عمل عربي مشترك نحو مواقف موحدة خلال اجتماعات جمعية الأمم المتحدة للبيئة
موضوعات مقترحة
الدول العربية نجحت في إصدار قرار يتيح للدولة المتضررة من النزاعات طلب تقييم بيئي
ضغوط دولية تقف حائلاً أمام تقدير دقيق لتأثيرات الصراعات المسلحة على البيئة
المنطقة تواجه تحديات متزايدة تنعكس على مشكلة الأمن الغذائي
أمريكا والصين والدول الصناعية الكبرى تحتل صدارة قائمة توزيع انبعاثات الغازات الدفيئة
الآثار السلبية لتغير المناخ كشفت هشاشة اقتصادات بعض الدول أمام مواجهة أخطار الكوارث
تشهد دول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، موجات حر قياسية كل عام، وتؤكد الدراسات أن المنطقة معرضة بشدة لتغير المناخ، فى ظل تفاقم ظاهرة التصحر وفقدان التنوع البيولوجى، وزيادة تواتر الظواهر الجوية الحادة، فضلاً عن تآكل السواحل، وهو ما يهدد مكاسب التنمية، ويزيد من مخاطر انعدام الأمن الغذائى، وتأتى حقيقة الصراع على الموارد الشحيحة، مثل المعادن والأراضى كمصدر تقليدى للنزاع المسلح، حيث إن هناك ارتباطا وثيقا بين تغير المناخ وتدهور البيئة والصراع، فقد كانت الموارد الطبيعية مصدرا للخلاف، فى واحدة من كل أربع أزمات وصراعات عالمية فى الفترة 2018 - 2014، وكانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بنسبة 40 %، من جميع الصراعات داخل الدول فى الفترة 1946-2006، وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما يصل إلى 70 %، من الدول الأكثر عرضة للمخاطر المناخية، هى أيضًا من بين الدول الأكثر هشاشة.
تولى جامعة الدول العربية، أهمية كبيرة لضمان العمل المتعلق بالبيئة كجزء من إستراتيجياتها لمنع نشوب النزاعات، وحفظ وبناء السلم، لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم، إذا تم تدمير الموارد الطبيعية التى تدعم سبل العيش والنظم الإيكولوجية، وفى هذا السياق، أكد الدكتور محمود فتح الله، الوزير المفوض مدير إدارة شئون البيئة والأرصاد الجوية، بجامعة الدول العربية، خلال حواره مع "الأهرام العربى" تصاعد التحديات البيئية التى تواجهها المنطقة العربية والعالم بأسره، نتيجة ارتفاع أضرار التلوث البيئى وظاهرة التغير المناخى، التى أصبحت أبرز القضايا التى تثير قلق المجتمع الدولى، حيث إن هناك اعترافا عالميا بضرورة وضع الكوارث والحد من المخاطر فى صلب إستراتيجيات التنمية المستدامة، مشدداً على ضرورة التحرك العاجل لمواجهة التحديات بكل قوة وجدية، من خلال تعزيز التعاون الإقليمى وتبادل الخبرات والتقنيات، حيث يمكن للدول العربية أن تتبنى إستراتيجيات مشتركة للحد من الانبعاثات الضارة وتعزيز الاستدامة البيئية.. وإلى تفاصيل الحوار:
> فى البداية.. كسرت جامعة الدول العربية والدولة المصرية حاجز الصمت حول الانتهاكات البيئة الناجمة عن العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة الفلسطيني، أثناء انعقاد الدورة الـ 6 لجمعية الأمم المتحدة للبيئة فى نيروبى، حدثنا عن التفاصيل؟
الحقيقة أن جامعة الدول العربية، تقوم بدور كبير فى تنسيق المواقف العربية فى مختلف الاجتماعات الدولية الكبرى، التى من بينها اجتماعات الجمعية العامة للبيئة، ومن هذا المنطلق عقدنا أكثر من اجتماع تحضيرى قبل موعد الجمعية العامة للبيئة، لصياغة موقف عربى من مشاريع القرارات المعروضة على هذه الدورة، والبالغ عددها 21 قرارا تغطى مختلف الموضوعات البيئية مثل جودة الهواء، تغير المناخ، التصحر وتدهور الأراضى، البلاستيك، وغيرها.
ومن بين مشروعات القرارات التى عرضت على الجمعية العامة للبيئة، كان هناك مشروع مقدم من أوكرانيا، حول المساعدة البيئية والتعافى فى المناطق المتضررة من النزاع المسلح، وقد ارتأت الدول العربية أثناء التحضيرات، أن هذا القرار قد يخدم المصالح العربية، ويمكن أن تستفيد به أكثر من دولة عربية، تعانى آثار النزاعات المسلحة على البيئة، ومن أهمها دولة فلسطين، بحيث يمكنها طلب تقييم بيئى للأضرار البيئية المترتبة على العدوان الإسرائيلى على غزة.
وهنا لابد أن أوضح، أنه كان لدينا تكليف سابق من مجلس الوزراء العرب المعنيين بشئون البيئة، بموجب قراره الصادر فى الدورة العادية ((34 فى أكتوبر 2023 بمسقط، بشأن تقديم مشروع قرار فى الدورة 6 لجمعية الأمم المتحدة للبيئة حول الآثار البيئية المتعلقة بالعدوان الإسرائيلى على غزة، وأثناء التحضيرات دارت الكثير من النقاشات وارتأت الدول المشاركة، أنه قد يكون من الملائم دعم مشروع القرار الخاص بأوكرانيا باعتباره يحقق المصلحة.
عادة ما تقوم جامعة الدول العربية، أثناء فترة الاجتماعات بعقد اجتماع تنسيقى يومى بمشاركة ممثلى الدول العربية، لمتابعة سير المفاوضات والاتفاق على الموقف العربى، وفقاً لتطور المناقشات، وقد استغرقت مناقشة البند الخاص بمشروع القرار الأوكرانى، وقتا وجهدا تنسيقيا كبيرا، وعُقد بشأنه أكثر من اجتماع استثنائى بخلاف الاجتماعات التنسيقية اليومية المعتدة.
وقد أسفر التنسيق العربى عن إضافة فقرة خاصة بالإشارة إلى المبدأ 23، و24 لاتفاقية ريو الخاصين بحفظ السلم والأمن الدوليين، والإشارة إلى القرار 15/2 للجمعية العامة للبيئة بخصوص حماية البيئة، فى مناطق النزاع والحفاظ عليها فترة ما بعد الحرب والنزوح، كما تمت الإشارة إلى أهمية العمل على تحديد تعريف المقصود، بالمناطق المتضررة من النزاع المسلح، هل هى الدول التى تتعرض للصراع أم الدول المحيطة بالصراع، والتى تعانى من تبعات الصراع، إلى جانب استضافة اللاجئين.
وقد لعب المفاوضون من الدول العربية، دورا كبيراً فى نجاح صدور هذا القرار، بالشكل الذى يحقق المصالح العربية، وفشلت إسرائيل فى إضافة كلمة “الإرهاب” إلى القرار النهائى، وترجع قيمة الخروج بهذا القرار إلى أنه يسمح للدولة المتضررة من النزاعات المسلحة، طلب تقييم بيئى وتتيح طلب المساعدة البيئية والتعافى، وتستفيد من هذا القرار عدة دول عربية تعانى من الصراعات المسلحة من بينها فلسطين، السودان، اليمن، وغيرها.
أيضاً لابد من الإشارة إلى خصوصية هذه الدورة بالنسبة للدول العربية، حيث كان الوجود العربى قويا ومؤثرا، حيث إن رئاسة الدورة السادسة للجمعية العامة للبيئة كانت لوزيرة البيئة المغربية، ثم انتقلت الرئاسة إلى رئيس هيئة البيئة فى سلطنة عمان، أى إن الرئاسة عربية للدورتين السادسة والسابعة معاً، كما أن رئاسة لجنة المندوبين الدائمين لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، كانت للمملكة الأردنية الهاشمية، ورئاسة مجموعة دول آسيا والباسيفيك لدولة فلسطين، وكل هذا يؤكد الوجود العربى الكبير فى هذه الدورة.
من ناحية أخرى، فقد شهدت هذه الدورة مناقشة مشروع قرار، تقدمت به المملكة العربية السعودية، بشأن تعزيز الجهود الدولية فى مجال وقف تدهور الأراضى، وزيادة المرونة للمجتمعات المحلية، حيث تهتم المملكة العربية السعودية منذ فترة بموضوعات القضاء على التصحر والجفاف، وتستضيف هذا العام الدورة 16 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وقد تمت الموافقة على هذا القرار أيضاً.
> هناك وجهات نظر تؤكد أن أخطار التلوث الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية لها “انعكاسات كارثية” على أزمة المناخ العالمية.. كيف ترى ذلك من وجهة نظرك؟
بالتأكيد، فإن الانبعاثات الكربونية المترتبة على العمليات العسكرية والدمار الذى يحدث فى الموارد الطبيعية، فى مناطق الصراعات فى أى منطقة، تتسبب فى أضرار بيئية كبيرة، يتطلب التعافى منها سنوات طويلة وجهدا ضخما جداً، وبالفعل فقد وضعت الكارثة الإنسانية والبيئية فى غزة وأوكرانيا على جدول الأعمال فى مؤتمر الأطراف، بشأن تغير المناخ “COP 28” الذى عُقد فى دبى فى ديسمبر الماضى، لكنها للأسف لم تؤد إلى أى خطوات حقيقية نحو زيادة الشفافية والمساءلة للصناعات العسكرية، بفضل الضغوط التى تمارسها الولايات المتحدة، حيث أصبح الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية أمراً طوعياً وليس ملزماً، وانعكس ذلك فى نقص البيانات المقدمة من الدول فى هذا الشأن، إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ويصعب هذا الأمر من جهود حصر حجم التلوث وتقدير الخسائر والأضرار، ويجعل من تقديرات آثار الحروب والصراعات على البيئة غير دقيقة.
> كيف تقيم التحديات الناجمة عن التغير المناخى وآثاره الاقتصادية على المنطقة العربية؟
يعتبر تغير المناخ حالياً من أخطر المشكلات الكونية والبيئية، التى تواجه العالم بشكل عام والعالم العربى بشكل خاص، حيث إن الدول العربية من أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخى، خصوصا فيما يتعلق بالجفاف واختلاف مواسم المطر، وذلك يسبب ضرراً كبيراً على فئات عدة، أهمها المزارعون وينعكس على تفاقم مشكلة الأمن الغذائى فى المنطقة، وأيضاً تعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط التى تطل عليها معظم الدول العربية، تعد حالياً “منطقة ساخنة” بفعل التغيرات المناخية، وهو ما يتسبب فى نقص الثروة المتمثلة فى الأحياء المائية فى البحر المتوسط.
كما تواجه الدول العربية تحديات اجتماعية واقتصادية وبيئية، تفاقمها الآثار السلبية لتغيّر المناخ فى مختلف القطاعات كالمياه والزراعة، والبنية التحتية، والصحة، والسياحة، تسهم هذه الآثار فى زيادة هشاشة اقتصادات دول المنطقة وانكشافها أمام مواجهة أخطار الكوارث، ونذكر جميعاً ما حدث فى مدينة درنة الليبية، نتيجة إعصار دانيال فى العام الماضى، الذى يجسد أحد آثار التغيرات المناخية.
> من وجهة نظرك.. ما أسباب تغير المناخ وتأثيره على البيئة؟
تشير معظم الدراسات المتاحة، إلى أن الثورة الصناعية الأولى، التى شهدت اختراع الآلات وإحلالها محل العمل اليدوى، قد تسببت فى تراكم انبعاثات كربونية كبيرة فى الغلاف الجوى، تفوق القدرة الطبيعية للبيئة على تصريفها، مما أدى إلى ظاهرة الاحترار العالمى، أى أن تغير المناخ يرجع فى معظمه إلى سلوك بشرى، وليس بسبب دورة طبيعية تحدث كل فترة زمنية طويلة، كما كان ينظر إليه سابقاً، وتستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا الغربية والصين وروسيا على النصيب الأكبر من هذه الانبعاثات، نتيجة النمو الصناعى الكبير الذى تحقق منذ الثورة الصناعية وحتى الآن، ولابد أن نوضح أن تغير المناخ، هو نتيجة انبعاث مجموعة من الغازات التى تسمى غازات الاحتباس الحرارى، ويمثل الكربون واحدا منها، وليس هو السبب الرئيسى فيها كما يظن البعض، وإنما هناك غازات أخرى مثل الميثان تؤثر بشكل أكثر سوءا على ظاهرة الاحترار العالمى، وينبعث غاز الميثان من عمليات التمثيل الغذائى لبعض الحيوانات والمحاصيل، وهذا جزء من اهتمام قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية، بسياسات التخفيف للتعامل مع قضايا تغير المناخ.
> كيف تؤثر التغيرات البيئية على الاقتصادات المحلية والعالمية؟
يوجد ارتباط وثيق بين البيئة والتنمية الاقتصادية، فعندما تكون الممارسات البيئية غير مستدامة ويحدث التدهور البيئى، يكون هناك تأثير كبير على الاقتصاد الذى يعتمد على السلع والخدمات المستمدة من الموارد الطبيعية، وتوفر المنطقة العربية مثالاً جيداً لهذه العلاقة التبادلية، فتتميز هذه المنطقة بأنها منطقة إيكولوجية قاحلة أو شبه قاحلة، فريدة وموحدة تمتد على نطاق واسع من المحيط إلى الخليج، وقد اعتمدت الدول العربية على مواردها الطبيعية لتحقيق التنمية لقرون عديدة، ثم تغيرت نظرة العالم إلى التنمية واتجه إلى التنمية المستدامة، التى تأخذ فى الاعتبار حقوق الأجيال المقبلة فى الاستفادة بموارد المجتمع، وعدم استنزافها من جيل على حساب الأجيال التى تليه.
> في رأيك.. ما أبرز تأثيرات تغير المناخ على التجارة الدولية؟
يؤثر تغير المناخ على التجارة الدولية بشكل كبير، بصورة مباشرة وغير مباشرة، فإذا تحدثنا عن الآثار المباشرة للتغيرات المناخية على التجارة الدولية، فإنها تتمثل فى أن اختلاف مواسم الأمطار وانتشار حالات الجفاف وملوحة التربة، سوف تسهم فى تغيير نمط التجارة الدولية من خلال اختلاف المزايا النسبية التقليدية للسلع الزراعية،وبالتالى يتوقع أن تفقد الكثير من الدول الزراعية ميزتها النسبية فى التجارة، نتيجة انخفاض الإنتاجية الزراعية فيها، وتحول المستوردين إلى مصادر أخرى، وليست السلع الزراعية فقط هى المتأثرة بتغير المناخ، وإنما أيضا الصناعات التحويلية والاستخراجية، نتيجة تأثر الموارد الطبيعية بتغير المناخ، والأكثر من ذلك هو تأثير تغير المناخ على إنتاجية العمالة، بسبب ارتفاع الحرارة وانتشار الأمراض التى تؤثر على كفاءة العمالة وبالتالى التأثير المباشر على تنافسية الدول فى مختلف الصناعات.
وبالنسبة للأثر غير المباشر على التجارة، فهو متمثل فى اتباع دول العالم إجراءات وتدابير للتعامل مع قضايا المناخ، تؤثر بشكل كبير على نفاذ السلع عبر الحدود، ولعل أهم هذه التدابير التى تواجهها المنطقة العربية حاليا، هى المعايير الأوروبية الخاصة بقياس البصمة الكربونية المتضمنة فى السلع المستوردة من جانب الاتحاد الأوروبى، وبما أن مصر ودول شمال إفريقيا تعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية، لتصدير منتجات صناعية، فإن الصناعات مرتفعة البصمة الكربونية مثل السيراميك والأسمنت والأسمدة، سوف تواجه صعوبات فى دخولها الاتحاد الأوروبي، وتحتاج إلى الاستثمار فى تكنولوجيات جديدة، لتخفيض البصمة الكربونية لها.
> كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد فى التخفيف من آثار التغير المناخي وتعزيز الاستدامة البيئية؟
التكنولوجيا من الأمور المهمة جدا للتعامل مع قضايا المناخ، سواء بالتخفيف أم التكيف، لذلك فإن موضوع نقل التكنولوجيا، يمثل أهمية كبيرة للدول النامية، عموما ودول المنطقة العربية خصوصا، ولعلنا تحدثنا عن التكنولوجيات المطلوبة لتقليل البصمة الكربونية، التى تسهم فى جهود التخفيف من التغيرات المناخية، وكذلك تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة وأيضا القطاع الزراعى بحاجة لنقل تكنولوجيات مهمة جدا، مثل الهندسة الوراثية لاستنبات بذور قادرة على مقاومة الجفاف وملوحة التربة، وقد أطلق الأمين العام للأمم المتحدة مبادرة فى كوب 27 فى شرم الشيخ أطلق عليها “الإنذار المبكر للجميع”، وهو توفير تكنولوجيا الإنذار المبكر فى دول العالم، بهدف توفير آلية للإنذار من احتمالات السيول والأعاصير وموجات البرد أو الجفاف، وغيرها من الكوارث البيئية الناتجة عن التغيرات المناخية، ويتطلب تنفيذ هذه المبادرة على مستوى العالم مبالغ ضخمة، لكنها سوف تساعد فى إبلاغ المجتمعات، بقرب حدوث كوارث طبيعية مما يساعد فى عمليات الإخلاء قبل تحقق الكارثة.