لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي بلد الحريات وهي القوة العسكرية والاقتصادية الأعظم في عالم اليوم، أما الحياة السياسية في الداخل الأمريكي فلا أراها مثالية ولا أراها الأفضل، فلها مثالب عدة ونقاط ضعف واضحة، نوردها على النحو التالي:
يلعب المال السياسي دورا كبيرا في منظومة الديمقراطية الأمريكية، ما بين تمويل جماعات الضغط المختلفة وتمويل مراكز الفكر، وكليهما لديه أجندة وأيديولوجية خاصة، فجماعات الضغط أو المعروفة باللوبيات تدافع عن مصالحها بملايين الدولارات، وربما لا تتوافق هذه المصالح الضيقة مع المصلحة العليا لأمريكية، وربما يأتي تمويلها من الخارج، فإذن نحن أمام مال سياسي وارد أن يأتي من الخارج ليؤثر على صانع القرار الأمريكي ويدفعه لاتخاذ قرارات لفئة أو جماعة أو حتى دولة معينة.
أما مراكز الفكر فتعمل علي نفس المنوال، تستغل الأموال لنشر أبحاث وتروجها لأهداف ليست بالضرورة تخدم الولايات المتحدة أو سياستها.
هناك وجه قبيح آخر للمال السياسي في النموذج الأمريكي وهو آلة المال في الانتخابات الأمريكية، رئاسية كانت أو تشريعية، وهي أموال بملايين الدولارات يُدان بها الرئيس أو عضو الكونجرس لمانحيها وتكبل يداه عن كل ما يخالف توجهاتهم.
من زاوية أخري، نجد إعلام منحاز غير متجرد، يعبر عن تيار أو جماعة ولا يعبر عن الوطن، يروج لأيدولوجية وليس لعموم المواطنين، يطمس الحقائق إن كانت ليست على هواه، ويضلل العامة لأجل الخاصة، يغسل العقول ويتلاعب بالمصطلحات لتحقيق غايات محددة، ولهذا نجد عزوفا واضحا في دوائر الشباب الأمريكي عن هذه النوعية من الإعلام ولجوئهم إلي وسائط أخرى يستقوا منها معلوماتهم، ولذلك تغيرت توجهات كثير من الشباب الأمريكي نحو القضية الفلسطينية، وأصبح لديهم حساسيات من السياسة الإسرائيلية ونواياها، مما قد يغير من معادلة الانحياز الأمريكي الأعمي لإسرائيل في المستقبل.
الوضع العام في السياسة الداخلية الأمريكية مشحون وعاصف، فإذا القينا نظرة على الحزبين الجمهوري والديمقراطي سنجد هوة سحيقة في المواقف، ولا وجود لمساحات مشتركة أو نقاط للتماس كما كان الوضع عليه في السابق، لم يعد هناك وجود لحلول توافقية بل سجال وتشبث بالرأي.
حالة من الاستقطاب الحاد تغلف المجال العام في المجتمع الأمريكي، مصحوبة بصعود للتيار القومي الأبيض وقلق ما بين أوساط الأقليات، وتجلى هذا الاستقطاب في حادثة اقتحام الكونجرس في يناير ٢٠٢١، تلك الحادثة التي أذهلت العالم وأصابته بالدهشة مما يحدث في ديمقراطية عريقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
أخيرا نجد أن نتاج هذا الجو العام وديناميكيته هو مرشحان جدليان يحيطهما اللغط والريبة، مرشح تقدم به العمر لدرجة تشكك في إمكانيته إدارة البلاد، والآخر يمثل ظاهرة عنصرية مقيته تجاوزها الزمن.
نحن في انتظار الانتخابات الرئاسية الأمريكية لنعرف ما ستفضي إليه الأمور في الدولة الأهم في العالم.