الفقر والتقزم والمستقبل

23-4-2024 | 15:17

يتم تعريف مرض التقزم على أنه قصر القامة بالنسبة للعمر، وهو شكل من أشكال ضعف واختلال نمو وتطور الأطفال، وينجم هذا المرض عن نقص وسوء التغذية في مرحلة مبكرة من عمر الأطفال، كما يرتبط باعتلال صحة الأم وسوء تغذيتها بداية من فترة الحمل، وتعتبر الألف يوم الأولى في حياة الطفل (اعتبارًا من الحمل) هي الفترة الأكثر أهمية للحصول على التغذية السليمة والكافية للنجاة من مخاطر التقزم.

في عام ٢٠٢٢ أشارت التقديرات إلى إصابة ١٤٩ مليون طفل دون سن الخامسة حول العالم بمرض التقزم، وبحسب وزارة الصحة المصرية، فإن ٢١% من أطفال مصر يعانون من خطر التقزم، وهي نسبة مرتفعة للغاية تدق ناقوس الخطر في مجتمعنا، وتشكل تهديدًا مباشرًا للأجيال الجديدة.

يؤدي مرض التقزم إلى مشاكل جمة ومتشعبة، واختلالات صحية وتعليمية واقتصادية واجتماعية، بداية سيتعرض الطفل المصاب بالتقزم للسخرية والتنمر؛ مما سيؤثر بلا شك على صحته النفسية وسلوكه تجاه الآخرين، كما ستعاني الأسرة من تكاليف العلاج إن كان ممكنًا، وستتكبد ميزانية الدولة بالمقابل بأعباء العلاج، ناهيك عن قدرة الطفل على التعلم والابتكار، إذ إن سوء التغذية في الألف يوم الأولى ربما تؤدي إلى ضعف ذهني وصعوبة في تلقي وهضم المناهج التعليمية المختلفة، مما سينعكس بالتأكيد على فرص هؤلاء الأطفال في مستقبل مهني جيد ودخل معقول وحياة كريمة، وفي النهاية ستؤثر تلك العوامل على إنتاجية المجتمع ككل، وبالتالي على الاقتصاد الكلي للدولة.

التقزم سببه سوء التغذية، وسوء التغذية سببه غالبًا هو الفقر، لذلك فلزامًا علينا مكافحة الإثنين معًا حتى نتخلص من هذا المرض اللعين، ويقع عبء المواجهة على الدولة والمجتمع المدني، وليس لهما إلا أن يتعاونا ويتكاملا لتحقيق الهدف المنشود في أقل وقت ممكن.

"لو كان الفقر رجلا لقتلته" مقولة الإمام علي بن أبي طالب التي أصابت كبد الحقيقة، فالفقر هو آفة هذا العصر، وهو أصل كل الشرور، وإذا تأملنا نسبة الفقر في مصر والبالغة ٢٩،٧% في عام ٢٠٢٠ وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فسنتخيل حجم التحدي الذي تواجهه الدولة المصرية، لأن مجابهة الفقر عملية معقدة ليست سهلة أو بسيطة، تحتاج إلى مجهود متواصل لعقود، بل ومئات السنين، ولن تفلح بدون توفيق الله وعونه، ولن أستطيع في هذه السطور القليلة أن أوضح كل أبعاد مكافحة الفقر وسأكتفي ببعض الأفكار.

في اعتقادي، فإن خفض نسبة الفقر في المجتمع المصري تحتاج إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة لمدد طويلة، وبنسب تتخطى معدلات الزيادة السكانية التي تأكل الأخضر واليابس، كما نحتاج إلى توزيع عادل للثروة يؤدي إلى وصول عوائد هذا النمو إلى الفقراء والطبقات الكادحة ذات الدخل المحدود، بالإضافة إلى توفير ملايين فرص العمل سنويًا، وفي القطاع الخاص وليس في القطاع الحكومي المتخم بالعمالة الزائدة، مما يعني ضرورة زيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، وينبغي أيضًا أن نجد حلًا لمعضلة التضخم والأجور؛ بحيث يزيد في النهاية الدخل الفعلي للأسرة المصرية، ويرتبط ذلك بمستوى الضرائب وبتكلفة الخدمات العامة التي تديرها الدولة، على الجانب الآخر علينا أن نتوسع في برامج الحماية الاجتماعية والدعم النقدي، بالإضافة إلى أهمية مضاعفة المجتمع المدني لمجهوداته في الحد من الفقر والتكافل الاجتماعي.

أما على مستوى المبادرات الصحية للحد من التقزم فحسنًا فعلت الدولة المصرية بإطلاقها المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن السمنة والأنيميا والتقزم عام ٢٠١٩، والتي ساهمت في فحص ملايين الأطفال وتحديد بروتوكولات العلاج المناسبة للمصابين.

نحتاج إلى العمل، ثم العمل ليل نهار؛ للحد من الفقر وسوء التغذية، لإنجاب أطفال أصحاء وجيل معافى بدنيًا وذهنيًا يكون قادرًا على مواصلة المسيرة وحمل راية المستقبل في عالم مليء بصراعات البقاء فيه للأقوى، لا بد لنا أن نكون الأقوى والأقدر بين الأمم، ولن يتأتى هذا بدون أطفال وشباب مفعم بالحيوية والنشاط قادر على التعلم والكفاح من أجل رفعة هذا البلد.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: