على مدار أسابيع أواصل الدراسة بكلية الدفاع الوطني إحدى قلاع العلم في مصر، ورغم كوني أستاذًا جامعيًا، إلا أنه هالني الكم الهائل من العلوم التي قد يعتقد البعض أنها تقتصر على أفراد محددين أو شرائح وظيفية معينة.
ولكن أعتقد أنه على كل مواطن أن يمر من أمام تلك الكلية العريقة، وأن يعي ويدرك ما هية الأمن القومي؛ حتى يتشكل لنا وعي مسئول يدرك ويعي أهمية استشراف المستقبل ووضع خطط له، وألا ينظر تحت قدميه، وإنما ينظر إلى الأمام، وبالطبع هذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال حالة من التطبيع ونشر الثقافة العامة الحميدة، خصوصًا على مستوى المحافظات خارج نطاق القاهرة الكبرى، والتي لا يحتك معظم قاطنيها بالتجارب الحياتية والشخصية التي قد تؤهلهم وتنبههم إلى المستقبل ومخاطره وآلامه وهمومه.
وكيف لنا أن نخرج مما يحاك لنا، وربما بصورة من إحدى الصور الناعمة، عبر الفن والثقافة خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتزام فئات الشباب وأولياء أمورهم باستقاء المعلومات والبيانات والأفكار من خلالها.
خلال الأيام الماضية تبلور في ذهني فكرة مشروع جديد لبناء الوعي المسئول، يعتمد في الأساس على انتشار العلوم والمعارف المتداولة في كلية الدفاع الوطني لشرائح أوسع داخل المحافظات، بالتنسيق ما بين وزارة الثقافة والحكم المحلي والبيئة، وكذلك المؤسسات الأكاديمية في هذا السياق وإعداد محتوى يدعم فكرة الوعي المسئول، وانتقال المواطن من فكرة الانتقاد غير البناء إلى الوعي المسئول؛ لكي يدرك مع الدولة حجم التحدي الذي تواجهه.
ومن ثم التحرك بإيجابية، بالفعل هذا الشعور موجود بين غالبية المواطنين، لكن تعزيزه وتقويته أمر مهم، وسيتم ذلك من خلال قصور الثقافة ومراكز وأندية تجمعات الشباب، وكذلك الأندية الخاصة داخل المحافظات بترتيب فعاليات عدة، على غرار ما يتم في الجامعات، ولكن هذه المرة بصورة أشبه بنظرية الاتصال الفردي الودي، وليس بنظرية أن يجلس مسئول أعلى منصة ويواصل الاتصال المباشر، بل إتاحة تجمعات بسيطة يمكن من خلالها إتاحة الاتصال المباشر من الطرفين، وإمكانية طرح الأسئلة والاستفسارات، وحتى لو كانت تمس خطوطًا حمراء، ولكن سيكون نقاشًا صحيًا.
* العميد السابق لكلية طب الأسنان جامعة القاهرة