كنت أعلم أن السعادة التى عشتها عمرا تأبى أن تكتمل و تهدينى ثمرة المشوار الطويل فى الدنيا برا بى فى شيخوختى فقد وهن العظم منى و خارت قواى وتلاشت تلك الطاقة الحنون التى وهبتها ابنتى الوحيدة نطفة فى حنايا قلبى و رضيعة ترتشف رحيق الحياة من روحى تستدفئ بأنفاسى المتلاحقة تحوطها، تحميها، تخشى عليها حتى كبرت عروسا يتهافت عليها الشباب كل على أمل فيها و ما ارتاحت لأحد غير ذلك الشاب الذى سلبها براءة الحياة و عبير شبابها، شغفها حبا حتى دانت له و لفظت ما دونه خلفها حتى أنا أمها لم يكن لى مكان فى حياتها الجديدة مع من أحبت و تزوجت،إنشغلت و أولادها عنى لم تكن تزورنى إلا فى مناسبات متباعدة أنا التى عشت لها و ترملت عليها فى سن مبكرة لم أفكر أن أقحم عليها رجلا آخر غير أبيها فكنت لها الأب و الأم و لا أدر اليوم ماذا فعلت لها كى تلفظنى من حياتها هكذا حتى أنى حرمت متعة رؤية أحفادى أو أسعد بهم بالقرب من قلبى تماما كيفما كانت أمهم صغيرة و فتاة تقبل على الدنيا كفراشة جميلة حلقت فى السماء بعيدا، إنتظرتها طويلا و لكنها لم تعد.
موضوعات مقترحة
كنت أعرف أن تاريخا مضى من زمن طويل ليس لابنتى فيه ذنب غير أنى أمها قد يكون سببا فى نفور زوجها منى و لكن ما بيدى أنا التى كنت تائهة أتخبط فى الدنيا قبل أن ألتقى زوجى و حبيبى و والد ابنتى الوحيدة والذى أحاطنى بحبه و ستره و أنقذنى من دنيا كنت فيها لاهية أعمل راقصة فى الأفراح ألتقط منها لقمة عيشى فلا أب مسئول و لا أم ترعى، كنت وحيدة و لم يتيسر لى طريقا غير هذا و لكنى لا أحب نفسى فيه و أدعو ربى أن يفتح لى أبواب رحمته و أخرج من دنياى هذه حتى لقيت من ملك على قلبى و روحى و تزوجته و من يومى الأول معه كنت إنسانة أخرى غير التى كنت عليها و مضت سعادتى سريعا كما أتت ومضة من نور سرعان ما انطفت بموت حبيبى فجأة تاركا لى قطعة منه هى الدنيا كلها فى حياتى، إبنتى و نبض روحى و سعادة عمرى و كان لى معاش منه إستطعت به التعايش فى الدنيا و رعاية ابنتنا حتى كبرت و تزوجت و لم أكن أدر أن زوجها يعلم شيئا عن حياتى الماضية و اشترط على ابنتى مقاطعتى و كأنها لم تكن لى يوما ابنة و لم أكن لها أما.
تحملت منذ زواجها كثيرا، عذابات الهجر و النكران و لوعة افتقادى لأحفادى و لكن العمر تقدم بى و لم أعد قادرة على التعايش فى الحياة بشكل طبيعى فقد لزمت الفراش و كأنى أنتظر تلك اللحظة التى أفارق فيها الدنيا فهل أفارق دون أن تكتحل عيناى بابنتى و أحفادى و كيف أجبر قلبى أن لا يغضب منها فأنا أشفق عليها من غضب الله عز و جل.
أكتب لك لعلها تقرأ سطور أنينى و حشرجة أنفاسى و لعلك تنصح لها و زوجها أن يترفقا بامرأة أكل منها الدهر و شرب عمرا و عافية و حياة قضيتها تعيسة بعيدة عن ابنتى.
ك . م . ح
ما أقسى ذلك القلب الذى يخلو من أدنى المشاعر الإنسانية و يتحجر قبالة أم وهبت حياتها لابنتها فما جنت غير عقوق شيطانى قاس.
ترفقى بحالك يا سيدتي و لا تقنطى من رحمة الله سبحانه و تعالى فهو الرحمن الرحيم و بفضل دعاء الأم داخلك سوف تشرق الرحمة فى قلب ابنتك حتما و تعود لصوابها و تبرك فهذا حقك عليها و عليها أن تعى مدى الإثم فى عقوق الوالدين فهو من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23].
وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - ثلاثًا - ؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
لذلك واجب على الأبناء بر آبائهم ما يرقى إلى مرتبة الفرض و الفعل المقدس أيا كان ماضى الأب أو الأم و إن لم يفعلا خيرا فى حياتهما فإن الله تعالى أمر بالإحسان والمصاحبة بالمعروف للوالدين ولو كانا مشركين.
قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان: 15].
كان يجب على ابنتك أن تتقي الله وتبرك وتحسن إليك بكل أنواع الإحسان والبر والمعروف، وأن تستغفر الله وتتوب إليه من هذا العقوق و إلا كيف تقف أمام المولى عز و جل تصلى ألا تخشى من أن يكون العقوق سببًا في أن لا يقبل الله صلاتها .
يا ابنتى أفيقى من سكرة الطاعة العمياء لزوجك على حساب أمك و اتبعى منهاج رب العزة فى رعاية أمك بكبرها فقد هرمت و باتت على أعتاب نهايتها فتنسمى بعض نسمات الرفق و البر بها قبل أن تتنسم هى آخر أنفاسها و ترحل و قد قال سبحانه: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:24].
أما زوجك فكان يجب أن يحملك على بر أمك وأن لا يسمح لك بعقوقها فهو بذلك مضيع لأمر الله له بحفظك من النار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ [التحريم:6].