المطمئنة قلوبهم

23-3-2024 | 18:01

أولئك الذين اختاروا السير في طريق النور وهم يتتبعون أثر خطواتهم خشية أن يزعجوا بها غيرهم، الذين يلتمسون الثبات على الحق وينتبهون سريعًا إذا ما مسهم من الشيطان مس أو من عند أنفسهم، يعودون من قبل أن تتوغل أقدامهم في أوحال الخطايا أو تتلوث طهارتهم في جحيم ذنوبهم فيحجمون على الفور دون ندم أو تردد، هؤلاء الآمنون المطمئنون على أنفسهم وأهليهم المستبشرين بإيمانهم الذي طالما بدا عليهم فأنار بأثره وجوههم، الذين حملتهم أنفسهم على التقوى ودفعت بهم نحو الصواب دفعًا، هؤلاء الذين تحكمت بهم بوصلة إيمانهم وجذبتهم أخلاقهم وعقيدة دينهم نحو الفضيلة فأجزلت عليهم العطايا فأصبحوا مطمئنين في كل أرض وطأتها بكل رفق أقدامهم.

هؤلاء الذين اتخذوا من المحبة منهجًا ومنهاجًا، الذين ارتووا من ينابيع طهرهم ففاضوا بها على من كانوا بصحبتهم حتى تفجرت أكثر وأكثر ففاضت على من عرفهم ومن لم يعرفهم، أولئك الذين أدركوا قيم الإنسانية وترجموا معانيها بدقة متناهية فتجسدت ملامحها الوضاءة عليهم فجملتهم وحفظتهم، الذين واجهوا منغصات الحياة وسهامها بقلب راض ولسان شاكر، الذين لم يكتسوا بلباس اليأس مهما ضاقت بهم الحياة، ومهما تخللت بسقامها أجسادهم أو جالت بثقلها صوب نفوسهم، إنهم مختلفون بإيمانهم الراسخ، أسوياء بحسن ظنهم. 

تزداد مخاوف المحيطين بهم وتشغلهم قضايا الرزق والمبادرة باتخاذ المزيد من الاحتياطات حذر الفقر حتى ينزلقوا بثقلهم وسط أمواج عاتية تضرب سلامهم وتهدد أمانهم، إن كل هذا لا يضرهم ولا يزيدهم إلا ثباتًا وثقة كبرى بربهم، ليسوا خارقين لكنهم مؤمنين، المختلف فيهم هو قيمة ودرجة إيمانهم وحسن توكلهم على الله، استطاع الخير أن يتأصل بداخلهم ضاربًا بجذوره في عمق أرواحهم الطيبة لتنبت بعدها وتخرج ثمارها فتكفيهم وتكفي كل من اقتدى بهم، اتخذوا من ثقتهم بفيض كرم الله أرضًا ثابتة ورضوا بما كتبه لهم؛ فاستراحوا من ضجيج كان يطرق بين الحين والآخر أبواب مخاوفهم.

الضجيج ينفض من حولهم وتفاصيل الإزعاج لا تحتمل البقاء بقربهم، عين الله تحفظهم وترعاهم ورضاهم بما كتبه لهم يثبتهم ويهدئ روعهم، هؤلاء الذين ارتدوا لباس التقوى ونشروا دعوة الحق أينما حلوا وأينما وجدوا صاحبتهم البركة وسارت في ظلهم، ستجد في حضورهم السكينة تسكن ذاتك، لقد كاد حديثهم أن يكون همسًا من دون حروف من فرط رقتهم ومن نقاء سريرتهم، لا ترهبهم أحداث ولا ترجفهم أنواء، طوبى لمن كان منهم، وفوزًا عظيمًا لمن سار على خطاهم واتبع هداهم المستوحى من هدي نبيهم. 

لاخوف يجتمع مع إيمان حق بالله ولا حيطة تمنع رزقًا مكتوبًا أو وعدًا موعودًا، الأمان حيث الإيمان، والسلامة حيث الرضا والاستسلام لقدر رب العالمين.

كلمات البحث