المسألة الإسرائيلية تقوم بتهشيم مثال الغرب الفريد، مثال الحرية والديمقراطية والعدل والقوانين، والغرب الذى أعنيه هو غرب النخبة السياسية التى تتحكم فى رأى عام مغلوب على أمره، فليس بصحيح أن الرأى العام الغربى يؤثر فى القرار السياسي، فالشعوب فى الواقع تناهض العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين، لكن حكوماتها تصطف رصاصة برصاصة إلى جانب المسألة الإسرائيلية التى هى اختراع غربى خالص.
ما الذى يجرى لبلاد الجن والملائكة؟ وما الذى يجرى لبلاد التنوير والحداثة؟ وما الذى يجرى لبلاد الحرية والإخاء والمساواة؟ وما الذى يجرى لبلاد الدساتير ومدونات حقوق الإنسان؟
هذه أسئلة على الغرب أن يجيب عنها، فعلى دقة الإجابة سيتوقف وجوده فى التاريخ.
البلاد المعنية هى كل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد تحولت من المثال الفريد فى الديمقراطية إلى مجرد قرصان يجوب البحار، والمحيطات، والبر، والجو، يسطو على وجود الآخرين، ويمنعهم من التنفس، يدافع عن الباطل، يمده بالمال والسلاح يدافع عنه فى الساحات السياسية، والمنتديات العالمية، يساعده فى المحافل الأممية، يتهم الضحية بإزعاج الجلاد، يفرض بالقوة قوانين الغابة.
غالبا ما كان التاريخ يجرى بين الشرق والغرب فى حالة صدام، وتبدو محطات الاستراحة بين الطرفين قليلة، لكنه كان صدامًا يقوم على قواعد تبدو مبررة وعقلانية، ولها إطار نظري وفلسفي، يستند إلى مزاعم أخلاقية وسياسية وحتى دوافع اقتصادية، واختلاف ثقافي ظاهر بين الطرفين، بينما الوضع الآن يسير فى اتجاه واحد، من هناك إلى هنا، حيث رؤية الغرب التى يجب أن تسود على كل شيء من الاقتصاد والمال إلى شكل وجوهر البلاد التابعة، وصولا إلى الموافقة على ما يراه الغرب كالذى يجرى فى غزة من مجزرة بشرية بشعة ومحرقة لا إنسانية مرعبة، تقوم بها جماعة المسألة اليهودية.
الغرب الحالي هذا، جعل الجيل الجديد من أبنائه يكفر بمواقفه، ويكذب نخبته السياسية، ويرفض ادعاءاته، ويفند مبرراته، ويحطم مواعظه، ويخرج عن أطواره الثابتة، والدليل معركة الدبابيس الحمراء أثناء توزيع جوائز الأوسكار فى هوليوود، فأكثر من 500 فنان وكاتب ومخرج سينمائى علقوا الدبابيس الحمراء احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية على غزة، وطلبوا من الرئيس الأمريكى جو بايدن ضرورة الوقف الفوري للحرب.
رسالة الفنانين الاحتجاجية تعرف طريقها إلى البيت الأبيض، فهو الجهة الوحيدة التي بيدها مفتاح الموت والحياة في المسألة الفلسطينية، وقد خرجت الآن من الرماد كالعنقاء، لتصبح عنوان العالم الجديد، وعنوان الجيل الغربي الجديد، جيل لا يشعر بديون النازية والفاشية أو المسألة الإسرائيلية.