"إذا لم يتم انتخابي رئيسًا للولايات المتحدة فسيكون هناك حمام دم"، ذلك كان نص التهديد المباشر الذي أطلقه المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية "دونالد ترامب"، ونستشف من تصريحه الواضح والجلي أن الرجل يطرح أمام الناخبين الأمريكيين الاختيار ما بين أمرين، إما الفوضى والاقتتال الداخلي، أو إعادته قسرًا للبيت الأبيض ثانية، والتخلص من غريمه الديمقراطي "جو بايدن"، المتشبث بدوره بالبقاء في سدة الرئاسة.
إن ما قاله ترامب "٧٧ عامًا"، أو بالأحرى تهديده الفج، جد خطير، حتى لو برره بأنه كان في سياق الحديث عن الاقتصاد، لأنه يعكس نزعة وميلا للعنف والتطرف وتعطشه للانتقام بأي ثمن دون اكتراث بقاعدة بديهية وأساسية يجب على كل سياسي ومسئول الالتزام الصارم بها، وهي تدبر كلامه قبل النطق به، وأن يتسم بالانضباط وليس بالغوغائية والسوقية والبلطجة، وإلا لماذا ينتقد دائمًا في لقاءاته الانتخابية زلات لسان "بايدن" التي تثير أزمات داخلية وخارجية لأمريكا، ويتعامل معها بصفتها نقطة ضعف صالحة لاستغلالها لكسب مؤيدين أكثر؟!
وما لا يقل خطورة عن حديثه عن "حمام دم" أنه تعهد، في حال انتخابه، بالإفراج عن مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكونجرس في السادس من يناير ٢٠٢١، والبالغ عددهم ١٣٥٨ شخصًا، لمنع النواب من إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية آنذاك وهزيمة "ترامب"، وهؤلاء صدرت بحقهم أحكام قضائية بحبسهم بتهم التخريب والعنف والاعتداء على المنشآت العامة.
فما هو النموذج الذي يريد "ترامب" تصديره وإعلاء شأنه وسيكون عنوانًا لولايته الثانية، إن فاز بها؟
البند الأول فيه سيكون ضرب عرض الحائط بالنظام القضائي وبما يقرره، وأن واجب الجميع الانصياع له منِ أصغر مواطن عادي ومَن يتولى منصبًا، وصولا إلى أكبر الجالسين على قمة هرم السلطة، والأسوأ التسامح مع مَن استباحوا ممتلكات ورموز الدولة وعاثوا فيها فسادًا وتمزيقًا، وإعطاء رخصة بممارسة العنف لكل معترض على أمر ما صغر أم كبر، لينقلب البلد إلى ساحة شاسعة للفوضى والعبث.
يرتبط بذلك المغامرة المتعمدة بتعريض السلم الاجتماعي لكل أنواع المخاطر غير محسوبة العواقب، بإتاحة الفرصة لكل من هب ودب للأخذ بما يراه حقه عنوة بيده وكأننا في غابة مفتوحة للحيوانات المفترسة والأليفة، يبسط فيها القوي سطوته وقوانينه على الآخرين، مثلما فعل أنصاره الذين حرضهم على انتهاك الكونجرس، لكي يبقى بالسلطة دون أن يعبأ أو يقدر المصالح العليا للبلاد، ومكانتها بين أقرانها.
بالتالي، أسقط "ترامب" من حساباته مبادئ احترام قواعد الديمقراطية والمنافسة وما تسفر عنه الاستحقاقات الانتخابية، سواء كانت معه أو ضده، فالمبادئ كلية ولا تتجزأ، ولا تفصل على المقاسات الخاصة للمتنافسين، وذاك ما يسعى إليه المرشح الجمهوري، الذي يود إجبار الناس على انتخابه، لأن البديل سيكون سباحتهم في أنهار من الدماء، فأي منطق هذا وما هذه العقلية، وكيف يمكن ائتمانه على قيادة الدولة العظمى الأولى في عالمنا المعاصر، واتخاذ قرارات مصيرية؟