمثلية، أي حرية تبيح اللباس المهلهل، أي حرية تبيح قصات الشعر التي تشبه قصات شعر الأغنام، أي حرية تبيح الرقص أمام المدارس، وتبيح الرقص والزمر والطبل في الجامعات، إنها حرية حفلات التخرج، حرية (الفاين داي)، الرقص والطبل والمزمار له أماكنه، لكن بعيدًا عن قاعات الدرس والمدرجات، صدر إلينا الغرب هذه العبارة المسمومة لحاجة فى أنفسهم، فهؤلاء يخططون تخطيطًا جيدًا لغزو العالم العربي والإسلامي، بعدما فشلت حملاتهم العسكرية المسعورة، وجدت أن آلة الحرب لا تفلح، فالاحتلال هنا ليس احتلال أراضٍ، وإنما احتلال عقول وبسط الهيمنة الثقافية عن طريق الوارد المصدر إلينا، فصدروا إلينا حرياتهم ومنها هذه العبارة (أنا حر ما لم أضر)، وما أدراك أنك لا تضر، أطرح على أنصار هذه الحرية المسمومة، ومن اعتنقها، هل أنتم تعيشون بمفردكم منعزلين عن المجتمع، الإجابة المنطقية بالتأكيد لا نعيش في مجتمع، يتمتع بعقائد وقيم وتقاليد وعادات، هل نستطيع أن نتنصل منها أو نتخلى عنها، حتى إن أتتنا الإجابة من بعض هؤلاء بنعم نستطيع، نقول وما أدراك أنك لن تؤذي نفسك بهذه الحرية.
عندما قالها الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، حريتي لا تتحقق إلا على مسرح حريات الآخرين، وعندما يكون الآخر حرًا أكون أنا حرًا، كان يعي جيدًا ما يقوله، أن الإنسان لا يستطيع فكاكًا عن واقعه الذي يحياه، فهو عضو فاعل في جماعة، وما الجماعة إلا نسيج من هؤلاء الأفراد.
خطابنا التوعوي هنا للعقل الفردي الذي هو بدوره مكون رئيس للعقول الجمعية، فإذا كان حال العقل الفردي هكذا فما حال العقول الجمعية، إذن سيحدث ما لا تحمد عقباه "الفوضى الخلاقة والعبث والتراجيديا الضاحكة الباكية"، وستنتشر "الأباثيا" واللامبالاة والفردية والأنانية الكل يقول نفسي نفسي أفتح المذياع بأعلى صوته وقتما أشاء وأغلقه في أي وقت أريده، المهم إرضاء غرضه وفرط حريته دونما الالتفات إلى مريض يريد أن يستريح في بيته أو طالب يذاكر، المهم إشباع رغباته بدافع من هذه الحرية المنحلة.
إن واقعنا المصري والعربي والإسلامي المعاصر سيطرت عليه العديد من الاتجاهات والأفكار الدخيلة علينا، وللأسف تلقفها شبابنا دون حتى أن يناقشوا تبعاتها، انبهروا أمام المغريات المادية التي رأوها وعايشوها عبر مشاهدة الفضائيات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصًا تطبيقات الريلز والتوك شو بحجة الترفيه وتحول الترفيه إلى عبث وشاهدنا أبشع المناظر، رجال يراقصن زوجاتهن عرايا، ما هذا الذي نراه، أي حرية هذه بئست الحرية، حرية العري والشذوذ.
الإله جل و علا كفل لنا حرياتنا التي تضمن إنسانيتنا فلا تنسحق قيمنا ولا تنسحق أخلاقنا ولا تدوسها آلات المدنية الحديثة، نحن مع المدنية الحديثة والمعاصرة والحداثة، لكننا نرفض أشد الرفض أن نكون ألعوبة في أيدي هؤلاء، ونرفض التقليد الأعمى، فنحن لنا عقول نفكر بها ونميز من خلالها بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، الحسن والقبيح، الجميل والمقدس والجليل.
نعم جميعنا يريد الحرية لكن ما نرفضه حرية الاسترقاق للأهواء والميول والشهوات، فليس ثمة حرية تقودنا إلى إدمان المخدرات، أو تقودنا إلى أن نترك مدارسنا وعلومنا ونفشل في حياتنا وندمر أنفسنا ومجتمعاتنا.
أي حرية هذه التي تجعل شابًا يجلس فى المواصلات يتسامر مع زميلته ويتمايلان ضحكًا، ومسنًا عجوزًا يتململ من الوقوف على قدميه، ولا يتحرك لهما ساكنًا، طبعًا لا أعمم الأحكام، والحجة التافهة "نحن أحرار نفعل ما نشاء وفي أي وقت نشاء دون رقيب، دون مسئولية، دون حساب".
أبدًا هذه ليست حرية، وإنما هو العبث والفوضى بعينهما، ومن يجد مصطلحًا آخر غير هذين المصطلحين فليخبرنا لعلنا نكون مخطئين.
فيا أبناء مصرنا الحبيبة، ويا أبناء شعوبنا العربية والإسلامية، عودوا إلى رشدكم فأنتم قلب الأمة النابض وعصبها المتين فلا تجعلوا من أنفسكم ألعوبة فى يد من لا يرقبون فيكم إلًا ولا ذمة.
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان