يحفل شهر أبريل من كل عام بالعديد من مناسبات الأيام العالمية أو الدولية الاحتفالية به، التى تخصصها منظمة الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات، لمواضيع محددة جلبًا لانتباه الناس في العالم إليها، ومن هذه الأيام العالمية فيه: اليوم العالمي للتوحد، كتاب الطفل، التوعية بخطر الألغام، الرياضة من أجل التنمية والسلام، اليوم العالمي للصحة، واليوم العالمي للإبداع والابتكار، واليوم العالمي للأرض.
ويوم الأرض، حدث سنوي يُحتفل به في جميع أنحاء العالم في الثانى والعشرين من أبريل من كل عام إظهارًا ودعمًا وحماية للبيئة، وزيادة للوعي المجتمعي بقضاياها الشتى، وتعرفًا وتأكيدًا على أهمية الحفاظ على كوكبنا، والعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي هذا الاحتفاء والاحتفال يتم تسليط الضوء على القضايا البيئية الملحة مثل تغير المناخ، والتلوث، وحماية الموارد الطبيعية، والاستنزاف البيولوجي، وفقدان التنوع البيولوجي، وغيرها من القضايا البيئية الملحة والمؤرقة للبشرية جمعاء بكل كائناتها، وقد احتُفل به لأول مرة في العام 1970.
ولكى ندرك حجم المأساة والكارثة التي أصابت المجتمع البشري وبيئته بسكانه أجمع من إنسان، وحيوان، ونبات، وهواء، وماء، وتربة زراعية، أذكرك –قارئي الكريم- أن هناك تلوثًا مستشعرًا بمواد محسوسة، مثل تلوث الهواء والماء والتربة، وتلوثًا آخر معنويًا، مثل التلوث الضوضائي والكهرومغناطيسي، ولها أيضًا أضرار على الإنسان وصحته، تتمثل خطورتها في وجود الملوثات بأنواعها المختلفة بنسب أكبر من تلك التركيزات المسموح بها عالميًا.
ومن المواد الملوثة للبيئة والتي ابتليت بها البشرية، مخلفات عوادم السيارات، المسببة لمرض السرطان للإنسان، إذ تعد المسئولة عن حقن الجو بحوالي 60% من ملوثات الهواء، ولما تحتويه من أكاسيد نيتروجينية تسبب أمراضًا صدرية، أما الهيدروكربونات فتكوَّن ما يسمي الضباب الكيمو ضوئي.
وهناك تلوث الماء عن طريق المخلفات الإنسانية، أو النباتية، أو الحيوانية، أو الكيميائية، أو الصناعية، أو المعدنية، التي تلقى وتصب في الترع والأنهار والمحيطات والبحار، وكذا تلوث الأراضي والتربة نتيجة لتراكم المواد والمخلفات الصلبة الناتجة عن المصانع والمزارع والمنازل والمطاعم، إضافة للتلوث الطبيعي من الكوارث الطبيعية، البراكين والنيازك المسببة في تلوث الهواء طبيعيًا بكمية من الغبار والغازات المحتوية على الكثير من المواد الكيماوية والجسيمات الصغيرة العالقة الناتجة في الجو.... وغيرها الكثير من الملوثات الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها والحديث عنها.
ولعظم أهمية هذه القضايا البيئية، عقدت الدول الكبرى - ومنها مصرنا الحبيبة - وتحت مظلة الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، الكثير والكثير من المؤتمرات العالمية لتغير المناخ وحقوق كوكب الأرض، باحثةً فى أصول وأمراض المشكلة، وصولا لحلول ناجعة شافية للبشرية، فعُقدت الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف (COP) في برلين بألمانيا، العام 1995، وكان آخرها انعقاد الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في نهاية العام الماضي في دبي، وشرفت مصر باستضافة الدورة السابعة والعشرين في العام قبل الماضي بشرم الشيخ.
كما حظيت جامعاتنا المصرية المرموقة بالمشاركة في الشأن نفسه، فعقدت جامعة الأزهر مؤتمرها الدولي الثالث للتغيرات المناخية "تغير المناخ.. التحديات والمواجهة" في الفترة من 18-20 ديسمبر 2021 بمشاركة وزارات: البيئة، والكهرباء، والتعليم العالي، والصحة، والعديد من المؤسسات الدولية البحثية المعنية بتغير المناخ.
وليس ثمة ريب أن قضية التلوث أصبحت تمثل أولوية قصوى من أولويات عصرنا الحديث، إذ سيظل التلوث أهم الموضوعات الشاغلة لبال وفكر العالم في القرن الحالي، لما له من أبعاد صحية تؤثر في كل عناصر البيئة، من إنسان وحيوان ونبات، وكل ما يؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية، كالهواء والتربة وغيرها.
ولما كانت حماية البيئة واحدة من أهم المشكلات الحضارية، لذا لا عجب أن يقول عالم الأحياء الأمريكي باري كومونر في كتابه الشهير "الدوامة"، معربًا عما يضيق به فكره وعقله من ضيق وأسى، جراء ما جلبت حضارة العصر العلمية من ويلات على الجماعات البشرية في العالم عامة، وفي مدن الدول الصناعية خاصة: "أنقذوا الإنسان من الموت المؤكد، ساهموا في مكافحة التلوث، إن مدنية قبائل البوشمن في إفريقيا الوسطى الجافة، والتي تسعى للتزود بكميات ضئيلة من المياه، في حفر تبعد مئات الكيلومترات عن مكان إقامتها، هي أرقى على بدائيتها من مدنية الإنسان المعاصر في البيئة المرفهة الأمريكية".
ومع ما ذكرته سلفًا من جهود عالمية دولية في قضايا البيئة والحفاظ عليها، أعود فأؤكد أن ديننا الإسلامىي الحنيف كان سباقًا من كل هذه الجهود، فاهتم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اهتمامًا عظيمًا بالبيئة المحيطة بالإنسان، بل جعل الله تعالى خلق الأرض ووجود الإنسان فيها مقصدًا عظيمًا تتحقق معه قيمته، ويجد معها بغيته من الخلْق، فقال الله تعالى: "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" [هود: 61] والمقصود "باسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" إحداث وإيجاد العمران فيها بديلا عن الإفساد والتخريب الحادث فيها الآن كما نرى، ونهى عنها صراحة الرب الجليل في قوله "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" [الأعراف: 56]
- ختامًا.. اتفق مع كل الباحثين المعنيين بقضايا البيئة، فى أن الإسلام جعل الحفاظ على البيئة وحمايتها من المعتدين، دينًا وعبادة وقيمة تعبدية لله وفريضة شرعية، وليست سلوكًا حضاريًا فحسب، أو سمتًا تنمويًا فقط، وأنه يجب ألا نورث الأجيال القادمة قضايا مستحيلة الحل، بل من حق هذه الأجيال تسلُم بيئة نظيفة خالية من الملوثات، وثروات طبيعية غير مستنزفة أو مهددة.
[email protected]