شيء من الخوف يسكن القلب يحيله إلي دمار أعيش فيه منذ سنوات كأنه الدهر أورثني شيبًا ووهنًا تلهث الروح أنفاسًا لعلها تكون الأخيرة حتي أستريح.
قبل عقد من الزمان كنت أعيش حياة هادئة مستقرة مقدما علي الدنيا يافع القوة متحمسا يسبقني طموحي وأن أحقق المستحيل وأكون في يوم من الأيام نجما من نجوم المجتمع أو واحدا من الأثرياء يقطن القصور والفيلات الفارهة ما كان يعنيني أولا هو أن أعمل وأجتهد وأبدع فيما أفعل..!
تفوقت في دراستي بالشكل الذي يؤهلني لبداية الطريق الذي أحلم به وكان حتما التمرد علي صعاب الحياة ومعوقاتها أمام شاب أتي من طبقة متوسطة لا يملك من مقومات العصر سندا أو واسطة تفتح له الأبواب المغلقة شيئا غير إرادته يشق بها الصخر طريقا لتحقيق الأحلام وخطوة بخطوة يبزغ فجر جديد تمتد خيوطه الفضية أمام ناظريه فتستضيء الحياة أملا يتجدد شيئا فشيئا وتقوي عزيمته حتي يصل إلي ما يريد.
ولكنه الواقع الذي يفرض نفسه بشراسة علي حياتي وضع في طريقي حلما كان أشبه بالمستحيل, دفعني إليه دفعا حتي نسيت معه كل أحلام الصبا والشباب, تحرك قلبي نحو امرأة ليست ككل النساء وكأنها جاءت من قلب أمواج بعيدة. تجسدت من كل خيالات الشعراء في بطون الكتب القديمة, أخذت بها من الدنيا ومن نفسي, كان حبي لها صحوة استيقظت عليها من ثبات أيامي المقحلة ولا أدري أن الحب الذي امتلأ به قلبي سيكون سببا في دمار حياتي كلها..!
من بين نساء العالم لا ينجذب قلبي إلا لامرأة كانت زوجة لصديقي, لم أعرف هذه الحقيقة إلا عندما أخبرتني بها هي, كانت علي غير وفاق معه وقالت إنها طالبته بالانفصال حتي من قبل أن يتعلق قلبها بي ولكني لم أستوعب حديثها, ابتلعتني الصدمة في غياهب جب عميق, أعض علي شفتي ندما وحسرة ولكني لم أكن أعرف, ولست أدري هل أنا قادر علي مغادرتها والعودة إلي وحدتي وصراعي مع الدنيا الذي توقف إلا منها؟
حاولت كثيرا أن تقنعني أن الأقدار هي من شاءت لمشاعرنا أن تتوحد وأن علينا أن نحارب واقعنا المرير ونغيره لصالحنا, وكانت هي أشد عزيمة مني في مجمل حياتها حتي أنها كانت قد حققت كيانا خاصا بها في الدنيا حفظ لها مكانا مرموقا في المجتمع وجانبا لا بأس به من الثراء, أما أنا فما زلت أتمرد علي الواقع الذي ولدت فيه أحاول الخروج من لجة الفقر, يقينا كانت عزيمتي قوية وأحلامي تنطلق كسهم غادر القوس توا لا يضل هدفه, ولكن تاهت الأحلام وابتعد الهدف إلي ما بعد المستحيل فقد بت أسير أغلال صدمتي في حبي مستسلما لليأس يتملكني كالموت يتسرب إلي روحي في بطء..!
لا أنا قادر علي لفظ مشاعري والامساك بزمام نفسي ولا قادر علي مواجهة صديقي وإعلان الحرب عليه حتي أقتنص منه زوجته, وكيف أكون وقتها غير ذئب يقتحم حياته في شراسة حيوانية بشعة, ينشب أنيابه في كل المعاني الحلوة ويلتهم معها تلك الصورة الجميلة لآدميته, وكيف أكون لها المحب الثمل بها وأنا أفقد ذاتي وإنسانيتي ولعل من باع صديقه ما أسهل عليه أن يبيعها هي أيضا وهل يعيش الحب وينبت في تربة ضحلة من الغدر والخيانه؟
لم يكن أمامي غير أن أبتعد وكنت أظن أنها سوف تنساني ولكن هالني ما حدث بعد ذلك, لم تستطع هي أن تتجاوز عثرتها وحبها لي ودخلت في حالة اكتئاب شديدة أقدمت فيها علي الانتحار وتم نقلها إلي المستشفي بين الحياة والموت, ساعتها لم أمنع نفسي من الذهاب إليها, لم أفكر في شيء غيرها, اقتربت من حجرتها ترتعد فرائصي خوفا وأملا في نجاتها, كانت بمفردها, توقف الزمن إلا مني ومنها, ما غادرتها حتي أشرقت عيناها بالنور, ما أن أفاقت ورأتني أمامها حتي تجددت روحها بالحياة
ومنذ ذلك الوقت لا أنا ولا هي بتنا نستطيع الفراق نري بعضنا خلسه وكأننا نسرق من الدنيا أحاسيسا هي حقنا ولكنه سلب في واقع قسي علي وعليها وظروف لا نملك حيالها شيئا. لم أجد وسيلة أراها بها خفية غير أن أترك أحلامي وطموحاتي وأقلص حياتي في العمل سائقا علي سيارتي بالأجر وفق نظام من أنظمة التوصيلات الجديدة التابعة لشركات خاصة تطلبني تليفونيا وأذهب إليها, أجوب بها شوارع القاهرة وكأني طائر عملاق, أحملها علي ظهري وأجوب بها سماء ليس لأحد أن يصل إليها غيرنا, نتكلم طويلا, وتتراقص مشاعرنا فرحا وشوقا, ولكني ابتعدت كثيرا عن نفسي واختصرت حياتي في سويعات أقضيها معها, ضاق بي الحال بعد أن هجرت عملي ووجدتها تحاول أن تساعدني فاستصغرت نفسي وهوانها..
ابتعدت عنها وعن الدنيا كلها, كنت أهرب من نفسي ومنها, أجلد روحي بروحي, أعذبها وكأني أعاقبها علي هذا الحب الذي دمر حياتي وها أنا ذا أتيتك سيدي محطما تتقاذفني عواصف وأمواج الحياة المتلاطمة حتي بت أتمني الرحيل عن الدنيا والخلاص منها لولا بقايا من إيمان راسخ في قلبي يرفض الانتحار والموت كفرا, جئتك بحثا عن طاقة نور لعل نهار حياتي يشرق من جديد.
ج . م . ع
قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله فلا تقنط يا أخي ولا تسرف علي نفسك وتضغط عليها بذلك الألم النفسي الرهيب والذي هو قاتلك إن بقيت علي خنوعك واستسلامك له, مازلنا يا أخي نطمع في كرم الله ورحمته لا نعدمها وإن أخطأنا أليس هوالتواب الرحيم إذا لا منطق لما أنت فيه من انكسار وهزيمة فالحب عندما يسكن القلب يدعمه ويقويه لا يضعفه ولكنك وأنت تحب نظرت إلي حبك من البداية نظرة دونية أمام من تحبها كونها الأكثر ثراء وجاها وفوق هذا هي ملك صديق لك فكيف لك أن تعبر كل هذه الحواجز والسدود إليها
ما بالك يا أخي تكلف نفسك فوق طاقتها لقد فهمت منك أن حبيبتك ليست علي وفاق مع زوجها من قبل أن تراك وأنها قررت الانفصال عنه رغبة منها في الخلاص من واقع يشقيها وليس من أجلك لأنك لم تكن قد ظهرت في حياتها بعد فلا تحمل نفسك وزرا ليس منك ولا طاقة لك به وإن كان انفصالها فيه الحل لما تعاني منه هي من مؤرقات اجتماعية فهذا شأنها وليس لك يد فيه فلا تجلد روحك علي ما لا تفعل وعد لنفسك وحلمك واستكمل الطريق لعل طريق النجاح يصل بك إلي مفترق طرق وتجدها هناك تنتظرك ندا لها لا حبيبا متضائلا ينزوي خلف انكسار وضعف ونفس ضائعة
وتذكر يا أخي قول الحق سبحانه وتعالي من سورة البقرة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين البقرة(286).
لذا عليك بالدعاء لربك يعينك علي نفسك تنفض عنها وزرها وحملها الثقيل وتنطلق إلي طريقك تلتهمه خطوا وركلا نحو أهدافك وأحلامك واجعل في قلبك يقينا ان الله بالغ بك مرامك إن شاء الله.