دروس "طابا" معركة التفاوض على أعلى نقطة في سيناء

19-3-2024 | 13:41

"الحروب لا تنهي النزاع بل تحركه، ولكن المفاوضات هي التي تنهي النزاع، وهناك فرق كبير بين أن تتفاوض وأنت منتصر وبين أن تكون منهزمًا." 

بهذه الجملة وصف  الدكتور مفيد شهاب أهم دروس مفاوضات طابا - خلال ندوة لمكتبة الإسكندرية - سجل فيها شهادته عن مفاوضات استرداد طابا التي شارك فيها حتى نجحت مصر في استرداد كامل أراضيها.

كلمات تردد صداها في أذني ونحن نحتفل اليوم بمرور ٣٥ عامًا على ذكرى  انتصار عظيم، عبر ماراثون طويل تجاوز أحد عشر عامًا  من المفاوضات  الثنائية إلى التحكيم الدولي  مسبوقة بنصر عسكري في السادس من أكتوبر ٧٣، حتى نجاح مصر في استرداد كامل تراب أرضها التي احتلتها إسرائيل في سيناء منذ عام ٦٧ وصولا لرفع العلم المصري على "طابا" في مثل هذا اليوم ١٩ مارس ١٩٨٩.

دروس عديدة نحتاج أن نتذكرها  الآن في ظل  الأزمات والتحديات التي تحيط بالمنطقة خاصة حرب غزة، نحتاج أن نهتدي بطريق سلكه ١٨ من خبراء مصر سجل التاريخ للقيادة السياسية في مصر مهارة الاستفادة من  قوى الدولة الشاملة في منظومة متكاملة للحفاظ على مقدرات الشعب وحماية أراضيه وحقوقه التاريخية، والسر كله في تفاصيل إدارة مصر لهذه المعركة التفاوضية الأخيرة أمام المراوغة الإسرائيلية.

تفاصيل  هامة ونوعية وكاشفة سجلها المفاوضون أنفسهم، منها ما ذكره في حواره الحصري مع "بوابة الأهرام"  قبل ثلاثة أعوام اللواء بحري محسن حمدي رئيس الجانب العسكري المصري، في الوفد المصري الموفد للجنة التحكيم، أكد  أن البداية بحدوث خلافاً جذرياً  بين مصر وإسرائيل قبيل شهر من الانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام ١٩٨٢، كان ذلك في مارس، وهنا ظهر كما  وصف اللواء حمدي "المراوغة الإسرائيلية وتعمد التزييف"حول بعض النقاط الحدودية، خاصة العلامة 91، هدفهم تأجيل الانسحاب، أو الفوز بأي مكتسبات تحفظ لهم وجودًا في منطقة حاكمة، وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي، وجّهت مصر الموقف نحو تأجيل الانسحاب من طابا فقط لاستلام كامل سيناء، وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي في ٢٥ أبريل ١٩٨٢، مع الاتفاق على التوجه لحل باقي النزاع طبقًا لقواعد القانون الدولي، وبنود اتفاقية السلام، وتحديدًا المادة السابعة، التي تنص على حل الخلافات بشأن تطبيق، أو تفسير المعاهدة، عن طريق المفاوضات، وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم.

نص الاتفاق المؤقت، الذي وقعته مصر وإسرائيل، على عدم قيام إسرائيل ببناء أي منشآت في المنطقة، لحين الفصل في النزاع.

إلا أن إسرائيل حاولت  من جديد فرض الأمر الواقع، فأعلنت، في 15 نوفمبر 1982، عن افتتاح "فندق سونستا طابا"، وإنشاء قرية سياحية، كما ماطلت إسرائيل في اللجوء إلى التحكيم، مطالبة بالتوافق، وهو ما رفضته القيادة السياسية المصرية، وأجبرت إسرائيل على قبول التحكيم، في يناير عام 1986، بعد أربع سنوات من المماطلة، ودخل الجانبان في مفاوضات، لصياغة شروط التحكيم، انتهت في سبتمبر من نفس العام.

زعمت إسرائيل أن علامات الحدود أزيلت بفعل العوامل الطبيعية، والحقيقة أنها هي التي أزالتها بنفسها، وادعت عكس ذلك ... فقدمت مصر للمحكمة الكثير من الأدلة والمستندات، التي تؤكد أن هذه البقعة مصرية، وكانت، دائمًا، تحت سيطرة وسيادة مصر، وكان من ضمن ما قدمته للمحكمة، صورة للجنود المصريين تحت شجرة الدوم، في هذه المنطقة، وكانت هذه الشجرة موجودة أثناء التحكيم، فكانت، ومازالت، شاهد إثبات على حق المصريين، رحلة المفاوضين المصريين على الأقدام للنقطة الأكثر ارتفاعًا بعد رفض إسرائيل لاستخدام طائرة أو حتى سيارة بادعاء عدم ملاءمة الطقس ومحاولاتهم إرجاء المعاينة، حتى وجدوا العلامة ٩١ ملقاة في سيل للمياه؛ لتكون إحدى أدوات تأكيد الحق المصري، وتمسك المفاوضون بكل شبر حتى أن اللواء حسن حمدي يذكر المساحة كيلومتر و٩٠ مترًا مربعًا.

وبعد مباحثات ومناقشات وجلسات طويلة، أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها، في 27 سبتمبر 1988، بأحقية مصر في ممارسة السيادة على كامل ترابها، بعدما تم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر، من مجموع 14 علامة، بأغلبية 4 أصوات، مقابل صوت واحد، وإثبات 4 علامات أخرى، بإجماع الأصوات الخمسة. وامتد عمل هيئة الدفاع المصرية، بعد صدور الحكم، ومراوغات إسرائيل في التنفيذ، إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم، وتسليم طابا، بمنشآتها، إلى مصر، حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة، بتسليم طابا في 15 مارس 1989، ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس،  ليتحقق نصر جديد في  لحظة عظيمة وفارقة في تاريخ مصر، برفع العلم على أعلى نقطة في سيناء.

كل تلك الحقائق  تؤكد علي أهم  الدروس المستفادة من معركة استرداد طابا، كما يصفها لواء دكتور سمير فرج مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق أن أهم تلك الدروس أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وأنه لا يكفي أن تكون صاحب حق، بل يجب أن تحسن الدفاع عنه وبالأسلوب الذي يفهمه الآخرون، ومسلحاً بعناصر القوة الاقتصادية والقانونية والعسكرية، ثم الاعتماد على الخبراء والمتخصصين، إلى جانب ضرورة معرفة الخصم، وأساليبه في المناورة والمراوغة، والحد الأقصى الذي قد يصل إليه، والحد الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه، وأخيراً، وليس آخراً، حسن إدارة الأزمات وإيجاد التجانس بين فريق العمل، الذي يتشكل من عقليات مختلفة، تجتمع على الوازع الوطني، من أجل الوصول إلى الهدف.

وعندما نتذكر هذا النصر الدبلوماسي العظيم، فإننا نذكره بأسماء أبطاله، الذين حققوه، وهم السادة عصمت عبد المجيد، نائب رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس اللجنة،  ورئيس لجنة  الوفد من العسكريين لواء بحري محسن حمدي  والأعضاء وحيد رأفت، ومحمد طلعت الغنيمي، وأحمد القشيري، وسميح صادق، وجورج أبي صعب، ومفيد شهاب، وأمين المهدي، وفتحي نجيب، وصلاح عامر، ويوسف أبو حجاج، ويونان لبيب رزق، وكل من تعاون معهم من لجان فرعية، أو خبراء مستقلين ...فقد تولوا، بقوة وجلد، مسئولية إعداد خطة العمل، وتجميع الوثائق والمستندات اللازمة، لتعزيز وجهة نظر مصر حول القضية، أمام هيئة التحكيم، من جميع النواحي القانونية والتاريخية والفنية، حتى تحقق لهم النصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مها سالم تكتب: فلك نوح في الغربية

هل فكرت يومًا في موقع سفينة نوح أين تقبع الآن، هل بحثت عن معنى النجاة وسط طوفان غير مرئي إلا لقائد السفينة، هل يمكن العطاء يخرج من رحم المعاناة

مها سالم تكتب: ياسر رزق .. وترجل الفارس عن جواده

أصبح الجميع يتهرب من كلمات العزاء والمواساة، فالمصاب الأليم دخل كل بيت وليس خافيًا أننا نعيش عصر وباء وابتلاء، ليظل الموت هو المعلم الأول

مها سالم تكتب: شباب حول الرئيس

بدأت تتوالى الصور على الصفحات الشخصية تعلن التوجه إلى المحفل الأكبر لتجمع الشباب المصري والعالمي في المنطقة؛ منتدى شباب العالم بشرم الشيخ؛ الذي ينطلق بين العاشر والثالث عشر من الشهر الجاري

لماذا يبتلينا الله؟

هل أصابك الحزن وعانيت من قبضة النفس وضيق الصدر، هل كنت واحدًا ممن سألوا أنفسهم عن الحكمة وراء "الابتلاء"، هل قلت "لماذا أنا "فلست بأشر الناس ولست بخيرهم،

لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟!

في مستهل العام الماضي وقبيل إغلاق الطيران العالمي بسبب أزمة كورونا، كنت في زيارة عمل سريعة جوًا، وخلال الرحلة الثانية للطائرة من النمسا إلى الولايات المتحدة

"فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ"

من البديهيات أن تهديد الأمن القومي لأي دولة يتصدره مقدرات الحياة من أمن مائي وغذائي يكفي لتلبية احتياجات المواطنين، لذلك يعد ما يواجهه الأمن المائي المصري

فاطمة أم جورج

أصيب النقيب جورج بإصابات متفرقة خلال تنفيذ العمليات الميدانية في شمال سيناء، خاف الضابط الشاب أن يبلغ والدته بأنه مصاب، واتصل بصديق عمره النقيب سعيد،

الأكثر قراءة