ما الذى يجرى فى أمريكا؟ أين منظروها ومحللوها الإستراتيجيون؟ وهل كانت تتوقع خسارة الرئيس فلاديمير بوتين فى الانتخابات الرئاسية الروسية؟
الهجوم الضارى بعد إعلان فوز بوتين بمنصب الرئيس وقيادته لروسيا لست سنوات مقبلة، قوبل بالدهشة السياسية الغربية، بينما كانت تشير كل التوقعات إلى فوز القيصر الروسى، كانت أمريكا ترى من منظار مختلف، أقرب إلى التوقعات المستحيلة.
ثمة من يرى أن الهجوم الإعلامى الغربى على بوتين فى ولايته الجديدة، هو مجرد رسالة ماكرة، تهز الثقة والشرعية مع بداية فترة بوتين الخامسة، وتعمل على تدمير الجسور بين أمريكا وروسيا فى السنوات المقبلة.
تختلف الآراء فى أوروبا الواقعة بين المطرقة الروسية والسندان الأمريكى، فثمة عقلاء فى القارة العجوز ينظرون من منظار المصلحة الأوروبية الخالصة، خصوصا إذا جرى تغيير عميق فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وجاء إلى مقعد الرئاسة رقم 47 الرئيس السابق دونالد ترامب، ويبدو ترامب الحصان الرابح لدى الرأى العام الأمريكى، ولديه تصورات سياسية مختلفة عن آراء ومواقف الرئيس الحالى جو بايدن، خصوصا فى مسألة حلف الناتو والشراكة الأوروبية، وطريقة التعامل مع الصين وروسيا.
حتى فى مسألة الشرق الأوسط المزمنة كل الاحتمالات واردة، لكن المؤكد أن هناك تغييرا عميقا فى بنية النظام الدولى فى عام الانتخابات هذا، فأكثر من 40 دولة ستجرى فيها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وسيحدث تغيير عميق فى السياسات على المسرح الدولى.
من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فبعد حرب أوكرانيا وروسيا، والعدوان الإسرائيلى على غزة، وعجز العالم عن إيقاف الحربين، لا بد أن تكون هناك جسور مختلفة، يمر بها النظام الدولى، هذه الجسور ستفضى به إلى رؤية مختلفة، قد يجد نفسه فى نهاية المطاف متعاملا مع قوى صاعدة غير متوقعة.
لا شك أن المسألة الفلسطينية لن تعود قضية مزمنة، أو قضية لاجئين يتعاطون ما تجود به وكالة الأونروا، بل طفت على السطح ولن تغرق فى النسيان مرة أخرى، وكذلك جميع القضايا المتشابكة فى الإقليم العربي، وعلى المسرح الدولى.
لا شك أن أمريكا ستتغير فى الداخل، وليس خافيا أن أوروبا تفحص هذا التغيير بعناية، وهناك نخبة سياسية وإعلامية بدأت فى قراءة المتغيرات المحتملة، والتعامل مع مقتضياتها الضرورية، وترى أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، يختفى بقوة الجمود الذى ساد طوال ثمانية عقود، فلا يمكن أن يستمر نفس الطريق الضيق الذى حكم العالم بنظرة واحدة.
جعبة الحاوى الأمريكى تخلو من الحيل فى النظام الدولى المحتمل، صحيح ستبقى أمريكا قوة عسكرية واقتصادية غير مسبوقة فى التاريخ، لكنها لن تصبح ملكة الأوراسيا كما كانت تخطط، والصحيح أيضا أن أوروبا تتخلص من عبء الشراكة عبر المحيط، كما أن الإقليم العربى يمكن أن يكون رمانة الميزان فى عصر التغيير العميق على رقعة الشطرنج.