رمال أجهدها الرحيل.. نعم هي رمال سيناء التي أجهدها الرحيل، سافرت غرودها ورحلت ما بين أزمنة ورسالات إلهية وتنزيل، وبين حروب عبرتها وعواصف تجاوزتها لم تخلُ من أعاصير.
هي رمال مكرمة من الخالق بعد أن خصها الله ببركاته، وجعلها موطئًا لأنبيائه ومسارًا لرسله، هذا بالأمس، أما اليوم، فقد تخضبت هذه الرمال بدماء شهدائنا وأرواحهم الغالية، لكي يجتمع لها الحسنيان، حسن الدنيا، والأمل، والرجاء بالآخرة..
تحركت رمالها وسافرت كثيرًا وارتحلت، وآن لها أن يستقر لها المقام مع رياح التنمية، التي نأمل لها أن تستدام.. عن رمالها البيضاء نتحدث، ولعل هذه الرمال الغنية والوافرة في أرضها تحقق التنمية الحقيقية الشاملة والمستدامة، ومعها المزيد من الاستقرار.
ولأن"استحقاق التنمية" هو التحدي الأعظم أمام الإنسان المصري، فقد اعتبر "المنتدى المصري للتنمية المستدامة" أن سيناء بمواردها المتجددة، هي جوهرة التنمية لمستقبل العمل البيئي والتنموي على مستوى الجمهورية، فمناخها الخصب يجعلها حاضنة فائقة الأهمية لمشروعات الغد.
ويهتم المنتدى المرتقب، الذي يتوقع أن يعقد دورته الجديدة في مدينة العريش بشمال سيناء الشهر المقبل، بقضايا تباشر تنفيذ المشروعات، كما يوضح الخبير البيئي المهندس عبدالله الحجاوي، منسق عام المنتدى بشمال سيناء، حيث يرى أنه لا توجد منطقة أو محافظة بالجمهورية، حظيت بمئات بل الآلاف من الأبحاث والدراسات والخطط، كما حظيت سيناء، لكنها على الورق، دون أن تترجم على الأرض.
ونظرًا لكثافة التحديات، يستطرد الحجاوي، فإنه من المهم، البدء فورًا في تنفيذ وترجمة الأبحاث والاقتراحات والميزانيات إلى واقع، دون تجاهل المشاركة الشعبية، كما كان يحدث في السابق، والتركيز على تفاعل المواطن في مشروعات التنمية، فالتنمية البشرية لابد وأن تحصل علي نصيبها المستحق من الاهتمام، في ضوء الإستراتيجيات الوطنية التنموية لـ"رؤية مصر 2030".
لاشك أن المجتمع المدني لديه الكثير والكثير لسيناء، لكي يقوم بدوره لتنمية مستدامة وغير نمطية على أرضها، ليشكل سندًا وظهيرًا فاعلًا وواعيًا لجهود الدولة، في مرحلة بالغة التعقيد تواجه مصر دومًا في سيناء.
من بين أهم المشروعات المقترحة المطروحة للبحث والتنفيذ، مشروع استثمار الرمال البيضاء، أو "رمال السيليكا"، التي هي كل سيناء، فهي ليست مصدرًا لزيادة الصادرات فقط، بل هي ثروة هائلة ستحدث تحولا للاقتصاد الوطني، بل ستحدث طفرة في نسبة النمو الاقتصادي، لتنعكس إيجابًا على نسبة الناتج الإجمالي المحلي، وهذه الرمال تغنينا عن الكرة الأرضية برمتها، عن دولها وتكتلاتها، تؤهلنا لكي نستقل ماليًا واقتصاديًا عن مؤسساتها المالية والاقتصادية والتنموية.
سيناء زاخرة بل مكتظة بهذا الرمل الأبيض الذي يطلق عليه "الذهب الأبيض"، فقد خصتها الطبيعة بافتراش أرضها بهذه الرمال الغالية، فهي تحمل درجة نقاء قياسية تبلغ 98.5%، لتحل الأولى على مستوى العالم، مقارنة بمنطقة وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة، بدرجة نقاء 69.5%، وتحل بالمرتبة الثانية في درجة النقاء.
لا نتحدث عن بترول أو فحم أو غاز، وهي موارد تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لاستخراجها واستثمارها، وقد نعثر عليها أو لا، لكننا نتحدث عن رمال متوافرة لا تحتاج إلى عمليات بحث وتنقيب وعمليات أخرى لاحقة لاستخراجها، فهي تقدم لنا نفسها.. فهل نفعل.
يوجد أيضًا الرمل الزجاجى، وهو نوع من السيليكا، يتميز بمواصفاتٍ فيزيائية وكيميائية تتناسب مع صناعة الزجاج، فضلًا عن أن استخداماتها في الصناعة، مثل الأواني الزجاجية، وزجاج الكريستال، والألواح الزجاجية، والألياف الزجاجية، وزجاج البصريات، وعمليات الصقل وفي صناعة الخزف والطوب، وفلاتر تنقية المياه، واستخدامات أخرى مثل صناعة المطاط، البلاستيك، الورق، الدهانات وفي نوع خاص من الأسمنت، وصناعة بعض أنواع الخرسانات الإسمنتية.
يطلق العلماء عليها مصطلحات منها "رمل السيليكا Silica Sand "، وأيضًا "رمال الكوارتز - Quartz Sand"، و"الرمال الزجاجية - Glass Sand"، وهى ذات قيمة عالية، تدخل في صناعات السيليكون والزجاج والصناعات الإلكترونية الدقيقة.
ما يحدث حاليًا، هو أننا نقوم بتصدير الرمل الأبيض خامًا، بالطن مقابل نحو 20 دولارًا للطن الواحد، أما في حالة تصنيعه في سيناء فإن العائد يقترب من عشرات المليارات من الدولارات سنويًا، كما يوفر أكثر من مليون فرصة عمل لأبناء سيناء وباقي المحافظات.
والجانب الآخر، والمكون الثاني لاستثمار الرمال البيضاء هو ميناء العريش البحري، القريب من هذه الرمال، ليحمل منتجات هذه الرمال مصنعة إلى العالم.
ونتساءل: هل استغلال الرمال السوداء والبيضاء في صناعة الزجاج والكريستال والخلايا الشمسية والإلكترونية أمر مستحيل، لماذا لا نقيم في سيناء مصنعًا للمكونات الإلكترونية، وآخر للزجاج، وغيره من الاستخدامات التي تعتمد على الرمال البيضاء.
هل سمعتم عن تنمية الرمال.. فهي صديقة للإنسان والبيئة معًا، وتتوافر بسهولة على الأرض، وليست في حاجة للتنقيب أو الحفر والاستخراج، فالرمال تفترش أرض سيناء شمالًا وجنوبًا، بل لدينا أيضًا بحر الرمال الأعظم في الصحراء الغربية، ويقدر حجم الاحتياطيات من الرمال البيضاء بنحو 20 مليار طن في أنحاء الجمهورية، وهذه الرمال هي واحدة من أقدم الموارد على سطح الأرض.
لعل خبراء المنتدى وعلماءه ومسئوليه، يضعون هذه الرمال الغالية في مكانها الصحيح، لكي تستقر التنمية وتزدهر مع رمالها وناسها.
[email protected]