يتعرض بعضنا أو ربما أغلبنا لمثل هذا الموقف السيء، ويتألم كثيرًا من تكرار هذا الشعور الذي لم يكن يألفه، ولم يرد يومًا الوصول إليه، لكنها الحياة بتجاربها واختباراتها التي لا تكف عن وضعنا في مواجهة مع هؤلاء؛ يحدث كثيرًا أن نحسن الظن ببعض الأشخاص ونتسابق سعيًا لإسعادهم، على الرغم من أنهم يضمرون لنا شرًا وحقدًا دفينًا ضاربًا بجذوره في أعماق نفوسهم، نقابلهم في هذه الحياة؛ من خلال علاقات عديدة مثل: زمالة العمل أو الجيرة، وحتى على المستوى الأسري والعائلي.
عندما تبغض أحدًا أساء إليك مرارًا سواء كانت إساءته لك بشكل مباشر أو غير ذلك، حتى جعلته يصوب سلاح طغيانه صوب صدرك ليقضي على رصيده المتبقي لديك، يبدده ويتهيأ للدخول معك في جولات من جدال لا ينتهي؛ لإظهار أن الحق كان دائمًا معه، يستطيع بمكره في كل مرة أن يجذبك نحو أرض معركته، لتجد نفسك في بوتقته تعاني من لهيب تمكنه وفارق خبرته، أراك قد سئمت كل ما كان يربطك به، فقمت وأنت في قمة انفعالك بتمزيق كل ذكرى جمعت بينك وبينه؛ بداية من عدم رغبتك في سماع صوته أو ذكر اسمه، ثم عزوفك تمامًا عن الحديث عنه، وصولًا لإعراضك عن محاولة استرجاعك لبعض ملامحه وتقاسيم وجهه.
تتسع دائرة غضبك حتى تطال أشخاصًا كانوا يعرفونه، كانوا قريبين منه فهم يذكرونك دومًا به، حتى تصل لأسماء وعناوين لشوارع وميادين كنت تمر بها لكي تلتقيه حين كنت تتوق شوقًا لرؤيته.
يستوطنك ندم هائل على كل معروف قدمته له -بحسن ظنك- أو لمفاجأة سارة خططت لها وأعددتها خصيصًا من أجله، تكره عطرًا محببًا إليك بعد أن نثرت زخات منه فوق ملابسك وأنت تتهيأ للقائه، تكره طقسًا صادف موعدك فصنع من بقاياه ذكرى جديدة تربطك به.
العذر معك فأنت لست ملاكًا وهو ليس إنسانًا، فصفة الإنسانية سقطت وتلاشت من نفوس هؤلاء الذين برعوا في إيذاء القلوب وكسرها دون رحمة، لن ألومك الآن حين قررت الابتعاد عنه والإطاحة به، لن أتعجب من قسوة قلبك عليه بعد أن كان مدللًا مستقرًا كأمير بداخله، فهو من استباح ظلمك، وتحدث بالسوء عنك بعد أن وثقت فيه وبالغت في تقديره، أسقيته من عذب مائك محبة، وظننت أنك قدمت المعروف لأهله.
نوايانا الطيبة كادت أن تهلكنا، وصفاء قلوبنا لم يعد يشفع لنا، السيئون لا يتغيرون من أجل أحد، والطيبون تشتتوا في زمن تغيرت فيه الثوابت وكثرت فيه الفتن، زمن انتشر فيه الباطل بحد سيفه، فذهب معربًدا محطمًا كل الأخلاق والقيم، لم يعد هناك بديل عن هجرانهم؛ إنهم من وضعوا بأيديهم خطوط نهايتهم، فلهم ما أرادوا وعلينا نسيانهم.