موضوعات مقترحة
- مصر فى المرتبة 57 عالمياً فى مؤشر الجوع العالمى و62 عالمياً و11 عربياً فى مؤشر الأمن الغذائى
- قطاع الثروة الحيوانية يتمتع بخصوصية فريدة لكونه مساهماً فى تغير المناخ ومتأثراً به
- الثروة الحيوانية أحد محركات تغير المناخ وتولد 14.5% من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة
- وفاة 2.7 مليون شخص وإصابة 2.5 مليار شخص كل عام بسبب الأمراض المشتركة
نقص الغذاء أحد أهم القضايا التى تشغل العديد من البلدان، ويقصد به عدم كفاية كميات الغذاء بالنسبة لعدد السكان فى منطقةٍ ما، مما قد يهدد بحدوث مجاعة، أو يؤثر بشكلٍ مباشر على الوضع الصحى العام للسكان.
وهناك أسباب عديدة وراء نقص الغذاء، منها بيئية مثل مشكلة التغيرالمناخى، ومنها سياسية واقتصادية، مما يجعل الدول أمام تحدى توفير إمدادات الغذاء فى ظل وجود هذه المشاكل، ويرى البعض أن نقص الغذاء هى مشكلة مجتمعية تحتاج للوعى وتضافرالجهود.
نتعرف من خلال هذا التحقيق على أبعاد هذه المشكلة وموضع مصر منها والحلول المقترحة لحلها....
يقول الدكتور حسين درويش القائم بأعمال رئيس المركز القومى للبحوث: إن من أسباب نقص الغذاء تزايد أعداد السكان بدرجةٍ كبيرة، بحيث تُصبح كمية الغذاء أقل بكثير من احتياجات السكان، بالإضافة لتناقص الأراضى الصالحة للزراعة، مما ينعكس سلباً على كمية الإنتاج، وسوء توزيع الغذاء وتكدسه فى الدول الغنية والمنتجة، وقلته فى مناطق أخرى، مما يتطلب ضرورة استخدام الأساليب الحديثة فى الإنتاج، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية لتقوية الاكتفاء الذاتى، وتعزيز التصدير للخارج، ويجب توجيه البحث العلمى للأبحاث التطبيقية التى تخدم هذا الهدف، وبالتّالى رفع الإنتاج المحلى الذى يرفع من مستوى الاستثمار والإنتاج، لتتمكن الدولة من توفير كميات كبيرة من الغذاء، وتوفير الاحتياجات الضّرورية للشعب.
جرس إنذار
ويشير د. كريم عادل عبيد رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة العدل الدولية للتنمية إلى الآثار الاقتصادية لمشكلة لنقص الغذاء، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من الأسباب أدت لتفاقم أزمة نقص الغذاء منها أزمات سياسية وأمنية واقتصادية وبيئية.
وقال أن أزمة كورونا كانت بمثابة جرس إنذار لدول العالم لضرورة وضع تدابير لتحقيق الأمن الغذائى، ثم الأزمة الروسية-الأوكرانية (جرس الإنذار الثانى) لكى تعيد الدول النظر فى سياستها وأوضاع الأنظمة الغذائية والاحتياطات منها على مدار السنة، بالإضافة للأزمات الاقتصادية -الفاعل الأساسى فى أزمة نقص الغذاء- مثل ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، وبعض الممارسات الاحتكارية، وأيضاً الآثارالبيئية ومشكلة تغير المناخ والتى تساعد فى تفاقم الأزمة.
وأشار إلى أن التحديات الاقتصادية العالمية مثل الفقر، والتضخم، والبطالة، والأمن الغذائى، والتغيرالمناخى، وأزمة نقص الغذاء، هى مشاكل يعانى منها العالم كله وليس مصر فقط.
لذلك كانت أهداف التنمية المستدامة الـ17 للأمم المتحدة، حيث اهتمت الأربعة الأولى منها بالقضاء على الفقر، والجوع، والصحة الجيدة، والتعليم الجيد، لانه يترتب عليه تحقيق الإنتاج والاستهلاك، وبالتالى معالجة مشكلة نقص الغذاء.
ارتباط وثيق
ويشير د.كريم إلى أن حل مشكلة نقص الغذاء يترتب عليها دعم القطاعات الاقتصادية الأخرى، كما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمؤشرات الاقتصادية الكلية سواء بعلاقة طردية أو عكسية، حيث هناك علاقة بين نقص الغذاء وارتفاع أسعار السلع، وتزايد معدل البطالة.
وكلما زاد معدل الاستثمار فى القطاع الزراعى كلما أدى إلى معالجة مشكلة نقص الغذاء لزيادة الإنتاجية وبالتالى هو معدل هام فى حل المشكلة.
ويوضح رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن المؤشرات الصادرة عن منظمة الفاو سواء قبل أو بعد جائحة كورونا كلها، تشير إلى أن جميع دول العالم ليست على المسارالصحيح وبعيدة عن معالجة المشكلة.
وبالنسبة لمؤشر الجوع العالمى، فإن مصر تقع فى المرتبة 57 عالمياً، أما مؤشر الأمن الغذائى فتحتل مصر المرتبة 62 عالمياً، و11 عربياً.
والأمن الغذائى يقصد به الاستدامة فى توفير الغذاء بجودة مناسبة وأسعار معقولة تتماشى مع دخول الأفراد فى المجتمع، ومن المهم توفير العمل اللائق الذى يسمح للفرد بتوفير الغذاءالمناسب لأسرته.
وقد خطت مصر خطوات كبيرة نحو تحقيق الأمن الغذائى، وحققت طفرة خاصة مع الأزمة الروسية الأوكرانية، وتعطل سلاسل التوريد والإمداد، وكان لدينا مخزون استراتيجى من القمح يكفى لمدة 9 شهور، ولكن هذه الإجراءات أصبحت غير كافية فى ظل التحديات العالمية، وتحتاج المزيد لتوفير دخول تتناسب مع الأسعار والأوضاع الحالية.
وهناك خطوات لمعالجة نقص الغذاء على المدى القصير تتمثل فى زيادة المساحات المزروعة، وتوفير المزيد من رأس المال، وزيادة الاستثمارات فى قطاع الغذاء، وتقليل مخاطر التخزين، وتحسين إدارة سلسلة التوريد- ولابد من تعدد سلاسل التوريد لأن الأزمات الحالية كانت تتطلب: مزيداً من الانفتاح التجارى، وعمل شراكات مع دول جديدة، وعدم الارتكاز على مورد بعينه.. بهدف توفير متطلبات واحتياجات الدولة من السلع الأساسية والاستراتيجية.
بالإضافة للسعى لحل مشكلة ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من الأسمدة والكيماويات المستخدمة، وهى من أهم التحديات التى تواجه قطاع الزراعة، من خلال إعادة الاستخدام وتدوير النفايات لتحقيق الاكتفاء الذاتى، لخفض فاتورة الواردات، وأخيراً فإن مشكلة نقص الغذاء هى مشكلة مجتمعية تحتاج لتضافر الجهود، ورفع درجة الوعى والثقافة لدورهم الكبير فى معالجة المشكلة.
الأيدى الخبيرة
وترى الدكتورة لمياء سليم الأستاذ بالمركز القومى للبحوث، أنه من الضرورى زيادة المساحات الزراعية الصالحة للزراعة، واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة من الآلات المتطورة لزيادة الإنتاجية وتوفير الوقت والجهد، وإيجاد سلالات جديدة وطفرات مفيدة قادرة على إنتاج كميات مضاعفة من الثمار والحيوانات، والمنتجات الحيوانية من اللحوم والحليب، فضلاً عن ضبط زيادة السكان المضطردة فى العالم، ومحاولة زيادة التوعية بأهمية تنظيم الأسرة؛ لمواجهة الطلب المتزايد على الماء والغذاء والدواء، كذلك توفير الأيدى العاملة الخبيرة القادرة على إدارة الغذاء وإنتاجيته وتوزيعه بطريقةٍ تضمن عدم حدوث نقص، وذلك من خلال الاهتمام بإنتاجية الغذاء، والتركيز على النوع والكم فى الوقت نفسه.
طلب عالمى
ويشير الدكتور جميل زيدان أستاذ الفيروسات والأمراض المعدية بالمركزالقومى للبحوث، إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف الطلب العالمى على منتجات الثروة الحيوانية بحلول عام 2050، بناءً على توقعات النمو السكانى فى العالم، وبالتالى سيكون إطعام هذا العدد الكبيرأمراً صعباً للغاية مع الظروف المناخية المتغيرة.
وأوضح أن مجالات الإنتاج الحيوانى توفر مصدراً رئيسياً لكسب الرزق لصغار المزارعين، وسد الفجوة الغذائية، مثل مجال إنتاج الألبان باعتماد الأساليب الحديثة لتعظيم الإنتاج، واستخدام تقنيات التلقيح الاصطناعى لتعزيز جودة السلالات، ويمكن للشباب العاطلين عن العمل أن يدخلوا المجال بدعم مؤسسى. كما أن تربية الدواجن توفر الأساس لنموذج الأمن الغذائى فى المجتمعات الريفية، وفرص عمل للقرويين العاطلين عن العمل طوال العام.
وأيضاً تربية الأغنام يمكن أن توفر إيرادات ثابتة من خلال مبيعات لحم الضأن والصوف والماشية، ومناسبة تماماً للمناطق الجبلية، وتعمل على تحسين الظروف المعيشية للمزارعين، بالإضافة إلى تعدد مزايا تربية الماعز"بقرة الرجل الفقير"، مثل سهولة وانخفاض تكاليف التربية، والعيش على مصادر الأعلاف المختلفة، وارتفاع معدل التكاثر الذى يسمح بالحفاظ على قطيع أفضل، كما أنه مصدر ممتاز للحليب واللحوم والألياف لفقراء الريف.
كذلك تربية الأرانب يمكن أن تحل مشكلة الأمن الغذائى لارتفاع إنتاجيتها، حيث توفر اللحوم والفراء والصوف، وبالتالى دخلاً إضافياً لصغار المزارعين، واقتصادية من حيث الطاقة العلفية مقارنة بالحيوانات الأخرى.
ورغم المميزات الكبيرة لهذا القطاع إلا أنه يواجه تهديداً متزايداً نتيجة الأمراض الوبائية الفيروسية، التى تهدد استدامة إنتاج الغذاء لقدرتها على الانتشار السريع بين الماشية والحياة البرية.
وقد أدت عوامل مثل العولمة وتغير المناخ وتكثيف الممارسات الزراعية إلى زيادة خطر تفشى الأمراض الفيروسية، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير استباقية للوقاية والسيطرة.
تهديد مباشر
وأشار إلى وفاة 2.7 مليون شخص وإصابة 2.5 مليار شخص كل عام، بسبب الأمراض التى تنتقل عن طريق الحيوانات.
ويمكن للدول أن توفر مليارات الدولارات بتعزيز عمليات الوقاية ضد الأمراض الحيوانية، والسيطرة عليها، خاصة وأن معظمها يشكل تهديداً مباشراً على صحة الإنسان.
ويضيف أن تفشى أمراض مثل مرض الحمى القلاعية، وأنفلونزا الطيور، وحمى الخنازير الإفريقية تؤدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الحيوانات، وإعدام الحيوانات، وانخفاض إنتاج اللحوم والحليب والبيض.
و يعانى المزارعون من خسائر مالية بسبب نفوق الحيوانات، وتكاليف العلاج، والقيود التجارية المفروضة أثناء تفشى المرض، وهذا يمكن أن يدفعهم إلى التوقف عن العمل، مما يؤثر على سبل عيشهم واقتصاداتهم المحلية.
ويؤدى انخفاض الإنتاج واضطرابات سلسلة التوريد إلى زيادة أسعار المواد الغذائية، مما يصعب حصول الفقراء ومحدودى الدخل على المنتجات الحيوانية الأساسية، ويساهم فى مشكلة سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
كما يمكن أن يؤدى انعدام الأمن الغذائى إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار، لا سيما فى المناطق الريفية، حيث تشكل الزراعة المصدر الرئيسى للدخل وسبل العيش، وأيضاً يؤدى خطر الأمراض الحيوانية إلى تثبيط الاستثمار فى قطاع الثروة الحيوانية، مما يعيق نموه وتحديثه.
ولحماية استدامة إنتاج الغذاء من الأمراض الوبائية الفيروسية، يجب تنفيذ أنظمة مراقبة قوية لرصد ظهور مسببات الأمراض الفيروسية، وتعزيز بروتوكولات الأمن الحيوى لتقليل مخاطر دخول الأمراض وانتقالها، واستخدام حلول ذكية مثل التشخيص النانوى، وتطوير ونشر اللقاحات ضد مسببات الأمراض الفيروسية لتقوية المناعة وتقليل تعرض النباتات والحيوانات للإصابة، ويمكن لبرامج التطعيم أن تخفف بشكل كبير من تأثير الأمراض الفيروسية على الإنتاجية الزراعية وتضمن صحة ورفاهية الماشية والمحاصيل.
ويجب تعزيز الوعى لدى الجهات المعنية بالمخاطر التى تشكلها الأمراض الوبائية الفيروسية، وأهمية اتخاذ التدابير الوقائية، حيث تثقيف المزارعين والمنتجين والمستهلكين يؤدى إلى تعزيز الالتزام بممارسات الأمن البيولوجى، وتسهيل الإبلاغ المبكر عن حالات تفشى المرض المشتبه فيها.
ومن الضرورى: تعزيز دور البحث العلمى، ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة لاكتشاف بدائل طبيعية من مضادات الميكروبات؛ لتقليل الآثار السلبية لها.
خصوصية فريدة
ويوضح الدكتور سامى أبوبكر محمود أستاذ متفرغ تربية الحيوان كلية الزراعة جامعة القاهرة، أنه من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بنسبة 33 %، أى من 7.2 إلى 9.6 مليارنسمة بحلول نهاية عام 2050، مما سيزيد الطلب على المنتجات الزراعية بنسبة 70% فى ظل ثبات المساحة العالمية للزراعة منذ عام 1991 ، وهذا يعكس الجهود المبذولة لزيادة مستويات الإنتاج.
وتوفر المنتجات الحيوانية 17% من استهلاك السعرات الحرارية، و 33 % من استهلاك البروتين العالمى، ويساهم قطاع الإنتاج الحيوانى فى سبل عيش مليار شخص من أفقر السكان فى العالم، ويعمل به ما يقرب من 1.1 مليار شخص.
ويضيف أن قطاع الثروة الحيوانية يتمتع بخصوصية فريدة من نوعها؛ لكونه مساهماً فى تغيير المناخ، وأيضاً متأثراً به، وتٌعد درجة الحرارة والهواء والرطوبة وسرعة الرياح والإشعاع الشمسى من بين المتغيرات المناخية الرئيسية التى تؤثر على الإنتاج الحيوانى، لذلك يتمثل التحدى فى الحفاظ على التوازن بين الإنتاجية والأمن الغذائى والحفاظ على البيئة.
وسيكون الإنتاج الحيوانى مقيداً بتقلب المناخ، حيث من المتوقع أن يزداد استهلاك المياه من خلال الحيوان بمقدار ثلاثة أضعاف، و يزداد الطلب على الأراضى الزراعية بسبب الحاجة إلى نمو بنسبة 70% فى الإنتاج، ومخاوف تتعلق بالأمن الغذائى، حيث نحو ثلث حصاد الحبوب العالمى يستخدم فى تغذية الثروة الحيوانية.
وعلى المستوى العالمى يؤثر المناخ على معدلات نمو الماشية، وإنتاج اللبن والبيض، والأداء التناسلى، وانتشار الأمراض، والنفوق، إلى جانب نقص الأعلاف.
وفى الوقت نفسه، تعد الثروة الحيوانية أحد محركات تغير المناخ، حيث تولد 14.5% من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية المنشأ.
والتفاعل بين تغير المناخ المستمر والطلب على زيادة الإنتاج الحيوانى يجعل من الصعب زيادة الإنتاج مع تقليل التأثيرات المناخية وانبعاثات الغازات الدفيئة. ويتطلب التصدى لهذه التحديات فهم آثار تغير المناخ على الإنتاج الحيوانى، فضلاً عن تأثير إجراءات التكيف والتخفيف.
وتعتبر البيئة الحرارية هى العامل المناخى الرئيسى الذى يؤثر على الإنتاج الحيوانى، وغالباً ما يشار إلى العلاقة التى تصف أفضل الظروف باسم منطقة الراحة الحرارية، حيث تظهر الحيوانات الأداء الأمثل والحد الأدنى من استهلاك الطاقة، وتعانى الحيوانات من الإجهاد الحرارى عندما تنحرف درجة الحرارة خارج منطقة الراحة الحرارية.
خسائر سنوية
وتتراوح الخسائرالسنوية المقدرة لصناعة الماشية فى الولايات المتحدة بسبب الإجهاد الحرارى بين 1.7 و2.4 مليار دولار.
وهذا بدوره يمكن أن يؤدى إلى انخفاض تناول العلف وإنتاج اللبن، وكفاءة التناسل، فضلاً عن التغيرات فى معدل النفوق ووظيفة الجهازالمناعى.
وتعد الأبقار الحلابة أكثر تأثراً من حيث الانخفاض فى تناول العلف مع ارتفاع درجات الحرارة المحيطة، وكما يعد الماعز أقل عرضة للإجهاد الحرارى من المجترات الأخرى.
وتشير الدراسات إلى أن صناعة الألبان تعانى من خسائر اقتصادية أكبر بسبب الإجهاد الحرارى مقارنة بقطاعات الثروة الحيوانية الأخرى، والسلالات الأكثر إنتاجية تظهر حساسية أكبر للإجهاد الحرارى، كما تتأثر مكونات اللبن، وينخفض محتواه من البروتين والدهون.
يؤثر الإجهاد الحرارى على التناسل لكلا الجنسين، كما يعد النفوق أحد آثارالإجهاد الحرارى المهمة التى لها خسارة اقتصادية كبيرة مرتبطة بها.
أما التأثيرغير المباشر لتغيير المناخ على الإنتاج الحيوانى يتمثل فى نقص الأعلاف وجودتها، وندرة المياه، وزيادة الأمراض، والإضرار برفاهية الحيوان.
ويشير د.سامى أبو بكر إلى أن الثروة الحيوانية تعد مساهماً كبيراً فى غازات الدفيئة العالمية، حيث تقدر الانبعاثات بنحو 8.1 جيجا طن من مكافئ ثانى أكسيد الكربون سنوياً أو 14.5% من إجمالى الانبعاثات البشرية المنشأ.
وتتكون الانبعاثات الصادرة عن سلاسل إمداد الثروة الحيوانية من 44 % غاز الميثان CH4))، 29 % أكسيد النيتروز N2O) )، و27 % ثانى أكسيد الكربون CO2))، مع الانبعاثات.
والماشية هى المساهم الرئيسى، بنحو 62 % من إجمالى الانبعاثات، وتمثل الأنواع الأخرى (الخنازير والدواجن والجاموس والمجترات الصغيرة) ما بين 7% إلى 11% من انبعاثات القطاع..
وتشكل الانبعاثات المرتبطة بإنتاج الأعلاف ومعالجتها ونقلها نحو 45 % من الانبعاثات المرتبطة بالثروة الحيوانية، والتغير فى استخدام الأراضى يساهم بنسبة 9.2% من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة من الماشية، ويحدث ذلك من خلال تغيير استخدام الأراضى لإنتاج المراعى (6%)، ومحاصيل الأعلاف (3.2 %).
وبسبب النمو السكانى والتحضر وتزايد الدخل، من المتوقع أن يزداد الطلب على الثروة الحيوانية ومنتجاتها، مما يؤدى إلى زيادة الإنتاج الحيوانى. وبحلول عام 2050 مقارنة بعام 2005 / 2007، من المتوقع أن يرتفع إنتاج اللحوم فى العالم بنسبة 76% واللبن بنسبة 63 %، مع تضاعف الطلب على العلف تقريباً.
يساهم إجمالى استهلاك الطاقة على طول سلسلة توريد الثروة الحيوانية بنحو 25 % من إجمالى الانبعاثات فى قطاع الثروة الحيوانية.
لذلك فإن النمو السريع لقطاع الثروة الحيوانية ومساهماته المختلفة فى الاقتصاد وسبل عيش الإنسان، يسلط الضوء على أهمية فهم أفضل لآثار تغير المناخ على الثروة الحيوانية.
المحرك للجوع
ويشير د.أبو بكر إلى أن تغير المناخ هو المحرك للجوع فى العالم، ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية ومستويات سطح البحر، فإن النتيجة هى المزيد من موجات الحر، والجفاف، والفيضانات، والأعاصير، وحرائق الغابات، وهذه الظروف سوف تصعب زراعة الغذاء.
وستكون إفريقيا أكثر تضرراً بشكل خاص، حيث سيرتفع متوسط درجات الحرارة بشكل أسرع منه فى بقية أنحاء العالم، ويتزايد معدل سقوط الأمطار بنسبة 30 % فى المناطق الرطبة، وينخفض بنسبة 20 % فى المناطق الجافة.
و 95 % من مزارعى إفريقيا يعتمدون على سقوط الأمطار وليست لديهم أنظمة للرى وقبل عام 1999، كان موسم الأمطار السىء فى إفريقيا يحدث كل خمس أو ست سنوات، أما اليوم، يعانى المزارعون من نقص الأمطار كل عامين أو ثلاثة أعوام، وفقاً للمعهد الدولى لبحوث الثروة الحيوانية.
وتقول الأمم المتحدة: إن الإنتاجية الزراعية فى جميع أنحاء إفريقيا انخفضت بنسبة 34 % بسبب تغير المناخ أكثرمن أى منطقة أخرى.
صحة الإنسانِ
ويوضح الدكتور وليد محمد يوسف استشارى التصنيع الغذائى، الآثار الناجمة عن نقص الغذاء والتأثيرالسلبى على صحة الإنسانِ، مشيراً إلى أنه أحد التحديات الرئيسية التى تواجه العديد من الدول النامية، وقد تفاقمت هذه المشكلة فى ظل حدوث الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وجائحة كورونا، والتحديات الاقتصادية والسياسية المتزايدة.
ومن الآثار الناجمة التى ترتبت على نقص الغذاء فى تلك الدول ارتفاع معدلات الجوع والتقزم، وزيادة معدلات الفقر.
ويؤدى نقص الغذاء إلى تضخم مشكلات اقتصادية فى الدول النامية، حيث يقلل من إنتاجية العمالة ويؤدى إلى زيادة معدلات الغياب عن العمل بسبب المرض وضعف الأداء الوظيفى، كما يتطلب علاج الأمراض المرتبطة بنقص الغذاء تكاليف طبية باهظة تزيد عبء النفقات الصحية على الحكومات والأفراد.
كما يؤثر نقص الغذاء أيضاً على التنمية الاجتماعية فى الدول النامية، حيث يزيد من معدلات الفقر والجوع ويؤدى إلى تفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وبالتالى تفشى الفقر والجريمة.
وأيضاً يؤدى نقص الغذاء إلى تدهور الحالة الصحية للأفراد، مما يزيد من انتشار الأمراض والأوبئة بين السكان ونقص المناعة، مما يؤدى إلى زيادة معدلات الوفيات خاصة بين الأطفال وكبار السن، لذلك فإن نقص الغذاء يشكل تحدياً كبيراً، يتطلب جهوداً مشتركة من قبل المجتمع الدولى للتصدى لهذه المشكلة، والعمل على إيجاد حلول شاملة ومستدامة لضمان توفير الغذاء الكافى والصحى لجميع سكان العالم، خاصة فى الدول النامية التى تعانى من أكبر نسبة من هذه الآثار السلبية.
قمة روما
ويشير د.وليد إلى أن قمة روما، يوليو 2023 انتهت بدعوة الجميع للعمل على اتخاذ "إجراءات عاجلة وضرورية"؛ لسدّ الفجوة التمويلية فيما يتعلق بالنظم الغذائية - الشبكات اللازمة لإنتاج الأغذية ونقلها، وضمان وصولها للمستهلكين – بالتوازى مع الإعلان عن تمويل جديد من صندوق الأمم المتحدة المشترك المعنى بأهداف التنمية المستدامة.
واعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بتخاذل الدول الكبرى وانشغال الغنية منها عن حق إنسانى أساسى ووجودى، كالغذاء، لصالح التسلّح وتعزيز أدوات القتل والدمار.
ولقد أوضحت الأرقام بأنّ أكثر من 780 مليون شخص يعانون من الجوع، فى الوقت الذى يُهدر فيه نحو ثلث كمية الطعام على مستوى العالم، أو يُتلف فى القمامة، وفى مقابل معاناة 462 مليون شخص من نقصٍ فى الوزن، يعانى أكثر من مليارى شخص من زيادةٍ فى الوزن أو السمنة عالمياً، وهذه الصورة وحدها، كفيلة بإظهار التناقض الحاصل لجهة القدرة على توفير الغذاء للجميع وتكافؤ فرص الحصول عليه، ومن هنا كانت دعوة غوتيريش المجتمعين بالقمة إلى تخصيص 500 مليار دولار سنوياً على الأقل من أجل مساعدة الدول النامية؛ للقيام باستثمارات طويلة الأجل فى مجال الغذاء.