د. فاروق الباز.. العَالِم والإنسان

12-5-2024 | 13:08

ربما تكون تلك اللحظة التي أمر بها الآن هي أصعب لحظة يمكن أن يمر بها كاتب على وجه الإطلاق، حينما يتشكل وجدانه وتثار انفعالاته لتتمرد على مشاعره القابعة بداخله لسنوات، تحركها بقوة بعد أن كانت كامنة وساكنة، فتدفع به للكتابة عن شخصية ما، فما بالنا لو كانت هذه الشخصية تملك كل هذا القدر من الزخم في العلم والخلق، في الرقي والمهابة، في التواضع والإيثار بنفس القدر وعلى حد سواء؛ حينها ستتخلى عن الكاتب مفردات لغته وتتركه يتخبط باحثًا عن مفردات أخرى، ثم تلقي به في بحار من الخوف والقلق، من الحيرة والارتباك. 

إن الشخصية الثرية التي يرغب الكاتب في الحديث عنها اليوم بكل أبعادها ومكوناتها الأصيلة قد أصابته بالدهشة والانبهار لدرجة أنها لم تعد تفسح له المجال كاملًا للحديث عنها كما تمنى وحسبما أراد.

أحيانًا تتغلب مشاعرنا الصادقة على كل إمكاناتنا اللغوية المتاحة لنا؛ لنجد أنفسنا توشك على الغرق في بحارها العميقة، على الرغم من أننا كنا نحسبها بحسابات القلب بسيطة للغاية، فهي محفورة بداخلنا وفي متناول يدنا، كنا نظنها قريبة وأنها سوف تأتينا على عجل إذا ما قمنا باستدعائها متى شئنا ومتى أردنا.

شرفني منذ أيام العالم المصري الكبير والقدير الدكتور/ فاروق الباز؛ بإرسال طلب صداقة لي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فظننت أني أحيا بداخل حلم من الأحلام، فهذا درب من خيال؛ من أنا حتى يفكر هذا الرجل المهاب بكل علمه وشهرته في دعوتي للانضمام لدائرة المعارف والأصدقاء؟!

حدثت نفسي الحذرة بأن هذا الحساب قد يكون حسابًا وهميًا لشخص آخر، فأنا لم أكن أعلم أن هذا الرجل العظيم الذي عرفه العالم أجمع، الرجل الذي عمل في وكالة ناسا لعلوم الفضاء، الرجل الذي قضى أغلب سنوات عمره بين الكتب وداخل معامل الأبحاث يحمل بداخله قلبًا رقيقًا متواضعًا إلى هذا الحد.

"مَلك القمر أو سيد القمر" كما لقبه طلابه؛ الرجل الذي تعلم وعلم الكثيرين وما زال يفخر بأنه دائم التعلم والاطلاع، وبعيدًا عن الناحية العلمية التي ملأت الدنيا بتفاصيلها الكثيرة والعظيمة اخترت أن أتحدث عن جانب آخر من جوانب شخصيته المؤثرة والملهمة، وهو جانب لا يقل أهمية عن رحلته العلمية الغراء؛ سأتحدث عن إنسانيته التي صقلت روحه، وجعلته يرى الطريق الصحيح الذي ارتضاه له ربه، فأحكم قبضته على إيمانه بالله، حافظ على هويته المصرية والعربية وسط عالم يموج بالاختلاف، تمسك بعادات وتقاليد مجتمعه رغم عمله وإقامته في الغرب المتحرر أغلب سنوات عمره، وهذا ما ترجمته لنا بوضوح بعض أحاديثه التليفزيونية المفيدة والنافعة، الشيقة والممتعة في آن واحد.

لقد كان الأمر محيرًا جدًا بالنسبة لي؛ حين قررت الكتابة عن هذا الرجل عن القيمة والقامة عن الظاهرة الفريدة وأيقونة النجاح، فأسرعت للبحث في أروقة رحلته العلمية المكتظة بالاستكشافات، وشاهدت له العديد من الصور مع زعماء وعلماء وشخصيات مؤثرة من مختلف الجنسيات.

شعرت أنني حتمًا سأغرق في طوفان علمه وسط كل هذا الكم الهائل من المعارف والمعلومات، وقلت في نفسي: "كيف تخيلتِ أنك كنت ستتمكنين من جمع إنجازاته في حروف وكلمات؟ وكيف كنت ستشرحين أمورًا أكبر من إدراكك لها ولمحتواها؟ فوجدت في هذا الحوار سببًا وجيهًا للابتعاد عن الجانب العملي من حياته، وقررت الاقتراب أكثر من الجانب الإنساني؛ فكان هذا الحديث بالنسبة لي مظلة إنقاذ وطوق نجاة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: