الولوج إلى فترة رئاسية جديدة في مصر للرئيس عبدالفتاح السيسي ليس حدثًا عابرًا.. ولأنه كذلك، فإن المصريين بصفة عامة يترقبون، على اختلافهم، ويأملون في أمر فيه تجديد وتحديث جدة وحداثة بوزن الحدث وليس أقل من ذلك، وربما تذهب التوقعات إلى مشارف الخيال وظلال الأحلام، وقد يذهب البعض بها إلى ضلال التشاؤم وخيبة الأوهام، لكن الجميع سيجدون ما يجذبهم ويشجعهم ويدفعهم إلى الثقة في حال النجاح.
ولنتذكر هذا الرجل الذي انتخبته الأغلبية لفترة رئاسية جديدة، حيث وضعنا أو وضعت هذه الأغلبية أعناقها معه، حتى قبل أن يصبح رئيسًا، لوأد الأرهاب بشقيه السياسي والعسكري، وجرت معه الأغلبية نفسها في خططه للعودة إلى تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، وعلى رأسها قناة السويس الجديدة، ودعم وسائل النقل، وتعبيد الطرق، وإقامة الجسور، ولأننا ننسى، فقد كان ملف الطرق على سبيل المثال إحدى عورات ملف مصر المقدم لاستضافة بطولة كأس العالم في سنة 2010، وحصلنا على "صفر المونديال".
لذلك كان العمل في خطط الطرق والجسور والمدن الجديدة أولوية في السنوات الماضية من حكم الرئيس السيسي، لكن القراءة الصحيحة هي التي تفتش في الأفكار التي تخرج من تطلعات الناس الذين يرون ضرورة العودة إلى المعدل الطبيعي في إنشاء الطرق والجسور، وليس الاستثنائي الذي شاهدناه وأحدث طفرة في غاية الأهمية.
لا أعرف ما الذي يحمله خطاب التنصيب، لكن الناس تتطلع إلى تحسين مستوى المعيشة ودعم بحثهم الدائب عن تعليم أبنائهم، حيث يظل التعليم عند غالبية المصريين هو الوسيلة المفضلة للارتقاء المجتمعي وإصلاح أحوال الأسرة ونثر القوة والأمل في مفاصلها، يضاف إليه الرغبة العارمة في أن يتضفر المنتج التعليمي برباط أخلاقي يحفظ ويصون، لأن التصور العام هو أن الشهادة في أبعادها المتعددة قد تخص حائزها والمحيطين المقربين منه، أما الأخلاق فإنها تنعكس على المجتمع.
كما أنه من المنطقي تمامًا التطلع إلى تحقيق وتغطية الأمن الصحي بشكل شامل عادل.
والأمران التعليم والصحة هما تقريبًا من أكثر الأمور التي يشتد عليها الطلب في مصر، وبالتالي من أكثر بنود الصرف في كل أسرة مصرية، وهما طرفان دائمًا على مائدة الحوار في الشارع السياسي لأجل أن تكون الحكومة داعمة للناس في الأمرين معًا.
والحال أن الناس لن تخرج من كوخ تعيش فيه إلى قصر تحلم به، لأننا قطعنا أشواطًا في البنية التحتية، وفي الطرق والإسكان ووضعنا في السنوات الماضية أسس مشروعات ضخمة في الثقافة والسياحة والطاقة، والمضي قدمًا سيكون بطريقة استكمال ما بدأناه وليس سيرًا نحو المجهول، لأننا وضعنا أساسات العمل وأقمنا الكثير منه، وننتظر الثمار الواقعية وليس الخيالية.
وهو ما يتطلب إعادة صياغة المجتمع في إطار ما أعددنا وما شرعنا فيه من مشروعات وأفكار وفي حدود ما نملك ووفق ما نتطلع.. نحتاج إلى استكمال الطريق بواقعية سياسية واقتصادية وبسد الثغرات في الخريطة المصرية، والتي يمكن أن تطمس الكثير من الإنجازات في محاور البعد البيئي والبعد الاجتماعي والصحي والسياسي في سبيل الارتقاء بجودة حياة المصريين.
وتبدأ إعادة صياغة المجتمع من الشارع، والمسئولين عن الشارع المحليات أو أجهزة المدن ورئاسات المراكز، وهم خصوصًا في العقود الأخيرة من أصحاب الرؤى الغائبة، الذين ينظرون إلى مصالحهم الصغيرة، أو دعنا نقول مصالح إداراتهم المباشرة الضيقة ورؤسائهم الأعلى درجة، وهم أطاحوا بالأخضر واليابس، ولم يراعوا جماليات أو أسسًا في تخطيط الشوارع والحدائق (مجازًا فلا يوجد مسئول واحد يؤمن بالحدائق).
ولولا الصحوة الأخيرة التي أدركت الطريق الدائري والمحور وطرق أخرى لضاعت الأرض من تحت أقدامنا وانتهينا كدولة حديثة، رغم ذلك المخالفات في كل مكان ولابد من ضبطها، والعشوائيات ومطاردات البلديات للمحال التجارية والباعة الجائلين في مشاهد ساخرة تجلب الضحك والبكاء، بينما يتمطع المتسولون في كل مكان ولا يوجد أي انضباط لمنظومة التاكسي في العاصمة.
سيأخذنا مقام المحليات طويلا، لذا ننتقل منه إلى ما يأمل الناس سياسيًا مع الفترة الرئاسية الجديدة، ويبرز هنا دور الحوار الوطني من جهة ووظيفة البرلمان من جهة أخرى، والأحزاب لمن استطاع منها أن يُحدث حراكًا ويجذب الاهتمام.
والحوار الوطني الممتد يُخرج توصيات مهمة من واقع أنه مؤسسة فكرية تناقش كل شيء على أرض مصر، لكن الحكومة تستجيب بالقطارة لتوصياته، وأخيرًا قرأت أن النسخة الأولى من الحوار أخرجت 135 توصية نفذت الحكومة منها توصية إنشاء المجلس الأعلى للضرائب، مع دلالة الاختيار الحكومي السلبية. والبرلمان بغرفتيه يحتاج إلى مواكبة ما نقدم عليه من آمال وتحديات في الفترة الرئاسية الجديدة وأظنه لن يتردد مع حكومة جديدة واعية بعملها نحو الإنتاج وتحفيز الصناعة ودعم الرقابة.
الفترة الرئاسية الجديدة ليست مناسبة عابرة، إنما يريد غالبية الناس من ورائها حقبة مختلفة عن الفترة الرئاسية السابقة تضيف إلى مراحل تطور مصر السياسي، وهي لها جذور، ويمكن ملاحظة ذلك في التقاء نهاية الفترة مع المدى الزمني لرؤية مصر 2030.