في الجو المليء بجماليات صُحبة الأهل والجيران والأحبَّة؛ وتلك "اللمَّة" العائلية المليئة بزخم روحانيات شهر رمضان المعظم؛ لمعت خاطرة فريدة وجملية بخيالي؛ وأنا أجلس لأكتب فكرة جديدة لسطور صفحات جريدتنا الغراء؛ تك الخاطرة التي أوقفتني لتهمس في أذني ولتلقي سؤالاً جميلاً وحيويًا؛ وهو: ألا يوجد "نجوم" في سماء حياتنا.. سوى نجوم فن الطرب والموسيقا والسينما والمسرح والتليفزيون؟! ألم يحن الوقت بعد لتسليط الأضواء على نجوم سطعت في سماوات أخرى.. بخلاف سماء الفن؟! بلى.. بالطبع! فوجدتني "أستملح" تلك الفكرة العابرة في خاطري؛ وشجعتني ليالي رمضان شهر القرآن؛ لأختار الإضاءة على بعض مشايخنا الأجلاء؛ نجوم قراء القرآن الكريم؛ وموسيقاهم الروحية في عالم القراءة بـ "المقامات" الصوتية المتفردة، لأكتشف أن لهم من سماوات فن التلاوة القرآنية والإلقاء والإنشاد الديني نصيب كبير وشتان بين السماوات المظللة لكل فن معالم مستقل بذاته.
وبطبيعة الحال جميعنا على دراية تامة بمشاهير القراء في عالم أمتنا العربية والإسلامية؛ والتي قال عنهم جمهور"السمِّيعـة"؛ بأنها: أصواتٌ من السماء؛ وأذكر في هذا المقام؛ أسماء بعض النجوم من أولئك المشاهير؛ الذين صدحوا بآيات القرآن الكريم في شتى بلاد العالم شرقًا وغربًا.. ومنهم ـ على سبيل المثال لا الحصرــ:
الشيخ/محمد رفعت.. صاحب الصوت الملائكي
الشيخ/علي محمود.. من رواد التلاوة والإنشاد
الشيخ/عبدالفتاح الشعشاعي.. الصوت القوي الفريد
الشيخ/مصطفى إسماعيل.. صوتٌ من ذهب؛ وقارئ الخاصة الملكية
الشيخ/طه الفشني.. كروان الإنشاد الديني والموشحات
الشيخ/أبوالعينين شعيشع.. من عباقرة المقرئين
الشيخ/الحصري.. شيخ عموم المقارئ المصرية
الشيخ/محمد سلامة.. ذو الحنجرة الذهبية؛ قارئ مسجد السيدة فاطمة النبوية
كل هؤلاء العظماء؛ أشاعوا الأجواء الرائعة من الروحانيات في عقل وبدن المجتمع المصري والعربي والإسلامي؛ ودانت لهم الشهرة في كل المحافل الداخلية والخارجية؛ ولكن هناك من لم يحظ بتلك الشهرة الفائقة؛ برغم تفرده في مجاله بأشياء كثيرة عظيمة؛ ولا يتذكره إلا من استمع إليه عن قرب؛ ورأيت أن من واجبي الإضاءة على حياته وسيرته ــ بتصرف ــ فهو الملقب بـ "قارئ ليلة النصر في أكتوبر 1973"؛ وصاحب قرآن فجر أكتوبر يوم العبور العظيم في العاشر من رمضان؛ وصفحات حياته وسيرته بتصرف ـ تقول : "... في تلك الليلة - كما صرح الشيخ قبل وفاته - حمل مصحفه ليستعيد ما يحفظ من كتاب الله تبارك وتعالى من آيات سورة آل عمران، وكأنها كانت مراجعة لليلة الامتحان؛ أخذ يقرأ ويراجع "وِرْدَه" اليومي وكأنه يحفظ القرآن لأول مرة.. فبعد قليل سوف يقرأ قرآن الفجر عبر أثير إذاعة القرآن الكريم أكبر وأول إذاعة للقرآن الكريم في العالم وبقية الإذاعات العامة المصرية...".
وتوجه الشيخ شبيب إلى المسجد قبل الفجر بوقتٍ كافٍ؛ واستحضر الآيات التي سوف يقرأها في قرآن الفجر؛ وهي آيات الشهادة في سبيل الله من سورة آل عمران:
بســــــــــــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم
"وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ...." و"إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"؛ وحتى "وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْواتًۢا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
صـــــــــدق الله العظيم
وراح الشيخ يكرر في الآيات ويعلو بقراءتها من الخشوع إلى التضرع.. وحالة النشوة الإيمانية واليقين تملأ أرجاء المسجد وخارجه لقد كان "الشيخ شبيب" يرتل الآيات؛ وكأنه يوجه رسالة إلى الجنود ويحثهم على القتال والنصر؛ وتخيل ــ بالفطرة ــ أن تلاوته لتلك الآيات هي بشارة للنصر وبارقة الأمل في استعادة الأمجاد؛ وتحقق النصر المؤزر بفضل شفافية أهل القرآن وإيمانهم الذي لا يتزعزع بقدرة رجالات مصر على تحقيق النصر؛ واسترداد الأرض التي سلبها العدو الغادر.
كل هؤلاء القراء العظماء ــ ومنهم قارئ ليلة النصر المؤزر ــ أشاعوا الأجواء الرائعة من الروحانيات في عقل وبدن المجتمع المصري والعربي والإسلامي؛ ودانت لهم الشهرة في كل المحافل الداخلية والخارجية؛ وذلك لأنهم حافظوا على تلاوة الآيات الكريمة؛ متمسكين بمقامات القراءة الصحيحة الواجبة؛ ومقامات القراءة لغير المختصين ــ بتصرف ــ هي مقامات صوتية طبيعية ترتقي بالأداء التعبيري والصنعة النغمية، كما أنها من علوم الآلة، يغترف منها القارئ والمنشد والمغني على حد سواء شأنه في ذلك شأن علوم الآلة المستخدمة؛ والمقامات تماثل بحور الشعر التي وضعها فيما بعد الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ وهناك البعض من القراء من يتقن المقامات أداء؛ برغم عدم دراسته لها أو لقوانينها؛ ولكنها التجليات القرآنية التي تهذب الروح والعقل والبدن.
إنها جولة مع نجوم؛ غابت عنها الأضواء لبعض الوقت؛ ولكن الذاكرة المصرية؛ لا تنسى أبدًا من منحوا بشائر النصر ــ في ليلة النصر ــ بآيات بينات من القرآن الكريم، وقرائح المستمعين عائشة مع أصواتهم في كل حين.
وكل عام.. والأمة العربية والإسلامية؛ ترفل في ثوب الخير والرخاء والسلام.