لم يصل الأمن الصهيوني لهذه الدرجة من التدهور من قبل؛ هذا ما أتفق عليه المحللون الصهاينة وفي الغرب؛ "كان يتظاهر كذبًا أنه سيد الأمن وأصبح سيد الهراء بعد أن تحطم لفشله الفادح في حماية الأمن القومي من هجمات 7 أكتوبر"؛ هذا ما قاله إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عن نتنياهو، وقال يائير لابيد زعيم المعارضة الصهيوني: "كل ما تبقى من سيد الأمن دولة من الخراب"، وأكد الكاتب الصهيوني د جيف هالبر أن إسرائيل ستنهار وهي غير قادرة على الانتصار..
أعلن نتنياهو أو سيد الأمن -كما يحب أن يصف نفسه- منذ مجيئه للحكم في عام 1996 أن هدفه وشعاره القضاء على مشروع إيران النووي؛ ويؤكد المراقبون أن إيران تستطيع إنتاج قنابل نووية خلال أيام أو أسابيع، ويعلم جميع الصهاينة والعالم أجمع حقيقة وصدق ما قاله مدير المخابرات الأمريكية وليام بيرنز: "صد إسرائيل للهجوم الإيراني كان سيفشل لولا المعلومات الاستخبارية الأمريكية ولولا الدعم الأمريكي..
ويثقون بغياب الردع الصهيوني وتصدعه استخبارتيا وأمنيًا وسياسيًا بعد السابع من أكتوبر، وتغير إسرائيل من قوة لا تقهر إلى كيان "يحتاج" لمن يساعده عند التعرض لأي هجوم خارجي؛ كما حدث من إيران ولهجوم داخلي أيضًا ما حدث في 7 أكتوبر وما بعده من احتياج لإمدادات متواصلة من أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا، والاحتياج المتزايد "للحماية" السياسية وللدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وغيرهما، وتزايد الهجرة العكسية وتناقص المهاجرين للكيان؛ فأكد موقع أورينت الفرنسي أن طلبات الإسرائيليين للحصول على جوازات سفر غربية تضاعفت بأكثر من خمس مرات بعد طوفان الأقصى، و5 ملايين صهيوني لديهم جوازات سفر أخرى..
كما رفض سكان المستوطنات التي تم تهجير سكانها العودة خوفًا من صواريخ حزب الله، وموت عدد من الأسرى لدى المقاومة، وعجز الاحتلال عن استردادهم "أحياء" يثير الخوف لدى غالبية الصهاينة من تكرار ذلك إذا تعرضوا له.
وتراجع أمنهم النفسي، "وغياب" روح المقاومة لدى المستوطنين والإسرائيليين عامة؛ فغالبيتهم لديهم جنسية أخرى يمكنهم الهرب إليها بينما "تتجذر" روح المقاومة لدى الفلسطينيين في كل أنحاء فلسطين؛ وإلا بماذا نفسر العمليات في الضفة والقدس، ويعلم من ينفذونها "توابع" ذلك من استشهاد المنفذ وتشريد أسرته بعد هدم بيته.
ولأول مرة يسمع العالم من نتنياهو وقادة الصهاينة وإعلامهم عن التهديد الوجودي لإسرائيل
وتراجع الأمن العسكري ورفض جنود العودة للحرب، ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تصريحات لجنود إسرائيليين أنهم يعانون من اكتئاب حاد وتبول لا إرادي، ومشاكل نفسية كثيرة؛ بعد دفعهم للحرب في غزة بدون تقديم المساعدات التي يحتاجونها، ولا العلاج النفسي اللازم!!، وتزايد صدماتهم النفسية والإعاقات الجسدية وارتفاع حالات الانتحار، ورفض الخدمة على الحدود خوفًا من هجمات حزب الله..
وكذلك من التهديد لأمن إسرائيل الإستراتيجي غير المتوقع "دخول" الحوثيين في الصراع العربي الإسرائيلي، وتوجيه صواريخ باليستية ومسيرات انتحارية "أربكت" الدفاع الصهيوني، وشككت في تفوق ونجاح الأسلحة الغربية والصهيونية وستؤثر، على المدى البعيد، على مبيعات هذه الأسلحة، وتضيف تهديدات جديدة للأمن الصهيوني لم يستعد لها من قبل.
لعل ما "يلخص" المأزق الأمني "التاريخي" لإسرائيل ما نشرته صحيفة إسرائيل اليوم: تواجه إسرائيل تحديات معقدة أمنية وسياسية وسبب تعقيدها لكثرة التهديدات والتحديات وتوزيعها الجغرافي والارتباطات المتبادلة بينها وارتفاع "تكلفة" الأخطاء بها، وأخيرًا صعوبة بالغة في ترتيب أولوياتها والتعامل معها".
أبسط تعريف للأمن هو الشعور بالطمأنينة، وعدم وجود مصادر للتهديد، والأمن عكس الخوف، ويتعارض تماما مع أي شعور "بالذعر"، ويحتضن السلام والسلامة؛ وكل ذلك "اختفى" بعد 7 أكتوبر، وعانى الصهاينة، وما زالوا يعانون، من افتقادهم الأمن لأول مرة منذ نشأة الكيان الغاصب واعتيادهم سماع صفارات الإنذار، واللجوء خوفًا إلى الملاجئ، ومغادرة مئات الآلاف من منازلهم بالمستوطنات في شمال فلسطين المحتلة؛ "هربًا" من صواريخ حزب الله، وكثرة تشييع جثامين قتلاهم، وتعاطي أغلبية الصهاينة أدوية الاكتئاب والحبوب المنومة، وتضاعف أعداد المرضى النفسيين؛ كما نشرت وزارة الصحة الإسرائيلية..
وتراجع الأمن الاقتصادي، وانهيار السياحة، وإغلاق مصانع أبوابها، وتزايد البطالة ونقص العمالة؛ لهجرة المهرة منهم للخارج، وقامت شركة طيران العال الصهيونية لأول مرة بإلغاء رحلات جوية لمعظم البلاد الأوربية.
كما تلاشى الأمن "المجتمعي" الصهيوني مع تراجع الأمل في عودة الأسرى منذ 7 أكتوبر وتزايد القتلى منهم، وتضاعفت الاحتجاجات والمظاهرات ضد الحكومة الصهيونية، وحاصروا بيت نتنياهو وهاجمه أهالي الأسرى "بقسوة" لم يعتدها الصهاينة.
وسمعنا أسيرة محررة تهتف: "نتنياهو أيها المتوحش دماؤهم في رقبتك".
ولا يوجد أمن للمستوطنين في الضفة الغربية ولا في القدس المحتلة؛ حيث تتزايد العمليات الاستشهادية رغم الحصار الأمني الصهيوني الخانق؛ ولكن إرادة الفلسطينيين أقوى وتتمكن من اختراق التدابير الصهيونية المحكمة، واختفى الأمن السياسي؛ فأعلنت قناة 12 الصهيونية أن نتنياهو طلب مساعدة بريطانيا وألمانيا لمنع صدور مذكرات اعتقال من محكمة الجنايات الدولية بحق مسئولين إسرائيليين.
تفتخر سيدة غزاوية من مواليد 1982 أنها "أكبر" من الاحتلال، وأنها عاشت النكبة مع أسرتها سنوات طوال وشهدت القتل والتدمير وتشريد الفلسطينيين وسرقة بيوتهم وأملاكهم، وتؤكد بعزة وبيقين "وبقوة" رائعة أنهم صامدون ولن يتركوا وطنهم أبدًا وأن الاحتلال إلى زوال.