كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها «الديمقراطية»؟
والديمقراطية اختراع النبلاء في أثينا اليونانية قبل 25 قرنا، وظنوا أنها ستكون “جنة البشر”.
وبعض الظن إثم.
فـ”الديمقراطية” الآن حانة مظلمة للإبادة الجماعية، وكأس دموي يتجرعها رواد الحانة العاجزون عن استيعاب” التحضر والتمدن” الديمقراطى.
لنتخيل أن نبلاء أثينا قفزوا من القرن الخامس قبل الميلاد إلى قلب القرن الحادي والعشرين، وشاهدوا نتيجة فعلتهم “النبيلة”، ترى ماذا سيكون موقفهم من التصريح الرسمي لـ”بنيامين نتنياهو” رئيس وزراء “إسرائيل” عن “الديمقراطية”؟
يقول، ردا على تسريبات إعلامية تفيد بملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، وهو بالكاد يقتل مائتي فلسطيني يوميا: “إن إسرائيل تمثل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ولن يسمح بهذه الملاحقة أو تدخل المحكمة.
والتصريح رسالة إلى “الغرب الديمقراطى” بالطبع، وعلى هذا الغرب ألا يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بملاحقته، أو ملاحقة أركان حكومته بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فالسماح معناه «محاكمة» الديمقراطية، و”سيخلق سابقة خطيرة” للعالم الديمقراطى.
كانت تسريبات إعلامية مختلفة قد كشفت عن اقتراب المحكمة الجنائية الدولية من إسرائيل، “الواحة الديمقراطية” للمرة الأولى فى التاريخ، وإصدار أوامر بالقبض على نتنياهو، وعلى وزير دفاعه يوآف جالانت، ورئيس أركانه تسفي هاليفي، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
الأمر جاد هذه المرة!
نتنياهو يدرك الخطر، يتصل بأمريكا والعواصم الأوروبية، يحاول منع المحكمة الجنائية الدولية من ارتكاب هذه الفعلة غير المسبوقة منذ نشأة إسرئيل، فالسوابق القديمة المماثلة كانت فردية، لم تصل إلى حد ملاحقة “الديمقراطية الوحيدة” بالكامل.
رسالة نتنياهو شديدة الرمزية، عنوانها إذا ما تمت ملاحقتي بتهم الإبادة الجماعية، فلن تكونوا بعيدين عن الملاحقة، فغزو العراق وأفغانستان، وتدمير ليبيا، وسوريا، والمنطقة العربية بفوضى الربيع العربي لا يزال حيا طريا، ومن قبل لا تزال سجلات التاريخ حاضرة، توثق مأساة فيتنام، وحرب الكوريتين، وضرب هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين بالقنابل النووية، وبهذا السجل الحافل القديم أنتم أنفسكم في طليعة المتهمين أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية ذات يوم.
رسالة نتنياهو العميقة عنوانها: لست وحدي، فأنتم شركاء فى إبادة الشعب الفلسطينى، من خلال الدعم المادى، والإعلامى، والدبلوماسى، وتصدير السلاح الفتاك، ومنع إيقاف الحرب باستخدام حق النقض “الفيتو” فى مجلس الأمن الدولى، وعدم تحقيق الحلم الفلسطينى بدولة كاملة العضوية فى الأمم المتحدة،!
رسالة نتنياهو وصلت بدقة إلى البيت الأبيض، والعواصم الأوروبية، وأدرك الجميع المغزى العميق، سارعوا إلى رفض وجود المحكمة الجنائية الدولية في مثل هذه ”المسائل”!
ولا ندرى أين ومتى توجد المحكمة الجنائية الدولية، أو محكمة العدل الدولية، والأخيرة تم تهديدها من قبل الكونجرس الأمريكى إذا ما أقدمت على ملاحقة إسرائيل.
ذريعة الغرب الباهتة هى أن ملاحقة إسرائيل ستعوق الهدنة، بينما العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين مستمر منذ سبعة أشهر، ارتكبت خلاله إسرائيل المجازر، والإبادة، وحرب التجويع، وكلها أفعال تجرمها اتفاقيات جنيف الأربع، وتختص بها المحكمة الجنائية الدولية، وأى قانونى نصف متعلم فى إسرائيل أو أمريكا يعرف بدقة أن كل شروط جنيف تنطبق على نتنياهو وأركان حكومته، وبعضهم وصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية أو الحشرات، وبعضهم طالب بقصف غزة بقنبلة نووية.
الشاهد أن نتنياهو يخشى المحاكمة بالفعل، ويسارع بالاتصال بكل من يملك سلطة فى الغرب، ويطالبهم بالحماية له ولهم، وقد دعا ديفيد كاميرون وزير خارجية بريطانيا، وأنالينا بيربوك وزيرة خارجية ألمانيا، لمنع إصدار مذكرات اعتقال، ولسان حاله يقول لهم نحن شركاء فى الإبادة، وإذا ما أقدمت المحكمة الجنائية على فعلتها، فسوف نكون معا فى القفص.