إذا كان "الاقتصاد الدوار" خطوة مهمة على طريق الاستدامة، وفرصة لبناء نموذج اقتصادي متكامل عبر دمج القطاع الاقتصادي النظيف مع البعدين البيئي والاجتماعي، فإن تمهيد الطريق أمام هذا الاقتصاد، يبدأ بإصدار وتسجيل وتداول شهادات الكربون، وهي القضية الثانية من ورشة العمل المهمة التي نظمها مكتب الالتزام البيئي والتنمية المستدامة باتحاد الصناعات، بالتعاون مع جمعية كتاب البيئة والتنمية مؤخرًا بالقاهرة، تحت عنوان "الاقتصاد الدوار وأسواق الكربون".
وتظل مهمة تضييق الفجوة بين المنتج المحلي والأسواق العالمية، بحثًا عن آفاق للتصدير وإزالة الحواجز أمام صادراتنا الوطنية، قضية جوهرية تحتاج إلي حلول، كما ينبه د.شريف الجبلي عضو مجلس النواب رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، فإنه بحلول عام 2030، لن تسمح دول الاتحاد الأوروبي بدخول الكثير من المنتجات إليها، إلا إذا كانت البصمة الكربونية لهذه المنتجات فى إطار المسموح تداولها داخل الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عندما تقوم شركاتنا الوطنية بحسابات البصمة الكربونية وحسابات خفض الانبعاثات لمنتجاتها، عبر تداول شهادات الكربون، فإن هذه الآليات تمنحها فرصة التصدير لدول الاتحاد الأوروبي.
ويفسر الجبلي، أهمية رواج ثقافة تجارة الكربون على المستوى المحلي بين الشركات الوطنية، فالشركة التي لديها زيادة في عدد شهادات خفض الكربون، بإمكانها تداول هذه الشهادات من خلال البورصة المصرية، ويتم بيع هذه الشهادات لأعلى سعر لشركات أخرى تحتاج هذه الشهادات عبر مزادات، فهي سوق تديرها البورصة، مثل بورصة الأوراق المالية، بمعنى أن هناك تعاملات مالية تهتم بتحسين نوعية البيئة على المستوى الوطني، وهذا يتم عبر البورصة.
والمعروف أن أسواق الكربون وتجارة الانبعاثات، تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للمحاور البيئية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، حيث إن بعضا من المشروعات التي تحقق خفضًا في الانبعاثات، ستوفر فرص عمل للشباب، ونقل تكنولوجيات حديثة، ومصدرًا للدخل من العملات الحرة، في حال تداولها في الأسواق الخارجية.
وقد بادر مكتب الالتزام البيئي، بإنشاء وحدات تقدم خدمات استشارية محلية وإقليمية للقطاع الصناعي في مصر والعالم العربي والقارة الإفريقية، في المجال البيئي والفني والمالي، لتشكل قاعدة بيانات حول فرص خفض الانبعاثات، لكي تمكن المستثمرين المصريين وغيرهم، من اختيار الفرصة أو المشروع الذي يرغبون في الاستثمار فيه، حيث هناك توقع بمستقبل واعد للسوق المصري بإصدار وتداول وتسجيل شهادات الكربون وفقا للمعايير الدولية، ومصر لديها آفاق جديدة في عدد من القطاعات سواء القطاع الصناعي أو النقل أو توليد الكهرباء أوالمخلفات، فقد حرص اتحاد الصناعات على تأسيس كيان استشاري "بيت خبرة"، حول شهادات الكربون.
ويشرح المهندس أحمد كمال المدير التنفيذى لمكتب الالتزام البيئي، أن توثيق خفض الكربون واستثماره، تتم ترجمته عبر بيع شهادات الكربون، حيث مفهوم شهادات الكربون يتم من خلال الأنشطة أو المشروعات التي ينتج عنها معدل انبعاثات أقل من غازات الاحتباس الحرارى، سواء الخفض أو زيادة كميات الكربون.. بمعنى أن هناك مصادر وقطاعات مصدرة لغازات الاحتباس الحرارى، مثل قطاع الطاقة "والكهرباء والنقل والبترول وقطاع الصناعة وقطاع الزراعة والمخلفات، وقطاعات أخرى تمتص هذه الغازات مثل الغابات وبعض الأنشطة الزراعية"، فيتم توثيق هذا الخفض من خلال شهادات كربون، وكل شهادة واحدة تعادل طنًا من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارب، أي أن الوحدة القياسية هي: "طن انبعاثات الكربون، مقابل شهادة واحدة"، ويتمتع من يشتري الشهادة أو يمتلكها، بإصدار انبعاثات بمقدار الشهادة، وهو طن واحد.
ولأسواق الكربون نظم متعددة، يشير إليها المهندس عادل محمد طه خبير التنمية المستدامة بمكتب الالتزام البيئي، منوها بأنها تنقسم إلى أسواق ملزمة، وأسواق طوعية، حيث الملزمة تحدد الالتزام من قبل جهات أو منشآت عليها التزامات محددة، وتعمل في إطار آليات واتفاقيات دولية، مثل "بروتوكول كيوتو"، و"اتفاق باريس"، والمساهمات المحددة وطنيًا، أما الطوعية، فهى منشأة أو جهة تقوم بذلك طوعيًا، بهدف الوصول لأي أهداف طوعية مثل الإعلان عن خفضها للانبعاثات.
المعروف أن ضريبة الكربون، هي إحدى نتائج اتفاقية كيوتو التي صدقت مصر عليها سنة 2005 ويتم تطبيقها من المنبع في سلسلة إمداد الوقود التقليدي "الأحفوري – الفحم، البترول، الغاز" بما يتناسب مع محتوى الكربون في الوقود.
على المستوى الاقليمي والقاري، هناك العديد من الفرص في القطاعات، الصناعية، والنقل، والكهرباء، والمخلفات، يصدر عنها انبعاثات أقل، حيث يمكن توثيق هذا الخفض والاستفادة منه في بيع شهادات الكربون، طبقًا لنتائج مؤتمر "COP27" بشرم الشيخ الإيجابية، والخاص إنشاء السوق الإفريقية لشهادات الكربون إصدارًا وتسجيلًا وتداولًا، بعد اعتبار "شهادات الكربون" ورقة مالية قابلة للقيد والتداول.
وإذا كان خبراء البيئة واتحاد الصناعات، في مصر، قد توصلوا إلى النظم المحاسبية والصناعية والتقنية، فإن هناك الأهم الذي ينتظره قطاع الأعمال الوطني، من الحكومة، ومن مجلس النواب، وهو الإسراع بإصدار "قانون التغيرات المناخية"، والذي يضع ضوابط ومعايير لحدود آمنة خاصة بانبعاثات كل نشاط وكل صناعة، وكل قطاع، للمشاركة في الوصول إلى هدف محلي وعالمي وهو معادلة "صفر كربون".
[email protected]