«أكون أو لا أكون»، تلك كانت حكمة الأمير هاملت، وهو يناجى نفسه فى مسرحية وليم شكسبير «هاملت» الخالدة.
كان هاملت محبطًا، شاعرًا بالعدمية، متأملا الموت والخلاص من الحياة، ويخشى من الأسوأ.
كان هاملت القديم شخصًا أعزل، فردًا فى مواجهة الأقدار، يستطيع أن يكلم نفسه فى ساعات الانفراد بذاته، لكن هاملت العصر الراهن ليس بفرد، إنما يتجسد في أمم ودول وشعوب.
جميعًا نشعر بأن الثورة الصناعية الرابعة، ثورة الذكاء الاصطناعي، ستحول العالم إلى كرة لهب، لا ينجو منها إلا الذين يملكون مفاتيح العصر.
والذين يملكون المفاتيح مع الأسف يؤمنون بأمراض قديمة، كالنازية، والفاشية، والعنصرية، وقد يعبثون فى لحظة جنون، بهذا الذكاء فى حروب هجينة مرعبة، كالتى تدور الآن، من غزة إلى أوكرانيا إلى روسيا، إلى بقاع شتى منسية.
ثمة خطر يقود النظام الدولى إلى منحدر، لأن أطرافه الفاعلة تتملكها رغبة جنونية بالسيطرة على الكرة الأرضية، بما عليها من بشر وحجر وبحار ومحيطات، وبرار، وهى رغبة قديمة موروثة منذ آلاف السنين، ولم تفلح معها حداثة التنوير ولا الأفكار الفلسفية الحرة.
فماذا لو امتلكت هذه القوى الراغبة فى السيطرة أدوات الذكاء الاصطناعى وحدها، ماذا سيكون مصير البشر، بخاصة إذا كانت تؤمن بأنها من طينة مختلفة عن بقية الناس؟
قبل أسابيع وقعت أحداث إرهابية على الأراضى الروسية، ولا تزال أصداؤها تتردد فى المجتمع الروسي، راح ضحيتها مئات من الأبرياء، والفاعل تنظيم مشبوه فى ظهوره وتكوينه، يظهر فى لحظات معينة، يعمل لصالح قوى غامضة، وفي نفس الوقت يسقط كل يوم مئات الضحايا من الفلسطينيين فى غزة من قبل تنظيم معروف، ساقته أقدار الحرب العالمية الثانية إلى بلاد العرب، وقد تجاوز هذا التنظيم صانعيه فى الغرب، ولم يعد هذا الغرب بقادر على إدخاله القفص.
صرخة هاملت المدوية الآن تتصاعد إلى فضاء أوسع من فضاء الراهبات اللواتى كان يخاطبهن هاملت، فمن الجنون أن تكون جماعة صغيرة كونت دولة فى مرحلة معينة على أرض شعب آخر، تقوم بمحرقة بشرية ضد هذا الشعب، ولا يستطيع القانون الدولي، أو مجلس الأمن، أو الأمم المتحدة، أو الدولة الراعية لهذه الجماعة، أن تردعها، أو يجعلها تتوقف عن ارتكاب المجازر.
ثمة مفارقة: هل بالفعل هذه القوى مجتمعة غير قادرة على إيقاف هذا الجنون، أم هي شريكة في ارتكاب الفعل؟
قديمًا قالوا إنك لا تنزل النهر مرتين، ولكن النظام الدولي نزل النهر مرات عديدة، مرة بغزو العراق، ومرات بصناعة الفوضى والثورات الملونة، وصناعة الحروب بين الإخوة كالذي يجري بين أوكرانيا وروسيا،
ورغم قسوة ما يجري على شعوب المسيطرين على هذا النظام الدولي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فإنهم ينزلون إلى النهر مرة وراء الأخرى.
لكن النزول هذه المرة سيكون النزول الأخير، وسيكون النداء الأخير لـ«هاملت».