نعيش فى أجواء أكتوبر - رمضان 1973، أمجد أيام العرب والمصريين فى تاريخنا الحديث، بعد مرور 51 عامًا على هذا النصر المؤزر، الذي أعاد العرب للعالم، فعندما تحارب مصر تعلم المنطقة كيف تكون الحرب، كيف تبدأ، ومتى تتوقف، وكيف تحصل على حقك؟ إنها مصر، وليست أوروبا التي أذاقت العالم ويلات الحروب وحقق أرقامًا قياسية في عدد القتلى، وخلق حياة تعيسة عاشتها أوروبا ما بعد الحرب، ولا تزال تتذكرها، لذلك فالأوروبيون هم أول من يعرفون من هم صناع الحياة، الذين يوقفون الحروب في الوقت المناسب، فلم يكن غريبًا على أوروبا أن تأتي بكامل قواها إلى القاهرة التي تصنع السلام وتقف ضد الحرب تقيم اتفاقية شراكة سياسية وإستراتيجية اقتصادية كاملة، في هذا التوقيت الدقيق للحرب الراهنة في الشرق الأوسط، ولظروف مصر الاقتصادية.
أوروبا عرفت أن استقرار العالم من نقطة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط لا يتحقق دون مصر، بحكمتها التاريخية ودورها في الحرب والسلام منذ ما بعد 1967، حتى انتصار أكتوبر 1973، الذى نتذكره الآن بكل فخر.
كانت المنطقة ملتهبة، المصريون دخلوا الحرب، وكان الأمريكيون بل والأوروبيون والعالم يتصورون أن الاسترخاء العسكرى حل بمصر، لدرجة أنها نسيت أن أرضها محتلة، وكان تحرك قواتنا الباسلة بقيادة الرئيس السادات، بارعًا وخطيرًا، علمت أمريكا وإسرائيل معًا أننا لن نضرب المدن الإسرائيلية أو المدنيين، وأننا نملك القدرة والأسلحة التي تفعل ذلك، التي تؤذى إسرائيل والعالم، وتجعل الشرق الأوسط أرضًا خرابًا، ينهش فيها الإرهاب والإهابيون، مصر أنقذت أرضها، ولم تنزلق لحروب الإرهاب والتطرف، ولم تحرق الأرض، لأن مصر بلد حارس للحضارة والإنسانية، فهزيمتها فى 1967 واحتلال أراضيها لم يطمس تفكيرها ورؤيتها الحضارية والإنسانية للعالم، بل إن قيمها وأخلاقها سمت وارتقت إلى مكانة رفيعة، هذا هو قائدها وأخلاقه، وهذا جيشها وقيمه، محاربون أبطال، يعرفون قيم وأخلاق القتال، لا يقتلون الأطفال ولا الأبرياء، ولا يقتلون الأرض والحياة، بل يحافظون عليها للأجيال الراهنة والمقبلة.
عرف العالم قيم مصر وتقاليدها ومكانة جيشها وشبابها وهم يقاتلون فى حرب 1973 لتحرير الأرض، وإعادتها، الأرض بالنسبة للمصري كائن حي يتنفس، ويتكلم ويعيش ويقول إني مصري، إني أرفض الاحتلال، ولن أظل أسيرًا لدى عدو استباح أرضي وعرضي، عادت الأرض ولم يستكن القائد، بل واصلت مصر ما بدأته بالحرب إلى السياسة، وكان تحركها أسطوريًا وفاعلًا ونافذًا.
وضعنا قضية فلسطين وشعبها في مكانها الصحيح، باقتراح “حل الدولتين الآن”، والورقة المصرية ثم مبادرة السلام العربية بعدها 2002، أكدت ذلك، وسرنا في هذا المسار، لم نكن في حاجة أن تعلمنا أي قوة أخرى في المنطقة كيف نتعامل مع قضية فلسطين وأرضها وتحريرها، لكن التيارات المتأسلمة في المنطقة “سنية وشيعية” تريد استخدام قضية فلسطين لتحرق المنطقة مقابل أن يحكموها، هذا أداؤهم عبر التاريخ، مررنا بمحنة غزة، ونمر بها، وقد أثبتت الأيام جدارة القيادة المصرية متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسي وإدارته، لصراع غزة وإسرائيل، حيث أدركت مصر أن الهدف هو تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهلها خارج أراضيهم، مصر كشفت المؤامرة، وقفت بقوة مع الفلسطينيين، كما كشفت عدوانية إسرائيل في حربها الشرسة ضد المدنيين، التى أغرقت إسرائيل وبشهادة اليهود العقلاء، وآخرهم، رئيس الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس تشاك شومر الذي وصف إسرائيل بالدولة المنبوذة، وكتبوا عن نتنياهو وزمرته فى إسرائيل أنهم أسوأ من حكموا في تاريخ اليهود وإسرائيل.
هكذا مصر، وهكذا جيشها، وهكذا قائدها، يعلمون العالم أن الانتصارات لم تعد عسكرية، لكن لها أشكالا عديدة، تكشف العدوان، تعري قتل المدنيين، تقدم المجرمين، الذين يحرقون المنطقة وأهلها، للمحاكمة أمام الرأي العام، بل أمام المحاكم الدولية، هكذا أدارت مصر معركة غزة ونجحت وانتصرت أمام نفسها وأمام العالم.
لم يعد ممكنًا أن يتجاهل زعيم أمريكي أو أوروبي أو عالمي في أي بلد في عالمنا، قضية الشعب الفلسطينى والآلام التي يتحملها الأطفال والنساء الذين قتلوا وتم احتلال أراضيهم وقتل رجالهم، لكي يحموا عدوانية إسرائيل بقبضة يكرهها العالم الآن.
أعادتنا ذكرى حرب 1973 “رمضان”، وسلام واستقرار المنطقة ودور مصر في حماية شعبها وأهلها الفلسطينيين، لكي نقف احترامًا وتقديرًا لمصر وجيشها وقائدها الذين يكررون الانتصار وفرض الحقوق والمصالح المشروعة على العدوان والقوة.
هكذا سوف تنتصر فلسطين.. تحيا مصر وفلسطين.