حتى لا تلتهم حرائق الأستديوهات تراث 120 سنة سينما!

24-3-2024 | 14:56

من لم يزر أستديوهات التصوير الفني في مصر قد لا تصله الصورة كاملة عن أهميتها ومكانتها والدور الذي تسهم به في كل ما نشاهده من أعمال فنية، فمنذ 80 عامًا أنشأ أستديو الأهرام على يد اليونانيين "أفابخلوس أفراموسيس"، و"باريس بيلفيس" في سنة 1944، على مساحة 27000 م2، تضمنت ثلاثة بلاتوهات، وصالة عرض، وغرفًا للدوبلاج، ومعملًا للتحميض والطبع. 

ومنذ ذلك التاريخ ولم تتوقف حركة العمل في الصرح الكبير، بل في مواسم رمضان قد يتم فيه تصوير أكثر من ثلاثة أعمال في نفس التوقيت، حيث إلى جانب البلاتوهات توجد الحارة التي أنشئت في عام 1986 وضع رؤيتها وتصميمها الفنان صلاح مرعي، فقد رفض على بدرخان أن يصور فيلم الجوع في حارة قديمة متهالكة في أستديو نحاس، وبرغم الظروف المادية التي واجهها "الجوع" أصر بدرخان على أن يبني حارة بنفس مواصفات حياة وبيوت الحرافيش، كما وصفها نجيب محفوظ، وظلت الحارة بنفس حوائطها وديكوراتها ليستغلها كل من يريد تصوير مشاهد مصرية خالصة للحارة، حتى جاء حريق مسلسل "المعلم" ليلتهم تراثًا مهمًا، أعتقد أنه إن كانت هناك متابعة وتأمين وحراسة لتلك الحارة، لكان بالإمكان السيطرة على الحريق، فمن المؤكد أن النيران لم تشتعل مرة واحدة لتلتهم الأخضر واليابس مرة واحدة.

تابعت طيلة عملي محررًا للفن أعمالًا كثيرة داخل تلك الحارة، بداية من "بوابة الحلواني" ومرورًا بليالي الحلمية، وأعمال لكبار النجوم، وكنا نشاهد سيارة الإطفاء داخل الأستديو، أي أنه كانت هناك رعاية لمواقع التصوير من الحماية المدنية، فالمتهم الأول هنا هو الإهمال من المسئولين عن تلك الأستديوهات؛ لأننا لن نقف متفرجين على تراثنا وهو يضيع قطعة قطعة، إهمال أنهى على مدينة السينما فتحول أستديو نحاس إلى "خرابة"، لم يعد يصلح للتصوير، وإن صعدت إلى الدور الثاني من أستديو الأهرام، فوق البلاتوهات ستكتشف أن الدور الثاني أشبه بمغارة على بابا، الأتربة تغطي كل شيء، ومن هنا أطالب وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني أن تعيد زيارة الأستديو وتصعد بنفسها إلى الأدوار العلوية ستكتشف أن الوضع لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، وقد شاهدت الوضع منذ فترة ليست ببعيدة.

أما أستديو مصر فهو قلعة طلعت حرب التي نحتاج أن نعيد التفكير في أهميته ودوره؛ لأنه جزء مهم من تراثنا الفني، منه انطلقت السينما المصرية، فقد أنشأ عام 1935، وقام بتأسيس شركة مصر للتمثيل والسينما "ستوديو مصر" لإنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين مثل أم كلثوم، محمد عبدالوهاب وغيرهما، فهو مرتبط بتاريخ السينما المصرية، نحتاج إلى تطويره، وإن كنت أتمنى من وزيرة الثقافة أن تعقد اجتماعاتها مع الشركة النوعية للسينما المنبثقة عن الشركة القابضة للاستثمار في المجالات الثقافية والسينمائية، لسرعة وضع حد لتلك الأستديوهات، وسرعة إنقاذها، إن كانت لدينا رغبة في الاستفادة منها، وبدون رعاية ومتابعة من وزيرة الثقافة بنفسها سيبقى الوضع على ماهو عليه، ستحدث حرائق، وللأسف ما حدث خلال شهر واحد من حريق في ديكورات مسلسل "الكبير آوي"، ثم "المعلم"، ثم "جودر"؛ وهى أعمال تعرض في شهر رمضان الجاري، يؤكد أننا بحاجة إلى منظومة حماية بدرجات كفاءة أعلى مما هو عليه، ليس فقط لأستديو الأهرام، ومدينة الإنتاج، ومصر، ونحاس أو مدينة السينما، بل لأستديوهاتنا المنتشرة في كل مكان، بما فيها أستديو جلال وناصيبان، تلك الأستديوهات التي صنعت تراث 120 سنة سينما، هي ما يمثل قوتنا الناعمة ..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: