لم تتوقف الحرب الأمريكية - الصهيونية على فلسطين المحتلة عند جرائم الإبادة للشعب الفلسطيني صاحب الأرض، فقط، ولم تكتف آلة هذه الحرب بتدمير البيئة الاجتماعية والإنسانية هناك، بل تجاوزتها بارتكاب جرائم أخرى ضد البيئة والطبيعة ومكونات الحياة في التربة والماء والهواء بدرجة فائقة الخطورة.
فإذا كانت سمات الحرب التقليدية مثل القتل أو الابادة أو الحِصار، والحرب غير التقليدية التي ابتدعها جيش الكيان الصهيوني، مثل حرب المستشفيات، وحرب الأطفال، وحرب النساء، وحرب كبار السن، وحرب الجوع، وهي جرائم تقضي على مصير الأجيال الحالية في الحياة، إلا أنه ابتكر حروبًا جديدة تصادر حق الأجيال القادمة في المستقبل، عبر حرب البيئة أو حرب الإبادة البيئية والتي صاحبها دمار شامل للطبيعة، فعلى مدى نحو 200 يومً لم يتوقف التدمير المتواصل، مولدًا عنه أزمة مناخية وبيئية غير مسبوقة بتداعياتها الكارثية، حيث يرجح خبراء البيئة أن تصل الانبعاثات إلى 629 مليون طن انبعاثات ناتجة عن الحرب هناك، وتحمل تأثيرًا هائلًا في المناخ وكارثة غير مسبوقة على مفردات الطبيعة، لم يشهدها الكوكب من قبل.
ومع تواصل حرب الإبادة التي حصدت ضحايا لمئات العائلات والآلاف من البشر، فقد اتجهت قوات الاحتلال إلى اقتلاع الأشجار، وخاصة أشجار الزيتون باعتبارها رمزًا ثقافيًا وتاريخيًا لفلسطين، وتجاوزت آلة الشر الصهيونية إلى إتلاف المزروعات والأراضي بتسميم التربة، وتدمير الموائل والتجمعات النباتية والحيوانية، من خلال إطلاق ونشر الفسفور الأبيض، وهو مادة كيميائية يتم نشرها بواسطة القنابل والصواريخ، ويحظر القانون الدولي استخدامها نظرًا لخطورتها، واستخدمتها إسرائيل لتدمير الحجر وقتل البشر، لتكتمل منظومة الدمار على البشر والشجر والحجر.
وأظهرت دراسات عالمية، أن أكبر تحد تواجهه المؤسسات الدولية، هو الخطر البيئي للجيوش، التي عادة ما تكون مسئولة عما يقارب 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم سنويًا، كما تعتبر البصمة الكربونية العسكرية العالمية، رابع أكبر مسبب للانبعاثات بعد الولايات المتحدة والصين والهند، وقدرت الانبعاثات التي نتجت عن حرب الأشهر الستة الماضية في فلسطين المحتلة، بأنها تتفوق في مضارها البصمة الكربونية السنوية، لأكثر من نصف دول العالم الأكثر تعرضًا للتغيرات المناخية.
ونبه "المرصد البريطاني للصراع والبيئة - CEO"، إلى أن اشتعال الحروب، تزيد من دعم صناعة الوقود الأحفوري، عالميًا، لكي تلبي الاحتياجات المتزايدة على النفط والغاز، لينتج عنها تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقدر"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" بجنيف، أن كمية المتفجرات التي أسقطت على قطاع غزة خلال الشهر الأول من الحرب، بـ 30 ألف طن، وأن 99% من أصل 281 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون، خلال الشهرين الأولين للحرب، نتجت عن العمليات التي نفذتها الطائرات والدبابات والعربات، إضافة إلى انبعاثات القذائف والقنابل والصواريخ.
وعادلت الكلفة المناخية، خلال تلك الفترة، حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم، وكشفت الدراسة أن ما يقارب نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كان بسبب طائرات الشحن الأمريكية التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل.
وبالرغم من ضعف الاهتمام الدولي بالكوارث البيئية في فلسطين، أمام تصاعد الكوارث الإنسانية والمدنية، إلا أن الخطاب البيئي المصري كان منتبهًا لخطورة الحالة البيئية، حيث لفت إلى هذا الخلل، البيان الذي ألقته د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة، والذي عقد مؤخرًا بالعاصمة الكينية نيروبى، ودعت لاتخاذ موقف أممي موحد لإنقاذ المكون البيئي لفلسطين، ومنح شعبها الحق الكامل فى الحصول على احتياجاته الأساسية من موارده الطبيعية، فضلًا عن المخاطر المحتملة للصراعات فى البحر الأحمر وتأثيرها الجسيم على الكائنات البحرية والنظم البيئية والتنوع البيولوجي، والمطالبة بعقد اجتماع طارئ لمجلس أمناء اتفاقية البحر الأحمر وخليج عدن، والتنسيق مع المجموعة العربية لاتخاذ موقف موحد، باعتبار أن، مصر رئيس للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء البيئة العرب.
ونتج عن قصف المتفجرات بكافة أنواعها هناك، إلى تراكم هائل من النفايات، أدى إلى تلوث الهواء والتربة والمياه، وهو ما حذرت منه رئيس سلطة جودة البيئة الفلسطينية نسرين التميمي، بالجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة، وكذلك ضرورة إجراء تقييم بيئي لآثار الحرب الإسرائيلية على غزة، وإعداد تقرير لدراسة عميقة متخصصة للتأثيرات البيئية للحرب، ودعم إعداد ونشر تقرير شامل وعاجل، والسماح بإرسال الطواقم اللازمة المتخصصة للتحقق من الجرائم البيئية المتواصلة، حيث لم يتوقف الدمار عند البنية التحتية والفوقية لقطاع غزة، وكذلك قصف وتدمير جميع الأماكن والمباني والمواقع الحضارية والأثرية والتاريخية، حتى اجتاح أيضًا المقابر ومقامات الأولياء والصالحين، فضلا عن دور العبادة.
نعلم أن التنمية المستدامة هي حق الأجيال المقبلة في الحصول على الحد الادنى للحياة الطبيعة، إلا أننا لم نشهد ما يسمى بالحرب المستدامة التي ابتدعتها إسرائيل لمصادرة حق الأجيال الجديدة والتي لم تولد بعد، في العيش والحياة، كما يحدث في فلسطين اليوم.
يقول الحق سبحانه، في سورة هود – 81 "إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ"، و"اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين"، 128 - الأعراف.
[email protected]