لفترة طويلة سادت مقولة أن الهواتف المحمولة قد وجهت ضربة قاضية للهاتف الأرضي، وأن الاستثمار فى شبكات التليفونات الثابتة بات عبئا لا داعى له.
موضوعات مقترحة
وبالفعل شهدنا تراجعا ملحوظا فى استخدام الهاتف الأرضي، وبات مستقبل الشركة الوحيدة المقدمة لهذه الخدمة فى مصر (الشركة المصرية للاتصالات) معرضا للخطر، لولا اضطرار الكثير من العملاء الاشتراك فى خدمات الهاتف الثابت للحصول على خدمات الإنترنت. وجاء حصول الشركة على رخصة تقديم خدمات الهاتف المحمول من الجيل الرابع وقتها بمثابة إنقاذ لها، لتصبح شركة اتصالات متكاملة، تقدم خدماتها طبقا للمفاهيم العالمية الجديدة المعروفة عالميا باسم الاتصالات "الموحدة" أو "المدمجة" Fixed Mobile Convergence أو Unified Communications ويهدف هذا المفهوم إلى دمج جميع خدمات الاتصالات، سواء كانت ثابتة أو محمولة، أو خدمات إنترنت، وتقديمها للعملاء عبر جميع الأجهزة المتصلة بالشبكات، بما فى ذلك الهواتف الثابتة، الهواتف المحمولة، أجهزة الكمبيوتر، شبكات الإنترنت المنزلية، والإنترنت المحمول، من خلال شبكة واحدة وبفاتورة واحدة.
تواجه جميع شركات الاتصالات الثابتة والمحمولة، ومقدمو خدمات الإنترنت عبر العالم تحديا هائلا، يتمثل فى كيفية الحفاظ على العملاء فى ظل تنوع احتياجاتهم وتطلعاتهم. ففى عصرنا الرقمي ينتقل العملاء بسلاسة بين هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، والتابلت، ويتطلعون بالتالى إلى تجربة اتصالات متكاملة وسلسة بغض النظر عن المكان الذى يوجدون فيه، أو نوع الجهاز الذى يستخدمونه.
هجرة العملاء
مع ازدياد عدد شركات المحمول، لم يعد العملاء مقيدين بشركة محددة، بل أصبح بمقدورهم الانتقال بسهولة من شبكة إلى أخرى تقدم لهم خدمات أفضل. ونتيجة لذلك، بات مشغلو الشبكات يواجهون تحديا مزدوجا، يتمثل فى أولا: الحفاظ على العملاء الحاليين، وثانيا: اجتذاب عملاء جدد.
وهنا تظهر أهمية تقنيات الاتصالات الموحدة، التى تعهدت بتقديم حلول ثورية لهذه التحديات، وذلك من خلال دمج خدمات الاتصالات الثابتة والمحمولة والإنترنت فى منصة واحدة، حيث تتيح هذه التقنية للعملاء استخدام نفس رقم الهاتف على جميع الأجهزة التى يمتلكونها سواء كانت هاتفا محمولا أم جهاز كمبيوتر أم هاتفا أرضيا، مع إمكانيات أخرى من بينها الوصول إلى نفس صندوق البريد الصوتي، بغض النظر عن الجهاز المستخدم، وامكانية إجراء مكالمات هاتفية محلية أو دولية باستخدام شبكة الإنترنت، وكذلك المشاركة فى مؤتمرات الفيديو، وخدمات الدردشة، والرسائل الفورية. ومع دمج وتكامل هذه الخدمات يشعر العملاء بوفورات فى فواتير الاتصالات، مع فاتورة موحدة لكل الخدمات، وانسيابية وسهولة فى الاستخدام.
أما بالنسبة للشركات المقدمة لهذه الخدمات، تقدم هذه التقنية فوائد جمة، حيث تسهم فى زيادة الإيرادات من خلال جذب عملاء جدد والحفاظ على العملاء الحاليين، وتساعد فى خفض التكاليف من خلال تبسيط عملية إدارة الشبكة، وتقليل الحاجة إلى أنظمة منفصلة، والأهم من ذلك أنها تقدم للعملاء تجربة استخدام غير مسبوقة، فتنال بذلك رضاهم، وولاءهم.
معادلة النجاح
ومع المتغيرات المتسارعة فى عالم الاتصالات، تدرك شركات الاتصالات أن من واجبها تلبية متطلبات العملاء فى الحصول على تجربة متكاملة ذات جودة عالية، بسعر عادل. ولكن للشركات مخاوف من القيام بضخ المزيد من الاستثمارات فى تحسين خدماتها دون أن ضمان الحصول على عوائد مرضية تحقق تطلعاتها الربحية.
كما تدرك الشركات أن عليها التحرك بإيقاع أسرع من إيقاع السوق الذى بات يتميز بتغيرات فى سلوكيات المستخدمين، وأنماط الاستهلاك، والتشبع النسبي،الذى يقلل من فرص النمو التقليدي.
تجربة موحدة
أدى ظهور نظرية "الاتصالات الوحدة أو المدمجة إلى ظهور مفهوم جديد أصبح يعرف باسم: "استراتيجية القنوات الموحدة (OMNI Channels). حيث تشير كلمة "OMNI" إلى "كل" أو "جميع" باللغة اللاتينية، وتعمل هذه الاستراتيجية على دمج جميع قنوات الاتصال "الأوف لاين" و"الأون لاين" والقنوات الرقمية معا لتقديم تجربة موحدة للعملاء.
الخدمات المدمجة تغير قواعد اللعبة فى عالم الاتصالات
خدمات ثلاثية ورباعية
وعلى الفور سعت شركات الاتصالات إلى تحقيق أهدافها الطموحة من خلال تبنى هذه الاستراتيجية التى تجاوزت فكرة المنافسة مع نظيراتها من شركات الاتصالات، لتشمل المنافسة مع مقدمى خدمات المحتوى. فظهرت على التوالى مصطلحات جديدة فى عالم الاتصالات من بينها مفهوم الترفيه الثلاثى (Triple Play) الذى يشير إلى توفير خدمات الهاتف الثابت والإنترنت والتلفزيون من خلال اشتراك واحد، وخدمات الترفيه الرباعى (Quad Play) الذى يشير إلى توفير خدمات الهاتف الثابت والإنترنت والتلفزيون وخدمات المحتوى (مثل الأفلام والبرامج التلفزيونية) من خلال اشتراك واحد. ومفهوم الخدمات العلوية (Over the Top - OTT) التى تشير إلى إمكانية الحصول على خدمات المحتوى عبر الإنترنت دون الحاجة إلى اشتراك فى شبكة اتصالات محددة. كما لجأت شركات الاتصالات إلى دمج حلول أخرى بالاستفادة من الإنترنت وخدمات الحوسبة السحابية، والتخزين السحابي.
التقارب والدمج
وهكذا نجحت نظرية "التقارب والدمج" فى قطاع الاتصالات فى تقديم حلول مبتكرة لتلبية تطلعات العملاء، فظهر أن من فوائدها الملموسة إمكانية استمتاع العملاء بجميع خدمات الاتصالات من خلال شركة واحدة، مما يوفر عليهم الوقت والجهد، ومن خلال فاتورة موحدة، حيث يتم دمج جميع رسوم الخدمات فى فاتورة واحدة، مما يسهل عملية الدفع، وإمكانية الاستفادة من العروض المجمعة، حيث أصبحت الشركات أكثر قدرة على تقديم عروض مجمعة، وباقات مميزة، ومتنوعة تستند إلى فهم أعمق لسلوكيات العملاء، وأنماط استخدامهم.
مستقبل الاتصالات
مع كل تلك التطورات أصبح دمج الخدمات الثابتة والمحمولة ركيزة أساسية لا يمكن لأى شركة اتصالات محمولة أو أرضية النجاح بدونها، خصوصا وأن دمج الخدمات لم يعد قاصرا على مفهوم الدمج التقنى، بل يمتد ليشمل التركيز على تقديم تجربة متميزة للعملاء، فمن خلال توفير تجربة سلسة وسهلة الاستخدام، يمكن لمشغلى الاتصالات تشجيع العملاء على الاشتراك فى المزيد من الخدمات، مما يؤدى إلى زيادة الإيرادات.
ومع زيادة الاشتراكات فى الخدمات الإضافية، يصبح العملاء أكثر تقبلا لفكرة الاشتراك فى خدمات جديدة، وهو ما ينعكس مرة أخرى فى زيادات جديدة فى إيرادات الشركات، ومع تحسين رضا العملاء، يزداد ولاءهم للشركات، وللمرة الثالثة ضخ المزيد من الأموال مقابل الحصول على المزيد من الخدمات.
مفهوم ثورى
مع مرور الوقت أصبح مفهوم دمج الخدمات مفهوما ثوريا تسعى شركات الاتصالات إلى تطبيقه لتلبية احتياجات عملاء العصر الرقمي. ولكن تطبيق هذا المفهوم لم يكن أمرا يسيرا، لأن شركات الاتصالات عملت على القيام بعدة إجراءات لتحويله إلى حقيقة على أرض الواقع. وكان من أهم تلك الخطوات الاستثمار فى البنية التحتية، والقيام ببناء شبكات هائلة من الألياف الضوئية، كخطوة أساسية لضمان توفير سرعات نقل بيانات عالية ومستقرة كشرط أساسى لنجاح الدمج والتقارب. وتشهد الحالة المصرية مثالا واضحا على هذا التوجه، حيث قامت الشركة المصرية للاتصالات بالحصول على رخصة محمول من الجيل الرابع، ثم من الجيل الخامس، بينما قامت شركات الهاتف المحمول بشراء تراخيص الهاتف الثابت. وكانت الخطوة التالية التى قامت بها شركات المحمول هى دمج عمليات التشغيل، من خلال ربط جميع وتوحيد أنظمة إدارة الشبكة، وأنمة الفوترة، وأنظمة خدمة العملاء، ومراكز الاتصال ببعضها البعض.
الخدمات المدمجة تغير قواعد اللعبة فى عالم الاتصالات
كما قامت الشركات بدمج عمليات التشغيل لتحقيق الوضوح والشفافية فى التعامل مع البيانات التشغيلية لوظائف الشبكات، وذلك من خلال تجميع البيانات من مختلف أنظمة الشركات فى منصة واحدة، للقيام بتحليلها، وفهمها بشكل أفضل، وذلك بالاستفادة من القدرات التحليلية للبيانات الضخمة Big Data لإدارة الأداء العام للشبكة بالشكل الأمثل، استنادا إلى معلومات واضحة عن نقاط القوة والضعف.
الخدمات المدمجة
لتوضيح الخدمات المدمجة وتقريب مفهومها للقارئ نشير إلى بعض الأمثلة التوضيحية للفوايد التى قتدمها لكل من المنازل والمؤسسات.
خدمات للمنازل
خدمة الإنترنت فائق السرعة: أتاح الاستثمار فى كابلات الألياف الضوئية توصيلها للمنازل، وبالتالى توفير خدمات إنترنت فائق السرعة بمعدلات تتراوح بين 50 ميجا و 1 جيجا بايت فى الثانية.
باقات الاتصالات المتكاملة: دمج الاتصالات الصوتية الثابتة مع المحمولة مع الإنترنت فائق السرعة، مع باقات الاتصال المجاني، وتليفزيون الإنترنت، والمحتوى التلفزيونى الفائق الدقة، إضافة إلى باقة قنوات تلفزيونية على الموبايل أو على الأجهزة المنزلية.
باقات الاتصالات العائلية: أصبح من الممكن اشتراك العائلة بأكملها فى باقة واحدة تشمل خدمات ربط المنازل الذكية، وحلول تأمين المنازل، إضافة إلى باقات للاتصال المجانى بين أفراد العائلة المشمولين فى الاشتراك، وإمكانية الترقية إلى باقات اتصال بالإنترنت بلا حدود، مع خدمات أخرى كالعلاج عن بعد، والتعليم عن بعد، وغيرها.
خدمات للمؤسسات
خدمات الاتصالات الموحدة أو المدمجة: أتاحت إمكانية تثبيت هوية كل موظف (رقم واحد فى أى مكان وفى أى زمان) بحيث يمكن الوصول إليه فى المكتب أو خارج المكتب، وتفادى مشكلة تعدد الأرقام (رقم المنزل – رقم المكتب – رقم الموبايل).
باقات خدمات التخزين السحابي: توفير مساحة تخزين سحابية آمنة لحفظ البيانات والوصول إليها بسهولة من أى مكان.
باقات الاتصالات المؤسسية: أصبح من الممكن اشتراك الشركة أو المؤسسة بأكملها فى باقة واحدة.
معالجة البيانات: توفير خدمات معالجة البيانات لتحليل البيانات.
دمج الفواتير: دمج نظام الفواتير لجميع الخدمات فى منصة واحدة لتسهيل عملية الدفع.
خدمات الدفع الإلكتروني: توفير خدمات الدفع الإلكترونى الآمنة لسهولة سداد الفواتير.
الحكومة الإلكترونية: توفير خدمات الحكومة الإلكترونية لتسهيل إنجاز المعاملات الحكومية إلكترونيا.
آفاق جديدة
يتيح قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فرصا هائلة للربح لكل من الشركات والأفراد، بينما يظل نموذج الأعمال "من الشركات إلى المستهلك (B2C) هو الأكثر شيوعا، ويمكن للخدمات المتكاملة المدمجة عند تقديمها جنبا إلى جنب مع الخدمات السحابية، أن تفتح آفاقا جديدة لمصادر الدخل على مستويات متعددة:
من شركة إلى شركة (B2B): تتيح الخدمات المتكاملة للشركات إمكانية التواصل والتفاعل بكفاءة أكبر مع شركائها ومورديها، مما يحسن من سلاسل التوريد وعمليات الإنتاج، ويقلل من التكاليف.
من شركات إلى أفراد (B2C): تقدم الخدمات المتكاملة تجارب مخصصة للعملاء.
مستقبل رقمى
تشكل الخدمات المتكاملة فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مفتاحا لفتح آفاق جديدة للربح، وتحقيق قيمة أكبر لشركات الاتصالات وللمستخدمين النهائيين من الأفراد والشركات على حد سواء. ومن خلال تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الفرص، يمكننا بناء مستقبل رقمى أفضل للجميع.