عُرض مسلسل "الزيني بركات" في شهر رمضان من عام ١٩٩٥م، وشارك في بطولة المسلسل الكثير من النجوم منهم: أحمد بدير، ونبيل الحلفاوي، وعبد الرحمن أبو زهرة، وتهاني راشد، وغيرهم، ومن إخراج يحيي العلمي.
موضوعات مقترحة
وخلاف التاريخ الذي يقدم الشخصية كما هي دون أن يقدم لها مبررات السلوك، قدم جمال الغيطاني، شخصية "الزيني بركات" ليكشف عن وجهه القبيح في عمل أدبي، من روعته تحول لمسلسل درامي، مازال يعيش في أذهان الناس.
ويؤكد السيد عبدالعال، مدرس التاريخ الحديث بجامعة جنوب الوادي، أن المؤرخين الذين اهتموا بالوفيات في العصور اللاحقة على عصر الزيني بركات كان معظمهم يعرض الوفيات ولا يعرض مكان الدفن، وهو ما فعله الجبرتي الذي أتى بمئات السنين بعد عصر الزيني، واهتم بالوفيات، حيث أنه قلما يذكر أمكنة الدفن إلا نادراً، برغم أنه جاب كثيراً مقابر القاهرة العريقة، مؤكدا على أنه لا توجد دراسات علمية جادة لشخصية الزيني بركات، لافتاً أنه لابد من قراءته وإعادة قراءة كافة مصادر التاريخ المملوكي والعثماني عن هذه الشخصية التي ساهمت في وقوع مصر في الغزو العثماني، خاصة أن التاريخ لا يملك أن يقول عن الزيني بركات أنه خدع الجميع ما لم تكن هناك وثائق تثبت ذلك، مشيراً إلى أن الأدب يضخم الشخصية خلاف التاريخ الذي يقدم الشخصية كما هي دون أن يقدم لها مبرارات السلوك.
كل ما وجد في الصفحة المخصصة في كتب التراجم عن بركات هو: بركات بن موسى، له مقدرة الاطلاع على النجوم، أمه اسمها عنقا، كما جاء في الرواية، وهذا يدل علي سمة العصر ، حيث أن العصر الذي أتيح لرمال فلكي أن يترك مهنة التنجيم ويصير مؤرخاً وهو ابن زنبل الرمال هو العصر الذي ساعد الزيني بركات الذي كان يمتهن هذا العلم ليصير "كبير البصاصين".
ويشير عبد العال إلى شيوع هذه الخرافات التي كانت تستحكم في عقول المؤرخين الذين عج التاريخ بذكرهم، بداية من شعراء وكتاب وملوك امتهنوا مهنة التنجيم والطالع، وهي العلوم التي هيأت لمصر أن تقع تحت طائلة الغزو العثماني الذي مثله جمال الغيطاني أفضل تمثيل.
لم يبق للزيني بركات أي أثر تاريخي أو معلم بارز سوى ما وجد عنه في الرواية، وأنه كان مستبداً، كما لا يظهر التاريخ أنه قام ببناء مدفن بناه لنفسه ويليق به، وهذا ما يؤكد أنه ربما مات ودُفن سراً لغرض ما للدولة العثمانية الغازية التي تولت مقاليد مصر، وتحول هو لـ"بصاص" لها على الشعب المصري.
كان العالم الذي عاشت فيه الشخصيات الثلاث: السلطان قنصوة الغوري، وهيفاء اللذيذة والزيني بركات، يتشكل من جديد، إلا أن السلطان قنصوة الغوري اختفى من الأحداث بعد مصيره الدامي ومقتله في معركة مرج دابق شمال حلب بسوريا سنة 1516م على يد العثمانيين، أما هيفاء اللذيذة فقد اختفت من الأحداث التاريخية أيضًا عدا الزيني بركات الذي واصل دوره ومد يد العون للاحتلال العثماني ليتحول لشخصية غامضة حتى الآن.
فرنسيس أمين، الباحث التاريخي والأثري يجيب بأن عصر قنصوة الغوري الذي تولى فيه الزيني بركات منصب الحسبة (الإشراف على الأاسواق) هو العصر الذي شهد وجود للقناصل وسفراء الدول الغربية، لافتاً أنه كان عصرًا منفتح الحدود، وهو ما يجعل سؤال الرواية عن الزيني سؤالا مهما، فمن أين أتى ذلك الرجل في عصر انفتحت فيه القاهرة علي ما وراء حدودها، هل كان مصرياً وسحنته لم تكن تدل على ذلك، من أي أرض قدم؟ هل جاء من تلك الحدود البعيدة التي هيأت للغزو العثماني أن يذيقها العذاب لمدة 5 قرون؟.
وصفه أحد شخوص الرواية وهو رحالة إيطالي كان يزور القاهرة، قائلاً: "عيناه خلقتا لتنفذا في ضباب البلاد الشمالية، في ظلامها، عبر صمتها المطبق، لا يرى الوجه والملامح، إنما ينفذ إلى قاع الجمجمة، إلى ضلوع الصدر، يكشف المخبأ من الآمال، حقيقة المشاعر، في ملامحه ذكاء براق، إغماضه عينيه فيها رقة وطيبة تدني الروح منه، في نفس الوقت تبعث الرهبة".
ويبقى السؤال .. لماذا اكتفي الغيطاني بذكر رحالة إيطالي واحد متخيل؟؛ يجيب الباحث أمين: هناك عدة رحالة إيطاليين وبرتغاليين كانوا يزورون القاهرة في هذا الوقت، وهم يعدون بالعشرات ومنهم أحد الرحالة الإيطاليين ويدعي "بلو جوفي" الذي سرد وقائع موت السلطان طومان باي حين غزا السلطان العثماني مصر، وقام بقتل آلاف المواطنين في القاهرة ببشاعة، وربما لكثرة الرحالة الأجانب لم يذكر الغيطاني غير شخصية أدبية متخيلة لتصف وقائع عصر الزيني بركات.
ويؤكد المؤرخون أن مصر رغم أزماتها الاقتصادية ومعاناة الشعب المصري من قيام المماليك بفرض ضرائب باهظة على الشعب، إلا أن المؤرخين يجزمون بأنه رغم الأزمات فإن مصر كانت تعيش في ازدهار عمراني في عصر السلطان قنصوة الغوري، كما ينقلنا المسلسل أيضا لشخصية الجواري والراقصات وربما شخصية شاهي التى أدتها ببراعة تهاني راشد ، هي ذاتها شخصية هيفاء اللذيذة التي ذكرها ابن إياس في تاريخه
ويقول الباحث التاريخي أحمد الجارد لـ"بوابة الأهرام" إنه "فى كل عصر من العصور كانت تشتهر في مصر مغنية وتلقب من معجبيها بألقاب، ويكثر مدحها وجمال صوتها، فكانت قصة "هيفة اللذيذة" المطربة الأولى في العصر المملوكي والتي ذكرها المؤرخ ابن إياس في تاريخه".
ويضيف: أنها كانت رئيسة المغنيات في عصرها، "وقد كلفتها الرياسة الكثير في عصر السلطان قنصوه الغوري"، حيث يحكي المؤرخ ابن إياس صاحب كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" أن البعض قدم ضدها دعاوى، مضيفًا أن السلطان الغورى حين انتهت إليه دعوى بعض خصومها عليها أمر بتعذيبها، ثم سجنها، ثم تغريمها خمسة آلاف دينار، أما الزيني بركات، الشخصية الغامضة في هذه الحقبة، فقد أمر ببيع كل ما تملك هيفاء اللذيذة من عقارات وممتلكات.
وتحل اليوم ذكرى ميلاد صاحب التجليات الأديب الكبير جمال الغيطاني (9 مايو 1945ـ 18 أكتوبر 2015م) الذي أثرى الحياة الأدبية بالعدي من المؤلفات والروايات، منها "الزيني بركات، ورشحات الحمراء، ونوافذ النوافذ ومطربة الغروب ووقائع حارة الزعفراني".
الكاتب الكبير الراحل جمال الغيطاني