اخترع بنيامين نتنياهو لقب «ملك إسرائيل» لنفسه، وادعى أنه المؤسس الثانى لدولة إسرائيل بعد ديفيد بن جوريون، مؤسس الدولة الأول عام 1948.
آمن نتنياهو بأحقيته في اللقب، كونه تفوق على كل رؤساء وزراء إسرائيل في تشكيل الوزارات، وقد تم انتخابه مباشرة من الشارع الإسرائيلي، كان قد تعجل بكتابة مذكراته “مكان تحت الشمس” معتبرًا نفسه القائد الذي سيتوسع بحلم إسرائيل الكبرى.
دون قراءة متمعنة في مصائر الأمم والشعوب، تسرع وعرض خريطة جديدة لإسرائيل في الأمم المتحدة، تتسلل إلى جغرافية دول عربية أخرى!
راح يسرب معناها في أكثر من مناسبة، متخطيًا حدود الاتفاق الدولي، بوجود دولة إسرائيلية في الشرق الأوسط، على مساحة تصل إلى نحو اثنين وعشرين ألف كيلومتر مربع من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة 28 ألف كيلو متر مربع، مع وجود دولة فلسطينية على مساحة 6 آلاف كيلو متر مربع!
ارتضى العرب على مضض بهذا الاتفاق المجحف، بعد عدة حروب كبرى وصغرى مع إسرائيل، وصراع سياسي ودبلوماسي اتسع بحجم النظام الدولي، بينما لم يؤمن به في الواقع أي من مؤسسي إسرائيل الأولى من بن جوريون إلى جولدا مائير، وصولا إلى نتنياهو، كما أن كل الرأي العام الإسرائيلي من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف، لا يؤمنون به حقًا.
حين تعدى رئيس وزراء إسرائيلي تاريخي مثل إسحاق رابين، خطوطًا حمراء في المسألة اليهودية، ووقع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات، وكاد يوقع اتفاق سلام مع سوريا بما يسمى وديعة رابين، يتخلى بموجبها عن الجولان السوري المحتل، تحركت الآلة الحقيقية واغتالته في وضح النهار، ومنذ تلك اللحظة لم يجرؤ أي قائد إسرائيلي على ارتكاب ما فعله رابين.
في الحرب الحالية على فلسطين، وهى أطول حرب في الصراع العربي الإسرائيلي، اعترف نتنياهو بأنه هو الذى دمر أوسلو، ولم يؤمن به قط، وأنه لن يعطي دولة فلسطينية، بل تمادى باستدعاء تراث عبري يدعو إلى محو السلالة الفلسطينية من الوجود.
دعوة نتنياهو وأركان حكومته جعلت محكمة العدل الدولية في لاهاي، تنظر إليها كدعوة تؤدي إلى الإبادة الجماعية.
وهى إبادة جماعية بالفعل، تجري منذ السابع من أكتوبر 2023، بهدف تفريغ الأرض الفلسطينية، وتصفية القضية.
لم يتصور صاحب “مكان تحت الشمس” و”ملك إسرائيل”، أن تنتهي على يديه الأسطورة، وتتخلى عنه مراكز صناعة القرار الدولي، وينقلب عليه الرأي العام العالمي، وينظر إليه بعض الساسة الغربيين بخفة، كونه كان الكاشف الأول لمخططات، كان يجب أن تكون طي الكتمان.
اعتراف نتنياهو بأنه لا يؤمن بوجود شعب فلسطيني أو دولة لهذا الشعب، كشف لعبة التصريحات الوردية، والوعود التي كان الغرب يقطعها على نفسه بقيام دولتين تتجاوران، فلم تكن إلا وعودًا للاستهلاك السياسي، وجاء إعلان نتنياهو بعدم إيمانه بتلك الوعود ليشكل إحراجًا عميقًا لدوائر الغرب، فيكتشف الغرب نفسه أن دعمه المتواصل لإسرائيل، مترامية الأطراف حسب نتنياهو، يشبه شخصًا يطلق الرصاص على قدميه، فاستيقظ “هذا الغرب” متأخرًا وقرر أن يشطب “ملك الكوتشينة” قبل أن يجد نفسه مشطوبًا هو نفسه من التأثير الدولي.