في مشهد مهيب إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة مصر وحضارتها العريقة وأصالة وعراقة شعبها، ومن خلال بث مباشر شاهده العالم أجمع، أدى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، القسم الدستورية معلنًا نفوذ إرادة الشعب العظيم الذي أبى إلا أن يكمل المسير خلف قائده الذي دومًا ما كان يطرح الأنا جانبًا متحدثًا بصيغة المجموع قائلًا "نحن سنفعل"، دونما يقول "أنا سأفعل"، فسيادته يدرك تمامًا أن العمل الجماعي الذي يستند إلى تخطيط إستراتيجي محكم هو الذي يؤدي إلى تحقيق الغاية المرجوة من ورائه.
نعم مشهد مهيب واستقبال يليق بشعب مصر وطلقات المدفعية تؤذن بقدوم سيادته إلى برلمان الشعب، الذي يشهد تحفة معمارية لم نرها من قبل، ولمَ لا وهو برلمان الشعب المصري الذي تعتمد فيه القرارات المصيرية التي تخص المواطن وتخص أمنه القومي داخليًا وخارجيًا.
وها هو فخامته يؤدي اليمين الدستورية مقسمًا أن يرعى مصالح البلاد والعباد، وأن يحافظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه مؤذنًا بفترة ولاية ثالثة مدتها ست سنوات، ست سنوات من الكفاح والجد والاجتهاد؛ للنهوض بهذا الوطن الحبيب مكملًا مسيرة البناء التي بدأها بعدما لبى نداء الوطن، وامتثل لإرادة الشعب في أن يقود دفة البلاد إلى بر الأمان، بعدما كادت أو أوشكت - لا قدر الله - أن تغرق في بحور من الأنانية المفرطة التي قادتها قوى الشر في الداخل مدعومة من الخارج الذي لا يرقب فينا إلا ولا ذمة، الخارج الذي وجه جل طاقاته للنيل من هذا الوطن، مستخدمًا أذرعًا داخلية استترت خلف ستار الدين، لكن الدين منهم براء (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)، (وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ)، لكن سرعان ما بانت النوايا الخبيثة.
بدأ الرئيس كلمته بمسحة إيمانية مذكرًا الجميع بفضل الله تعالى عليه، ومذكرًا أن الله تعالى هو مالك الملك والملكوت، وأنه المعطي والمانع، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، وأن الخير كله من عنده وما نحن إلا أسباب لتحقيق النهضة والتنمية، المهم إخلاص النية وإخلاص العمل.
ثم بعد ذلك وجه فخامة الرئيس التحية إلى الشعب البطل الكادح المكافح الذي أدرك خطورة المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، ويمر بها وطننا العربي، ليس هذا وحسب، ومن ثم هب وشمر سواعد الجد ولبى نداء الواجب وما إن نادى المنادي وأذن مؤذن حي على الفلاح، والفلاح هنا في إرادة الاختيار، وأصروا على أن يكمل القائد مشواره الذي مبتغاه النهوض والتعمير والتشييد والبناء على كافة الأصعدة والمستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، التعليمية، قطاع الصحة، كافة المقومات التنموية لبناء دولة حديثة معاصرة قادرة على مواكبة التقدم العلمي والتقني ومسايرة لروح العصر ومستجداته ومستحدثاته من ذكاء اصطناعي وثورة معلومات واتصالات ورقمنة وميتافيرس، فلا يجوز بحال من الأحوال ونحن من نحن، نحن مصر الماضي متمثلًا في حضارته العريقة والحاضر في نهضته وشموليته والمستقبل في مواكبته ومعاصرته لكل ما هو جديد في العالم من حولنا فلا ينبغي أن يسير العالم في اتجاه ونحن في اتجاه آخر، فأبى الشعب إلا أن يختار قائدًا يسير بسفينة الوطن إلى العالمية، بل ويطمح أن يتعداها.
فى اعتقادي أن هذا الخطاب خطاب يحمل ما يحمله من الذكاء القائم على الصراحة والمكاشفة، بمعنى خطاب بناء يوجه المستمع إلى ما تم إنجازه في الفترتين السابقتين، الفترة الأولى، فترة إعادة ترتيب البيت من الداخل مع تحريك الركود السياسي في الخارج الذي تسببت فيه قوى الشر مع التلويح بعصا القوة الغاشمة لمن تسول له نفسه العبث بأمن وسلامة الوطن؛ سواء من جماعات إرهابية اتخذت من الجبال لها أوكارًا ظنًا منهم أنهم بعيدون عن الأنظار، لكن هيهات فصقورنا تراقبهم وترصد تحركاتهم، وبالفعل بات القضاء على هذه البؤر والأوكار الإرهابية قاب قوسين أو أدنى.
ثم في الفترة الرئاسية الثانية، بدأت "عمليات الفرمطة"، وإعادة البناء، فلا مجال للترقيع، وإنما إحلال وتجديد في كل المجالات، في الطرق والكباري، في المواصلات، في الكهرباء ومحطات توليد الكهرباء الجديدة خير شاهد على ذلك، في استصلاح الأراضي والتعمير، وإنشاء مدن جديدة، وخير شاهد العاصمة الإدارية الجديدة التي أنشئت على أحدث طراز معماري في العالم، كذلك تفعيل دور الحياة السياسية، الانتخابات البرلمانية، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، في مجال التعليم تطوير وتحديث المناهج التعليمية، بناء الآلاف من المدارس الجديدة، وفي مجال التعليم العالي إنشاء أكثر من اثنتي وعشرين جامعة ما بين جامعات أهلية وجامعات خاصة، كذلك النهوض بالمعلمين وأعضاء هيئة التدريس ماديًا من خلال زيادة رواتبهم زيادة معقولة؛ لتتناسب مع الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، كذلك سعي الدولة الحثيث لضبط الأسواق، وتثبيت سعر الصرف في البنوك، وتوفير العملات الأجنبية من أجل زيادة الاحتياطي النقدي للبلاد، بما يضمن استيراد السلع الأساسية التي تستخدمها في شتى المجالات خصوصًا تصنيع الدواء وخلافه، من خلال حوكمة رشيدة يقوم بها خبراء اقتصاد مصريون مائة في المائة.
لذلك هب الشعب عن بكرة أبيه لاختيار رئيسه في عرس ديمقراطي وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، وقال الشعب كلمته واختاروا سيادته ليكمل مرحلة البناء والتعمير والتشييد، لتكتمل الثلاثية الرشيدة فتلك فترة ستكون فارقة في تاريخ الأمة المصرية والعربية والإسلامية، أقول عنها إنها مرحلة التمكين وبلوغ الغاية المرجوة من الجهد والاجتهاد طيلة سنوات، لم تذق فيها القيادة، بكل أجهزتها، طعم الراحة، وتحمل فيها الشعب الكثير وصبر واحتسب، ولم يعطِ أذنه لقنوات الخراب المأجورة التي تنفث سمومها من خارج البلاد، منفذة مخططات لا غرض من ورائها اللهم إلا النيل من الوطن وزعزعة أمنه واستقراره؛ عن طريق بث الفتن ومحاولة الوقيعة بين الشعب وقادته والتشكيك في كل منجز بالتهكم والسخرية أو إحباط للناس، وأنه لا طائل ولا عائد من وراء هذه الإصلاحات، لكن قالها الشعب لا يهمنا الجوع ولن نجوع، لا يهمنا العطش ولن نعطش أبدًا؛ لأننا نؤمن بقضيتنا، قضايانا البناء والتعمير والتنمية الشمولية والمستدامة، نظرتنا نظرة مستقبلية للأمام لواقع أفضل لنا ولأجيالنا القادمة.
تضمن الخطاب ركائز أساسية مفادها تحقيق ما نصبو إليه لوطننا، جميعها تدور في فلك وطن يدور في أفلاك سبعة، فجاءت ركائز سباعية، هدفها الأول والأخير الوطن والمواطن الذي هو مكون رئيس لهذا الوطن، تبدأ هذه الركائز بالتركيز على علاقاتنا الخارجية؛ سواء مع دول الجوار أو دول العالم بأسره في ظل ما يحدث إقليميًا ومتغيرات عالمية وأزمات مفاجئة هنا وهناك، ومن ثم بات التعامل معها ضرورة ملحة، لكن آليات التعامل هنا مختلفة، وهنا يأتي دور القيادة الرشيدة التي تتعقل الأمور وتضعها في نصابها الصحيح، فلا تنقاد وراء الحمية والعصبية الهوجاء وخير دليل التعامل مع الملف الفلسطيني، وملف السودان، وملف سد النهضة، فعلى الرغم من أننا قادرون لكن الحكمة والروية والتعقل، متى نتوقف ومتى نتحرك ومتى نفعل، أقول دعوا القائد يعمل مع فريقه ومجلسه الأمني.
أما ثاني هذه الركائز فهي تفعيل دور الحوار الوطني، والحوار المجتمعي والتركيز على دور الشباب واستفتائه ومشاورته حول القرارات المصيرية التي تهم البلد من أجل النهوض به، وتفعيل التوصيات والقرارات التي تتخذ في مؤتمرات الحوار الوطني وملتقيات الشباب، بعد خضوعها لدراسات مستفيضة من متخصصين مشهود لهم بالكفاءة.
أما ثالث هذه الركائز فتبني إستراتيجيات نهضوية تنموية للنهوض بالوطن في شتى المجالات من توفير فرص عمل لآلاف الشباب الذين هم بمثابة ثروة قومية لا يستهان بها في بناء هذا الوطن فالعقول تفكر والأيادي تشيد وتبني، ليس هذا فحسب، بل والنهوض بالبلاد اقتصاديًا وسياسيًا وتعليميًا وثقافيًا وعسكريًا، وفي كافة مناحي الحياة وما يتطلبه العصر، دونما إهدار أصالتنا التي تستمد من حضارتنا وعراقتنا.
أما الركيزة الرابعة، فهي التركيز على المشروعات التنموية الاقتصادية العملاقة التي توفر من خلالها العملات الأجنبية التي تساعد على ضبط الموقف المالي للبلاد من احتياط نقدي، والتركيز على الاستفادة اقتصاديًا وصورة أكبر من قناة السويس ومحورها الجاذب للاستثمار الذي يعود بالخير على المواطن.
نأتي إلى خامسة هذه الركائز وسادستها، تفعيل الاستفادة من الثروات البشرية المهولة من خلال تفعيل المبادرات التي تطلقها مؤسسة الرئاسة؛ مثل مبادرة 100 مليون صحة، والكشف المبكر عن سرطانات الثدي وفيروس سي الذي يصيب الكبد ويعكر صفو الإنسان، فضلاً عن استكمال منظومة التأمين الصحي الشامل، كذلك النهوض بالأسرة المصرية اجتماعيًا عن طريق تكافل اجتماعي منضبط يؤدي إلى تحقيق السعادة للمواطن، مثل مبادرة تكافل وكرامة، وحياة كريمة وغيرهما.
أما الركيزة السابعة، فهي الاستمرار في إستراتيجية التشييد والبناء والعمران؛ من خلال إنشاء مدن جديدة وتطوير العشوائيات، وسكن لكل المصريين، والاهتمام بمرافق العاصمة من شركات مياه، وشبكات صرف صحي، وإنشاء وحدات سكنية لمحدودي الدخل وغيرها؛ مما يثري حياة المواطن ويجعله يحيا حياة كريمة.
ثم بعد ذلك يثني الرئيس على الشعب ووقوفه بجانب قياداته من أجل بناء جمهورية جديدة معاصرة تتناسب مع طموحات الشعب المصري وتطلعاته المستقبلية.
وكما بدأ فخامته حديثه بمسحة دينية ينهي حديثه بقوله تعالى: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
وإذا كان فخامته قد أنهى حديثه بالقرآن الكريم مقرًا ومعترفًا بفضل الله تعالى عليه.
فإننا نقول لسيادته
سيادة الرئيس الذي ولاك سيتولاك.
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان