غزة.. دروس إيمانية لإعمار القلوب

17-3-2024 | 14:37

الإيمان إن لم يزد ينقص؛ حقيقة تؤكدها الحياة، ومن يظن أنه لا يحتاج لمضاعفة إيمانه سيُفاجأ يومًا بنفاد رصيده منه، ولا يوجد أفضل من الواقع الذي نراه جميعًا في غزة وما به من تجارب "حقيقية" لمن عاشوا تجارب بالغة القسوة مع عدو متوحش وحافظوا على إيمانهم وضاعفوه بالقول وبالفعل، وأصبحوا "نورًا" متفردًا في تاريخ الإنسانية..

إعمار الأرض يعني إحياءها؛ وتحتاج القلوب "لإعادة" الإعمار دومًا، وما يحدث في غزة من أفضل مصادر إعمار القلوب، والأقوى والأكثر صدقًا بعد الدعاء لهم دومًا ودعمهم كل بما يستطيع..

تعرض الغزايون للترويع والتجويع والقتل برًا وبحرًا وجوًا، ويمنع عنهم الصهاينة الغذاء والدواء وكل مقومات الحياة ويدمرون آبار المياه؛ ومع ذلك هم صامدون وثابتون ويدعمون المقاومة ويرفضون الاستسلام للاحتلال الوحشي، ولم تنكسر إرادتهم أو تتراجع عزيمتهم.. بل يوقنون بالنصر ولو بعد حين، ويفعلون أقصى ما يمكنهم ليس ليهنأوا بالثمار في أعمارهم -وهذا حقهم- ولكن ليمهدوا الطريق لمن يأتي بعدهم وحتى لا يقابلوا الرحمن وهم مقصرين في أداء واجباتهم؛ قال ضابط بكوماندوز صهيونية عن المقاومين: "إنهم ينتحرون من أجل كل متر وهذه أصعب ساحة قتال نخوضها".
 
لنتدبر قول رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه: "ليس الإيمانُ بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي ولكن ما وقر في القلبِ وصدَّقته الأعمالُ"؛ وهذا ما "عايشناه" مع أهلنا في غزة..

من بعض دروس إيمان الغزاويين احتساب كل شيء عند الرحمن وإظهار القوة في وجه الاحتلال وتحديه ورفض منحه أي صور للانكسار، والصدق مع الله وعزة النفس والتكاتف مع بعضهم بعضًا وتقاسم أقل القليل، ومحاولة إدخال السرور على الأطفال وتجديد النية بالجهاد في سبيل الله، وتحمل مسئولية الدفاع عن الأقصى، وعدم السماح بالسخط؛ فشاهدنا غزاويين يسجدون شكرًا لله بعد حصولهم على كيس طحين بعد حرمان لعدة أشهر وقالوا: "الله يحفظها من نعمة".

وكذلك حسن تربية الأبناء والبنات وعدم الاكتفاء بالرعاية والتعليم؛ فرأيناهم يتكلمون بأدب شديد، وقالت أم: "أطفالي يذهبون للسوق ويعرفون الأشياء الغالية ولا يطلبونها"، وشاهدنا طفلًا يعطيه رجل بعض الحلوى وإذا به يرد بسرعة: "لا يا عمو أولادك أولى".
 
ولنتعلم من "اختيارهم" الإيثار؛ فمن تبقى لديه مال كان يشتري الطعام الذي تضاعف سعره لقلته ولصعوبة الحصول عليه؛ بسبب الحصار ويقوم بطهيه على الحطب ويوزعه مجانًا على الناس، ورأينا من يستضيف عدة عائلات "لا" يعرفها في منزله بعد تهدم بيوتهم، وأعجبنا من يستقبلون النازحين بالود قبل تقديم الطعام لهم رغم ندرته، والإصرار على رفع الأذان على أنقاض المساجد والصلاة فوقها ومواصلة تعليم الأطفال القرآن في الملاجئ، وهم يعانون وحشية حرب التجويع والتسليم والرضا من أسر الشهداء ومواساة بعضهم البعض؛ ففي كل أسرة شهيد أو جريح أو مفقود أو من يبحثون عنه تحت الأنقاض، ورغم ذلك كان الإجماع على التمسك بالبقاء ورفض التهجير والصبر واليقين وشكر الله عند استشهاد الأحباب أو هدم البيوت التي قضوا فيها أعمارهم والتي لا يوجد لهم مكانًا آمنا غيرها.

الوعي فريضة دينية "يتنفسها" أهل غزة وفلسطين كلها؛ فالوعي بخطورة العدو وبأهمية التوحد ضده والتنبه لسياسته في محاولاته الدائمة لزرع الفتن؛ فقد حاول الصهاينة تقديم المساعدات القليلة جدًا من خلال العشائر "لطعن" المقاومة  وفشلوا لرفض العشائر "الخيانة". 

نشيد بحسن التعامل مع الأسرى طاعة لله ولرسوله "والتحكم" في الرغبة بالانتقام فجميع الفلسطينيين لديهم ثأر شخصي ومعاناة مؤلمة مع الصهاينة والمستوطنين؛ لسرقة وطنهم وتشريدهم وحرمانهم من مقومات الحياة الطبيعية كباقي "البشر". 

ونتوقف عند وصية محمد بركات نجم منتخب فلسطين لكرة القدم؛ سجلها بالفيديو تحت أصوات الرصاص قبل استشهاده: "قد يكون في العمر بقية وقد لا يكون، ولا يحدده هؤلاء؛ بل لا يحدده إلا مالك غيب السموات والأرض هو الذي عنده علم الغيب، وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانًا فلنمت ميتة يرضاها الله ويحبها الله ورسوله"؛ كان يتكلم بقوة وعزة ورأس مرفوعة "والأهم" الصدق مع الله وكأنهم لسان حال أهل غزة كلهم.
قال مفوض الأونروا: "عدد الأطفال القتلى في غزة يفوق ما قتل في 4 سنوات من النزاعات في جميع أنحاء العالم"، وهتف غزاوي أمام أنقاض بيته: "ولا يهمك يا وطن نحن صامدون".

وشاهدنا فطور عائلة في غزة شوربة حشائش وليمون، ورفض طفل غزاوي تناول طعامه قبل أن يشاركه طبيبه رغم معاناته من سوء التغذية الحاد وبتر ساقه وقال له: نقسمها بالنص وأقسم أنه سيزعل إذا لم يأكل الطبيب معه".

أبدى وفد من أطباء كويتيين انبهارهم بالشعب في غزة؛ فكل مريض يفيق من المخدر ويشكر الطاقم الطبي ويدعو لهم؛ وهو ما لا يحدث في العالم، وأن نسبة المتطوعين للمساعدة كثيرة جدًا رغم احتياج أسرهم لهم في مخيمات النازحين في بلد يقفون يوميًا في طوابير طويلة للحصول على القليل من الماء والأقل من الطعام. 

أعلن طبيب فرنسي كان في غزة عن ذهوله من ترديد الغزاويين الدائم لكلمتي: "الحمد لله" رغم كل الأهوال التي يعيشونها.

أما كبير حاخامات السفارديم الصهيوني فقد أكد: "إذا أجبروا اليهود "المتدينين" على التجنيد؛ فسنشتري التذاكر وسننتقل جميعًا إلى الخارج.

كلمات البحث