Close ad

خلطة رمضان السحرية

20-3-2024 | 16:21

هل سألنا أنفسنا عن السر وراء استحواذ رمضان لكثير من البطولات والانتصارات، برغم القيل والقال عن معاناة الصائم من الجوع والعطش، وهو ما يتنافى تماما مع الحقائق العلمية والعقائدية، وكان الفلاسفة اليونان القدماء يؤمنون بأن الصوم وسيلة جيدة للصفاء الذهني، وأسلوب فاعل للتخلص من طغيان الجسد.

ويحكي أن الفيلسوف اليوناني "أبيقور" صام أربعين يوما قبل أن يؤدي الامتحان بجامعة الإسكندرية، حتى يشحذ قواه العقلية وطاقته الإبداعية، وعلماء هذا الزمان أكدوا فرضية أن الصيام يخلص الجسم من السموم، ويحول الدهون المتراكمة على أجزاء الجسم إلى طاقة، ومن أجل ذلك قال المنصفون إن رمضان صانع للبطولات، خاصة ونحن نعيش الآن أجواء انتصار العاشر من رمضان. 

والقصد من الصوم تربية النفس وبعث النخوة، ولتحقيق تلك الغاية وضع لنا الرسول خارطة طريق لها، وذلك من خلال سيرته العطرة في الشهر الفضيل، فقد حرص على تعظيم الجود والكرم مع الناس جميعًا، وضاعف من العفو والتسامح، وتفاعل مع الفقراء والمساكين، وتعايش مع مشاكلهم بحثًا عن حلول لمعالجتها، فكانت بمثابة غرس لمكارم الأخلاق، مهدت للانتصارات الكبرى.

وخارطة الطريق النبوية في رمضان تعبر عن تزواج بين العبادات من صيام وصلاة وزكاة ودعاء وبين الحرص على أداء سلوك سوي قويم، وقال صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه".

وفي مواقف عديدة يؤكد ضرورة تحري الإحسان والخلق الحميد في السر والعلن مع أداء العبادات، وحث أصحابه قائلا: "أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلامُ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ".

ومن جهة أخرى يبلغنا النبي أن قبول الطاعات والعبادات مقترن بتنظيف النفس من أدرانها، وما لحق بها من غبار التلوث النافث من دائرة الظلم والفساد، وينقل عبر سنته صورة واقعية عن آيات القرآن، التي تأمر بأن نركع ونسجد ونعبد ربنا، وفي ذات الوقت نفعل الخير، ثم يبشر القرآن في قوله تعالى: "لعلكم تفلحون".

وإلزام الشريعة الإسلامية بتنظيف النفس وفعل الخيرات وحسن المعاملة حرصًا منها على سلامة المجتمع أو الأمة من التفكك، والانحلال كان السبب الرئيسي في انهيار أمبراطوريات عظمى على مدار التاريخ وعلى رأسهم الدولة الأندلسية والدولة الرومانية.

وجميع النصوص في القرآن والسنة ربطت سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة بتعهده بنهج سبل مكارم الأخلاق مع عناصر البيئة المحيطة به كافة، سواء في بيته وفي عمله وأيضا مراعاته للطريق، أو بمعني أشمل أن يحرص على أداء الأمانة في مناحي حياته، ويعكس الشهر الكريم لنا هذه الخلطة السحرية في أسمى صورها، ويدق الصوم جرس إنذار لإيقاظ المسلم أنك لست مخلوقًا للأكل والشرب، بل هما وسيلة لعبادة الخالق علي الوجه الأمثل. 

وفي نهاية سورة الأنعام يتضح هذا الشأن جليًا في أن الإنسان مخلوق لتحقيق عشر وصايا، بدأت بقوله تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثم تتناولت الإحسان بالوالدين، وعرجت إلى اقتراف الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ثم النهي عن قتل النفس، حتى إتمام الوصايا العشر، وتختم بقول المولى عز وجل: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: